النهوض الاقتصادي في ظل ثورة 21 سبتمبر .. معركة التحرر والسيادة الوطنية

بتمبر 2014، مثّلت ثورة التحرر والسيادة في اليمن تحوّلاً جذريًا في مسار البلاد، ليس فقط على الصعيد السياسي أو العسكري، بل  وبشكل أعمق على الصعيد الاقتصادي، حيث خاضت القيادة الثورية والسلطة الوطنية معركة شاقة لتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية والارتهان، وبناء أسس اقتصادية متينة، رغم ما فرضه العدوان من حصار خانق وتدمير ممنهج للبنى التحتية.

تقرير / طارق الحمامي

هذا التقرير يستعرض ملامح النهوض الاقتصادي في ظل ثورة 21 سبتمبر من خلال النهوض بالقطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، والمضي قدماً في تطوير الصناعة الوطنية وتحقيق الاكتفاء النسبي، وإدارة معركة النقد والحفاظ على استقرار العملة، وصولاً إلى اقتصاد إنتاجي مستقل مقابل النظام الريعي السابق.

وهو مؤشر يؤكد أن ثورة 21 سبتمبر لم تُحدث فقط تغييرًا في البنية السياسية، بل أطلقت مشروعًا تحرريًا متكاملًا في صلبه اقتصاد وطني مستقل يقوم على الإنتاج والمبادرة الذاتية، بعد عقود من الارتهان الاقتصادي وغياب الرؤية التنموية.

الزراعة .. بوابة الأمن الغذائي والنهوض من القاع

مثّل القطاع الزراعي نقطة الانطلاق الأولى في مسار النهوض الاقتصادي بعد الثورة، انطلاقًا من إدراك القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، أن الأمن الغذائي هو جزء من الأمن القومي.

في مرحلة ما قبل الثورة، كان اليمن يعتمد على الاستيراد بنسبة تجاوزت 90% من الحبوب والغذاء، ما جعله فريسة سهلة للحصار والضغوط الدولية، أما بعد الثورة، فقد تغيّرت المعادلة، فقد تم إحياء الأراضي الزراعية المهملة وتشجيع المزارعين بدعم حكومي وشعبي، وأُطلقت حملات وطنية لزراعة القمح والبقوليات، خاصة في محافظات مثل الجوف، وذمار، وحجة، وصعدة، وتأسست جمعيات تعاونية إنتاجية وتوسعت الأسواق المحلية للمنتجات الزراعية، وارتفع وعي المجتمع بدور الزراعة كركيزة للبقاء والصمود.

لتكون النتيجة التي أذهلت العدو قبل الصديق تتمثل في تحقيق اكتفاء جزئي في عدد من المحاصيل، وانخفاض الاعتماد على الاستيراد في ظل الحصار، وعودة الزراعة كقطاع استراتيجي في الاقتصاد الوطني.

 الصناعة الوطنية .. من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي

دخلت ثورة 21 سبتمبر مرحلة إعادة بناء القاعدة الصناعية كضرورة وجودية، في ظل انهيار سلاسل الاستيراد وتوقف الدعم الخارجي، وقد نجحت في إنشاء وتوسيع مصانع محلية للأدوية والسلع الغذائية، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة على مستوى المدن والقرى، وكذلك رفع كفاءة المنتجات الوطنية، وتشجيع ثقافة “اشترِ المنتج المحلي”.

نتج عن هذه الاستراتيجية، نمو ملموس في الإنتاج الصناعي المحلي، وبداية تشكّل صناعة وطنية مستقلة تسهم في دعم الجبهة الاقتصادية للبلاد.

إدارة معركة النقد .. حماية الريال من الانهيار

فيما انهارت العملة الوطنية بشكل كارثي في المحافظات اليمنية الخاضعة للوصاية، استطاعت القيادة الثورية والسياسية أن تتخذ قرارات حاسمة أسهمت في وضع استراتيجية لمواجهة المعركة التي فرضها العدوان ووجه مرتزقته بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن ، واستطاعت الحكومة الوطنية أن تحافظ على توازن و استقرار نسبي لسعر الصرف، بفضل منع تداول العملة المطبوعة بدون غطاء التي تم ضخها من قبل حكومة المرتزقة ، وتشديد الرقابة على شركات ومحلات الصرافة، وكذلك إعادة تفعيل الإيرادات المحلية لتمويل الخدمات الأساسية، وإبقاء أسعار السلع في حدود القدرة الشرائية للمواطن، وكان آخر هذه القرارات التي مثلت انتصاراً غير مسبوق برغم العدوان والحصار ، هو إصدار العملات من فئة ( خمسون ريالاً – مئتين ريال) والتي انعكست بصورة إيجابية وقوية على القدرة الشرائية وتوفر العملة في السوق، فكانت النتيجة انتصار سياسي واقتصادي في معركة النقد، وإفشال خطة العدو بإسقاط الاقتصاد من الداخل،

وبالعودة للمقارنة ما قبل ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر فقد تعرضت العملة للانهيار التدريجي، وكان التحكم بالسياسات النقدية مرتهن للخارج والمؤسسات الدولية، حتى تمويل الميزانية كان يتم من خلال إغراق الإقتصاد الوطني بعبء القروض.

