وما النصرُ إلا أخلاق

ألطاف المناري

 

على مر العصور وعلى طول التاريخ وعرضه، يوجدُ للمقاتل أخلاقٌ ومبادئ تحكم حربه، فلا يقتل شيخاً عجوزاً، ولا يفجع طفلاً، ولا ينتهك للنساء حرمة، ولا يسلب البيوت حقها حتى وإن كان في أمس الحاجة، تلك هي قيم وأخلاق الدين الحقّة، توارثتها الأجيال وصانها كُـلّ ذي مروءة ونخوة، كمجاهد اليمن الذي يبذل روحه؛ لأجل عزة شعبه وأرضه، فلا الفلل الفاخرات تزيغ بصره، ولا أحدث السيارات تعمي قلبه، حتى بريق الذهب والمجوهرات لا يسيل لها لعابه، بل يرى نفسه الأمين الذي يرخص في سبيل حمايتها هي وأصحابها دمه وروحه.

 

مبادئ تمضي في سبيلها قوافل من الشهداء والجرحى، مبادئ تحلى بها المقاتل اليمني النبيل، فكان لازماً على النصر أن يحل بين يديه، وكل الأحرار تراصت حوله، معيدين للدين نقائه وطهره، فينقل للعالم في أبهى حُلله، بطولات سَطّر العالم رفيع أخلاق مقاتليها، وعظيم إيمان مجاهديها، وشهد على ذلك كُـلّ من خاض رحى الحرب ورأى نار لظاها، أخلاق المجاهدين تشهد لها ملائكة السماء قبل أهل الأرض، ويباركها الله بـانتصاراتٍ تتوالى، قبل أن يُشيد بها كُتابٌ وشعراءٌ وأدباء، وما النصر إلا أخلاق في قاموس المجاهدين، سواءٌ أكانوا في الحرب أَو بالأمن مُنعَمين.

 

وما استقبال أبناء مدريتي سنحان وبني مطر لقبائل مراد إلا شاهد مبين، فتلك القبائل المُضيفة لها قبائل صنعاء -قبيلة مراد- شهرت سيفها وصالت في الحرب وجالت، وأعادها إلى جادة صوابها أمانة المجاهدين ورقي أخلاقهم وعطفهم وتسامحهم، بعد أن غرس المعتدين أقبح الصور عن الأبطال في أذهان قبيلة مراد ووادي عبيدة، وغيرهم الكثير، فعندما حَـلّ النصر اندهش المغرر بهم وقال أحدهم: “كنت أظن إن رآني أحد أنصار الله فسيفرغ بندقه في رأسي، لكنه وضع سلاحَه لأطمئن أنه جاء منقذاً وحامياً لي ولأهل بلدي في حين كان من المفترض أن أضع أنا سلاحي على الأرض، لقد رأينا ملائكة على هيئة بشر، استقبلونا بالأحضان وأكرمونا وعرفنا أن تلك المبادئ هي سببٌ في التفاف الشعب حولهم، وتحقيق انتصارات متسارعة في كُـلّ جبهات حربهم “تلك شهادة مقاتل حرب، وليس مواطناً عاديا، وهي واحدة من بين آلاف الشهادات، وقد رأى العالم مثيل تلك المواقف بل وأعظم منها، فمجاهد أنصار الله يحمل جريح العدوّ ويمشي بين زخات الرصاص لينقذ روحه، ويخلع ملابسه ليقيه من نسمات الهواء الباردة، يروي ظمأ الأسير، ويداوي جراح الجريح، ويؤمن له مسكنه وأكله وشربه.

 

أخلاق القرآن ومحمد تتجسد على يد المغاوير في كُـلّ ساحات النزال، لا بيوت تُنهب ولا حرمات تنتهك، ولا حقوق تسلب، في المقابل نهب وسرقة وانتهاك في كُـلّ شبر تطأها أقدام المرتزِقة والمعتدين، قانون الحرب لديهم لا يخضع لقوانين الرسالات السماوية، فأي جندي يرتقي في رتبته العسكرية يُحسب له كم قتل، وكم بيوت سرق، وكم حرمة انتهك، وكم أسرى عذب، وكم جريح ذر على جراحه الملح لتزيد في صرخاته وألم روحه الآنفة للضيم، النابضة بالعز والشموخ.

 

أخلاق المرتزِقة لم تفطر عليها أرواحهم بل تدربوا عليها في معسكرات التجريد من القيم والمبادئ والإنسانية، معسكرات داعش الإجرامية، التي تتفن في قتل الأبرياء وتجاهر به في أوساط الأُمَّــة الإسلامية، أخلاق جعلت الجرح غائراً في قلوب المواطنين في كُـلّ مكان نزلوا به، فهم لا يكتفون بالتعامل اللا إنساني بل ينهبون كُـلّ أملاكهم ويكسرون كُـلّ ما لا يستطيعون أخذه، بالأمس يظهر على شاشة المسيرة أحد أبناء الحديدة وهو يبكي كمداً على ثمرة تعبه، وكيف لا يكون ذلك وقد غادر منزله وهو في أبهى حلة، تسكن زواياه أفخر الأثاث، وتتزين جدرانه بأجمل النقوش، فعاد إليه ووجده خالياً من كُـلّ شيء، لم يبقَ فيه إلا ألواح أبواب مهشمة، وجدران نَقَش المرتزِق بخدوشٍ بشعة صُورَه، حتى حنفيات المياه طالتها يداه، حتى الشجر لم يهنأ له أن يراها تنبض بالحياة، فانتزعها من جذورها كما لو أنها تقاتله بأغصانها الوارفة، أعمال تدل على قبح السريرة، ونتانة المسيرة التي يمشي فيها كُـلّ مرتزِق وعميل..

 

يتجرع المواطن الواقع تحت الاحتلال السعوصهيوأمريكي المُر، ويشاهد ألوان العذاب، لا يأمن على روحه وممتلكاته، فرصاصات المحتلّ وأذياله (الخونة) لم يحكم مسارها، طائشة على الدوام، تردي كُـلّ صوت حُر عبر عن انزعَـاجه من الوضع صريعاً مسجى على الأرض، شرعية تحكم بالحديد والنار، منهجيتها تسري على أَسَاس (أطع الأمير وإن قصم ظهرك وأخذ مالك وعرضك).

 

سحل وقتل ونهب، وتكميم أفواه، تلك هي الشرعية التي يريد العدوان أن ترجع لتحكم الشعب، فهل يتعظ ذوي العقول؟!

 

هل يقدرون الأمن والاستقرار في الأمن الغذائي الذي لا يوجد في المناطق الواقعة تحت سطوة المحتلّ؟

 

أيها الناعقون على حكومة أنصار الله اعملوا مقارنةً بسيطةً بين حالكم وحال أهل الجنوب لتعرفوا أيَّ نعيم فيه تتقلبون.

مقالات ذات صلة