من عدن إلى تل أبيب: “الانتقالي” أداة إماراتية لتسويق التطبيع مقابل وهم الانفصال

تقرير

في قلب المحافظات الجنوبية المُحتلة، تتكشف اليوم الحقيقة التي طالما حاول العدوان الأمريكي والإماراتي والسعودي وأدواته المحلية إخفاءها: ما يسمى «المجلس الانتقالي» لم يعد فاعلًا محليًا عابرًا، بل أصبح أداة وظيفية في مشروع إقليمي يهدف إلى خنق سيادة اليمن، وتقويض وحدته، وتحويل الجنوب إلى قاعدة تطبيع سياسية وعسكرية مع الكيان الصهيوني. هذا التحول، الذي يُرسم منذ سنوات، لم يكن ليكتمل لولا الدعم المباشر من الإمارات، والغطاء الدولي الأمريكي، ومباركة إسرائيلية علنية، الأمر الذي يضع المنطقة أمام واقع جديد: أدوات محلية تعمل لمصالح خارجية، على حساب الوطن ومصالح شعبه.

ما يعزز هذا السياق هو انسجام التصريحات العلنية للقيادات الانتقالية مع سياسات الاحتلال، وتجاربهم العملية في التعاون مع الكيان الصهيوني، بدءًا من الإعلان عن الاستعداد للتطبيع، وصولًا إلى الاصطفاف العسكري المباشر في البحر الأحمر وباب المندب، واستقبال الوفود الصحفية الصهيونية في عدن. هذه المعطيات تثبت أن الجنوب بات منصة وظيفية لخدمة أجندات خارجية، وأن كل خطوة يقوم بها المجلس الانتقالي هي جزء من مشروع أوسع يهدف إلى خنق صنعاء، وتحييد تأثيرها الإقليمي، وضمان مصالح إسرائيل، في تحد صارخ للسيادة اليمنية ومبادئ المقاومة الوطنية.

اللقاء الذي كشف وظيفة الارتزاق

في هذا السياق العام، لم يعد الحديث عن تطبيع محتمل أو تواصل غير مباشر، بل انتقل المشهد إلى وقائع ملموسة تكشف طبيعة الدور الذي يؤديه الانتقالي على الأرض.

في عدن، يتضح اليوم مدى الانزلاق الكامل لما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. لقاء جمع وفدًا من المرتزقة مع مسؤولين صهاينة ليس مجرد حدث عابر، بل مؤشر واضح على كيفية تحويل الجنوب اليمني إلى منصة للتنسيق السياسي والعسكري لصالح العدو الصهيوني. هذه التحركات تعكس مرحلة متقدمة من الانخراط الوظيفي، حيث لم يعد الحديث عن مصالح محلية مجرد شعار، بل أصبح كل فعل مرتبط بأجندات خارجية مباشرة، على حساب سيادة اليمن ووحدته الوطنية.

ولم تتوقف هذه الوقائع عند حدود التسريبات الإعلامية، بل امتدت إلى حضور ميداني مباشر لشخصيات مرتبطة بالمؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية.

ويبرز في هذا السياق الصحفي والخبير العسكري جوناثان سباير، الذي زار عدن مؤخرًا، ليس كمتابع صحفي عادي، بل كشاهد على انجرار مرتزقة الإمارات نحو مستنقع التطبيع. سباير، المعروف بتغطيته لساحات النزاع في سوريا والعراق ولبنان، التقى خلال الزيارة قيادات المرتزقة واطلع على الترتيبات العسكرية التي تُنسّق مع عناصر العدو الصهيوني. لقاءاته تضمنت استعراض قوائم احتياجات عسكرية متقدمة، تشمل أسلحة هوائية، مروحيات مسيّرة للاستطلاع، وخطط ليلية للعمليات، ما يوضح عمق التنسيق غير المعلن وأثره المباشر على صمود صنعاء وقدرتها الإقليمية.

ولم تتوقف هذه الخطوة عند المستوى الميداني، بل انسجمت مع الخطاب السياسي العلني لعيدروس الزبيدي، مؤكدًا استعداداته للتطبيع مع “إسرائيل” مقابل دعم دولي لمشروع الانفصال، والمشاركة في حماية سفن العدو الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب.