من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي وطني

اعتمد النظام السابق قبل ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر،  على نموذج اقتصاد ريعي هش، قائم على تصدير النفط والاستيراد الواسع، في ظل فساد مالي وهيمنة دولية، وبعد الثورة، تغيّر الاتجاه نحو بناء اقتصاد إنتاجي مستقل، عمل على تشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، وأتاح فرص العمل  للعاطلين عن العمل من خلال المشاريع الصغيرة، وكذلك تحفيز الاكتفاء الذاتي بدلاً من التبعية الاستهلاكية، وتم تفعيل دور المجتمع في المبادرات التنموية.

تحقق معها ولادة نموذج اقتصادي جديد متجذر في الإرادة الشعبية، ويعتمد على الإمكانيات الذاتية المتوفرة داخل البلد.

الثورة والمنهج القرآني .. قيادة اقتصادية برؤية إيمانية

من أبرز ما ميّز ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر عن غيرها من الثورات في المنطقة، هو أنها لم تكن ثورةً عشوائية أو ردة فعل لحظية على فساد سياسي أو ظلم اجتماعي فقط ، بل كانت ثورة واعية، منطلقة من منهج قرآني، وبقيادة مؤمنة تتخذ من كتاب الله مرجعية ومصدرًا للهداية في كل مجالات الحياة، وعلى رأسها المجال الاقتصادي.

السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله)، ومن خلال خطاباته وتوجيهاته المتكررة، رسم معالم واضحة للنهوض الاقتصادي، تستند إلى، الاعتماد على الله والثقة به كمنطلق لتحرر الإنسان من الخوف من المستقبل الاقتصادي، وتحفيز الإنتاج المحلي باعتباره مسؤولية إيمانية ووطنية، وأن التوكل على الله لا يعني التواكل، بل يعني العمل الدؤوب مع الإيمان بأن الرزق بيد الله، للوصول إلى التحرر من التبعية الاقتصادية كجزء من معركة التحرر الشامل من الهيمنة الغربية والاستكبار العالمي.

ومن الأمثلة الناجحة التي وجه السيد القائد يحفظه الله على ضرورة الاهتمام بها والتوسع الجاد في تحقيقها ، هي المشاريع الزراعية والإنتاج المحلي، وانطلقت كمبادرات مدفوعة بتوجيهات قرآنية وبرعاية مباشرة من القيادة، ودشنت الحملات الوطنية للزراعة، والاكتفاء الذاتي، وإحياء فريضة الزكاة، وكلها تمت برؤية تكاملية تجمع بين العبادة والعمل.

الخطاب القرآني الموجه للناس رسّخ ثقافة الاعتماد على الذات، ورفض الارتهان الاقتصادي، وأعاد بناء الوعي العام تجاه أهمية الإنتاج.

خاتمة

ارتباط الثورة بالمنهج القرآني، وبقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، لم يضف بعدها الروحي فحسب، بل منحها أساسًا متينًا لبناء مشروع اقتصادي تحرري مستقل، غير خاضع للهوى أو المصالح الدولية، بل قائم على القيم الربانية التي تجعل الكرامة، والاستقلال، والعدل، والإنصاف منطلقات لأي حركة اقتصادية تنموية.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن القرار الاقتصادي المستقل الذي انتزعته ثورة 21 سبتمبر لم يكن شعارًا سياسيًا عابرًا، بل كان مشروعًا عمليًا متكاملًا، أثمر عنه ، إعادة بناء أسس الاقتصاد من الداخل، وحماية العملة الوطنية من الانهيار، وانتعاش القطاعات الإنتاجية المحلية، وكذلك تعزيز وعي المجتمع بثقافة الاكتفاء والعمل.

ورغم شراسة العدوان، وضيق الموارد، وامتناع المجتمع الدولي عن الاعتراف بحق الشعب اليمني في العيش الكريم، إلا أن الاقتصاد الوطني صمد، بل وبدأ في التوسع بخطى واثقة، ما يعكس حكمة القيادة الثورية وعمق مشروعها القرآني والوطني.

إن النهوض الاقتصادي في ظل ثورة 21 سبتمبر ركيزة أساسية من ركائز التحرر الوطني والسيادة الكاملة، وهو إنجاز بحجم الثورة نفسها، يرسّخ حقيقة أن اليمن ماضٍ في طريق بناء دولته القوية، المنتجة، والمستقلة، بعيدًا عن التبعية والارتهان، وبإرادة لا تُقهر.

 

مقالات ذات صلة