آفاقٌ غديرية

د. تقية فضائل

 

لو شاء الله أن يكونَ مبدأُ الولاية واقعاً تحياه الأُمَّــة الإسلامية فهذا يعني نهضةً حقيقيةً تنهضُ بالإنسان فكراً وعلماً وروحاً وحضارةً، هذه النهضة ستفوق الحضارة الغربية القائمة على إعلاء شأن المبادئ المادية البرجماتية على حساب القيم الإنسانية والروحية.

 

في ظل مبدأ الولاية ستنطلقُ طاقاتُ الأفراد الفكرية والإبداعية والعلمية والعملية؛ لأَنَّ مبادئ العدالة والحرية والأمن وَقوانين المواطنة المتساوية هي المتحكمة في حياتهم، وقيمة المرء بعلمه وكفاءته وتأهيله وجده واجتهاده وليس بالولاءات الضيقة والتملق والنفاق والمصالح الشخصية والمناطقية والعنصرية وما شابهها من معاييرَ مدمّـرة تجر المجتمعات إلى أسوأ الأحوال وتجعلها في أسفل سافلين.

 

وعندما يكون القرآن هو الموجه للسلوك الفردي والجمعي فلن يجد الشيطان وأعوانه الساحة خالية يرسمون فيها مجرى الأحداث والممارسات المنحرفة عن السياق القرآني، كما أنه يتعذر عليهم أن يهيمنوا على عقول أبناء الأُمَّــة ويبثوا سمومهم بشتى الوسائل ليجردوهم من قيمهم الدينية وأخلاقهم الإنسانية، فالحصن القرآني حصنٌ منيع يقي اللائذين به عدوانهم مهما كانت قوته وتأثيره.

 

وبوجود قيادة قرناء القرآن الواعية والمؤهلة والحريصة على القيام بواجبها كما ينبغي، حينها سيدرك المجتمع ضرورة الالتفاف حولها ومؤازرتها؛ لأَنَّها حائزة على احترام الجماهير بنزاهتها ومصداقيتها وعملها الجاد؛ مِن أجلِ مصلحتهم وأمنهم وَحرصها الكبير على الشعب وَالوطن ومكانتهما بين الأمم ومحافظتها على حريتهما وكرامتهما ستكون صخرة تتحطم عليها آمال الأعداء الرامية لسلب حقوقهما وعزتهما ومهما كثر هؤلاء الأعداء وازدادت قوتهم فلن يزيدَها ذلك إلا صموداً وثباتاً؛ لأَنَّها بذلك تستجيب لربها الذي وجهها لما يحييها فتعد العدة على أكمل وجه وترفع راية الجهاد، كما أنه تتجسد فيها أخلاقيات القرآن وتعاليمه فتنتصر للمستضعفين في أنحاء العالم، ﻻ سيما المستضعفين من المسلمين وتصبح أنموذجاً محترماً يُقتدى.

 

ويصبحُ المجتمعُ القرآني مجتمعاً واعياً تختفي في أوساطه مبادئُ شيطانيةٌ تجذرت فيه أزمان التخلف والضعف وولدت فكراً مغلوطاً جر الأُمَّــة إلى مستنقعات القتل والدمار من جهة وللخضوع والخنوع للظلمة وَلأعدائها من جهة أُخرى مثل ”أنا خير منك” و ”لست مؤمنا” وَ ”إنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لنرجمنك أَو ليمسنك منا عذاب أليم” وَ ”ﻻ أريكم إلا ما أرى” وَلن نؤمن حتى نرى الله جهرة” وَ”اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” و ”اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء” وغيرها ويترسخ في عقليتها ثقافة صحيحة سليمة.

 

حينئذ تتحولُ الثقافةُ العالمية بشكل عام إلى الثقافة القرآنية؛ لأَنَّ العالم سئم قبح الثقافة الغربية وصدمه زيفها وخداعها وانحلالها الأخلاقي الذي دمّـر المجتمعات وقيمها، ووجد بديلاً راقياً في جميع جوانبه يكفل للإنسان حياة كريمة تحتفي بإنسانيته وروحه وعقله وفكره وقدراته وعلاقاته الأسرية ومجتمعه، وجد نظاماً متكاملاً ﻻ يغفل عن أي شيء.

 

ولأول مرة في التاريخ الحديث سيحقّق المسلمون ما أمرهم ربهم حقاً ليصلوا إلى ما وعدهم ربهم حقا، فقد قال لهم ربهم ”إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون” ليحقّق وعده لمن استجاب لأمره ”إن العزة لله ورسوله والمؤمنين”.

مقالات ذات صلة