هذا الانخراط الميداني يتكامل مع الخطاب السياسي العلني لعيدروس الزبيدي، الذي سبق أن أعلن استعداده للتطبيع مع “إسرائيل” مقابل دعم دولي لمشروع الانفصال، كما أبدى استعداده للمشاركة في حماية سفن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب، في مواجهة قوات صنعاء الداعمة لغزة. هنا تتضح الصورة كاملة: تصريحات سياسية، لقاءات ميدانية، زيارات صهيونية إلى عدن، واستعداد عسكري معلن… كلها حلقات في سلسلة واحدة تؤكد أن المرتزقة أصبحوا أداة وظيفية في خدمة مشروع العدو الصهيوني.

وإذا كانت اللقاءات والزيارات تعكس جانبًا من التنسيق غير المعلن، فإن الخطاب السياسي العلني لعيدروس الزبيدي جاء ليمنح هذا المسار غطاءً صريحًا لا لبس فيه.

تضاف إلى ذلك زيارة الصحفي سباير وتوثيقاته، التي أظهرت أن لقاءات عدن كانت جزءًا من تنسيق أوسع يشمل الأمن والعسكري والإعلام، ما يضع الجنوب في قلب مشروع التطبيع، ويجعل أي تحرك للمرتزقة جزءًا من خطة طويلة المدى للعدو، تهدف لتهميش صنعاء والسيطرة على الممرات الاستراتيجية للبحر الأحمر وباب المندب.

في النهاية، ما كشفته الوقائع يؤكد أن أي نشاط سياسي أو عسكري للانتقالي لا يمكن اعتباره مستقلًا أو محليًا، بل هو تنفيذ لوظيفة إقليمية، تضع مصالح الكيان الصهيوني فوق مصالح اليمن ووحدته، وتحوّل الجنوب إلى منصة عمل مفتوحة أمام أجنحة التطبيع، على حساب السيادة الوطنية والمقاومة اليمنية.

الهرولة المعلنة نحو التطبيع وتأثيراتها

تتجلى أهمية التصريحات السياسية لقادة ما يسمى الانتقالي بشكل كامل حين تُقارن بالتحركات الميدانية الموثقة خلال الفترة نفسها، حيث يكشف التوافق بين الكلام والفعل عن مدى الانخراط الفعلي للمرتزقة في خدمة أجندات خارجية على الأرض.

تصريحات عيدروس الزبيدي لم تعد مجرد كلمات، بل مؤشر واضح على التحول السياسي والميداني للمرتزقة في عدن. هذه التصريحات العلنية التي أقر فيها بالاستعداد للتطبيع مع “إسرائيل” وحماية سفن العدو في البحر الأحمر وباب المندب، تؤكد أن ما يسمى الانتقالي لم يعد فاعلًا محليًا مستقلاً، بل أصبح أداة وظيفية كاملة في خدمة أجندة الكيان الصهيوني والإمارات، بما يضع الجنوب في قلب مشروع التطبيع الإقليمي، بعيدًا عن أي مصالح وطنية.

الأخطر أن هذه التصريحات لم تبقَ على الورق، بل تزامنت مع تحركات ميدانية ملموسة: تنسيق عسكري مع أدوات الاحتلال الإماراتي في عدن، استعدادات لحماية المصالح البحرية للعدو الصهيوني، واستهداف مواقع صنعاء بشكل يخدم مباشرة مصالح العدو. كل ذلك يترجم الكلام السياسي إلى واقع ميداني، ويكشف عن الانجرار الكامل للمرتزقة نحو مستنقع التطبيع، تحت ذريعة مواجهة صنعاء و”التهديد الحوثي”.

هذا التلازم بين القول والفعل يكتسب دلالته الأوضح عند ربط التصريحات بما كشفته زيارات الوفود الصهيونية والخبير العسكري جوناثان سباير.

