الزهراءُ البتول ينبوعُ ذُريةِ الرسول

منير الشامي

يجهل الكثير من المسلمين منزلة الزهراء -عليها السلام- في الإسلام ومكانتها في الأُمَّــة، وهي ثالث ثلاثة من حَيثُ المنزلة والمكانة في الأرض وفي السماء بعد أبيها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- وزوجها أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام-، فمنزلتها عظيمة بعظمة الرسالة والرسول ومكانتها رفيعة برفعة الهداية والهداة، فالكتاب من السماء نور الله والثقل الأكبر والهداة من الزهراء نور الله ومنها الثقل الأصغر، اقترن الثقلان فاكتمل نور الله على الأرض، وقضى الله بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، بهما تنكشف كُـلّ ظلمة وتنزاح كُـلّ غُمة، ولا نجاة؛ لإنسان إلا بنورهما معاً أما بأحدهما فلا نجاة له، ومن هذه الحقيقة عُرفت منزلة الزهراء ومكانتها التي ينبغي أن لا يجهلها مسلم ولا مسلمة؛ فالجهل بها جهل بأمر مهم من أمور رسالة أبيها سيدنا محمد صلوات الله عليه وعليها وعلى بعلها وبنيها، وعلى كُـلّ مسلم ذكراً كان أَو أنثى أن يعلم أن السيدة فاطمة الزهراء لم تنل منزلتها ومكانتها لنسبٍ وقربى بل لإيمَـان وتقوى ولتأدية مهمةٍ عظيمة ودور كبير، ولا خلاف بين المسلمين في كمال إيمَـان الزهراء وعظمة تقواها، إنما خلافهم حول اصطفاء الله لها ما بين مؤمن مقر باصطفائها لتأدية مهمة عظيمة ودور كبير في حياة المسلمين جيلاً بعد جيل، وبين جاحد لذلك وهو ما يوجب توضيح الحقيقة لكل من يجحد اصطفاء الله لها ولكل من يجحد دورها العظيم في الرسالة المحمدية، وهو ما سأوضحه بشكل مختصر كما يلي:

 

1- من المعلوم أن المهمة الرئيسية للرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ولجميع الرسل من قبله هي تبليغ الناس بالرسالة ودعوتهم إليها وإنذارهم من الإعراض عنها، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)، وقال أَيْـضاً: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، وهناك آيات كثيرة أُخرى وكلها تبين أن مهمة الرسول هي الإنذار والتبليغ، أما مهمة الهداية فلكل قوم هاد كما قال سبحانه وتعالى، أي أن الله سيصطفي أعلاماً لدينه لهداية الناس وتعليمهم أصول الدين ونصوصه، وأسسه وقواعده، ومسالكه ودروبه؛ فاصطفى الله الزهراء لتكون ينبوع أعلام الدين ونجوماً يهتدي بهم الحائرون من بعد رسول الله ووصيه أمام المتقين؛ فقال سبحانه وتعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) والكوثر هي الزهراء -عليها السلام- وتعني كثيرة الذرية، وتأكيداً من الله لرسوله أنه ليس أبتر كما وصفه العاص بن وائل السهمي، وأنه سبحانه وتعالى جعل ذريته باقية ومباركة منها، وقد نزلت هذه السورة رداً من الله على قول المشرك المذكور في رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وبيَن أن الأبتر هو شانئك من عيرك بما ليس فيك، وفي قوله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) دليل على اصطفاء الله لفاطمة الزهراء وأنه جعل قرناء القرآن منها، وللقارئ أن يتأمل هل يوجد اليوم أحد ينتسب إلى -العاص بن وائل- طبعاً لا يوجد ولا شخص واحد، بينما يوجد اليوم عشرات الملايين من ذرية سبطي رسول الله، وظهر منهم فيما مضى الآلاف من أعلام الأُمَّــة، الذين كانوا عاملاً رئيسياً في بقاء دين الله وانتقاله عبر الأجيال المتعاقبة، فمن هو الأبتر؟

 

 

 

2- يلاحظ أن حب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- الشديد لفاطمة فاق حب الأبوة الفطري بعشرات الأضعاف، وهذا يدل على أن حبه لها هو حب مرتبط بدورها المحوري في رسالة السماء لا حب فطرة أبوية، والدليل ما ورد في حديث الثقلين ولذلك كان حب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- لبضعته الزهراء كحب نبي الله يعقوب -عليه السلام- لولده يوسف -عليه السلام- دون سائر أبنائه؛ لأَنَّ يوسف امتداد للنبوة والرسالة وهو ما ليس في بقية أبنائه ففاق حبه حب الفطرة الأبوية بعشرات الأضعاف، وهكذا كان حب رسول الله لبنته فاطمة؛ لأَنَّ منها امتداداً لذريته أعلام الدين، ومن ينكر ذلك نقول له: هل تؤمن بأن نبي الله عيسى -عليه السلام- من ذرية نبيه إبراهيم؟ فإن أنكر ذلك يكون قد كفر بما جاء في كتاب الله، وإن قال نعم هو مؤمن بذلك، نقول له كيف تؤمن أن عيسى من ذرية إبراهيم وبينهما أجيال ودهور وتنكر أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله وهما من بضعته الزهراء؟ فإن احتج بقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أحد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) نقول له أخطأت الاحتجاج؛ لأَنَّ هذه الآية نزلت في التبني كون رسول الله تبنى زيد بن حارثة، وبهدف القضاء على عادة جاهلية كانت مترسخة عند العرب وهي عادة التبني؛ لأَنَّ هذه العادة كان يترتب عليها مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية في تحريم الحلال كالزواج وتحليل الحرام كالإرث، وقد نسف الله هذه القاعدة بتزويج رسوله ممن كانت متزوجة بزيد بن حارثة في حين أن سورة الكوثر دلت على أن الله جعل ذرية رسوله من بضعته الزهراء -عليها السلام-.

 

 

مقالات ذات صلة