ويكتسب هذا التحليل قوة إضافية عند ربط التصريحات بما كشفته زيارات الوفود الصهيونية والخبير العسكري جوناثان سباير، الذي زار عدن مؤخرًا واطلع على الخطط العسكرية والتنسيق الأمني، مؤكداً أن اللقاءات لم تكن إعلامية أو عابرة، بل جزء من مسار مستمر يدمج السياسة، الإعلام، والعسكر لصالح العدو الصهيوني. هذه الشواهد تعكس بوضوح أن التصريحات العلنية للزبيدي ليست منفصلة عن الواقع الميداني، بل تمثل وثيقة حية للانخراط الوظيفي للمرتزقة.

نتيجة هذا المسار، تصبح أي خطوة سياسية أو عسكرية للانتقالي في الجنوب معلنة أمام الدوائر الدولية ولكن فاقدة لأي شرعية وطنية، مؤشراً على أن الانفصال المفترض مشروع وظيفي بتمويل خارجي، لا يحقق أي مصلحة للشعب اليمني، بل يخدم مصالح العدو الصهيوني والإمارات على حساب سيادة اليمن ووحدته.

الجنوب كمنصة صهيو إماراتية… الجغرافيا مقابل الاعتراف

عند هذه النقطة، لم يعد ممكناً فصل السلوك السياسي والعسكري للانتقالي عن الجغرافيا التي يجري العمل على إعادة توظيفها.

ما كشفته الوقائع على الأرض يؤكد أن أدوات الإمارات، المتمثلة في ما يسمى بالمجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي، تعمل ضمن مسار يتجاوز الحسابات المحلية الضيقة، نحو أداء وظيفة إقليمية مرتبطة مباشرة بالأجندات الصهيونية في البحر الأحمر وجنوبي اليمن. فالمحافظات الجنوبية لم تعد تُدار بوصفها جزءًا من دولة ذات سيادة، بل يجري تهيئتها تدريجيًا لتتحول إلى مساحة مفتوحة لتنفيذ مشاريع عسكرية وأمنية واقتصادية تخدم مصالح مشتركة إماراتية صهيونية، على حساب اليمن ووحدته وأمنه القومي.

هذا المسار تدعمه شواهد متعددة، في مقدمتها طبيعة الانتشار العسكري الإماراتي في الموانئ والجزر والمواقع الحساسة، من عدن إلى سقطرى وميون، وهي مواقع لطالما شكّلت محور اهتمام استراتيجي للكيان الصهيوني بحكم إشرافها على باب المندب وخطوط الملاحة الدولية. تقارير غربية متخصصة، وتصريحات صهيونية سابقة، تحدثت بوضوح عن أهمية هذه الجغرافيا في معادلة الأمن البحري لـ“إسرائيل”، وهو ما يفسر تلاقي المصالح مع أبوظبي، واستخدام أدوات محلية لتمرير هذا الحضور دون كلفة سياسية مباشرة.

يبرهن التوافق بين الواقع الميداني والخطط السياسية على مدى غوص الانتقالي في مهامه كأداة وظيفية، حيث أصبحت تحركاته وخطاباته جزءًا من مشروع خارجي متكامل، لا شأن له بمصالح الجنوب أو اليمن.

في هذا الإطار، يظهر انتقالي الإمارات كواجهة تنفيذية تُعيد هندسة الواقع الأمني في الجنوب بما يتلاءم مع هذه الأطماع. فالتشكيلات المسلحة التي أنشأتها ودعمتها أبوظبي تعمل خارج أي إطار وطني جامع، وبعقيدة قتالية لا تستند إلى حماية السيادة، بل إلى تأمين الموانئ والممرات البحرية والمواقع الاستراتيجية. هذا التحول الميداني ترافق مع خطاب سياسي وإعلامي يتطابق بشكل لافت مع السردية الصهيونية الأمريكية، خصوصًا في توصيف معركة البحر الأحمر، حيث تُقدَّم عمليات صنعاء الداعمة لغزة على أنها “تهديد للملاحة الدولية”، بينما يُغضّ الطرف عن العدوان الصهيوني وأسبابه.

وتتوضح الصورة أكثر عند ربط هذه الوقائع بما كُشف عن مساعي انتقالي الإمارات للحصول على تأييد دولي لمشروع فصل الجنوب، مقابل تقديم خدمات أمنية وسياسية للكيان الصهيوني. فالتقارير البريطانية، وعلى رأسها ما نشرته مجلة التايمز، نقلت هذا المشروع من دائرة التلميح إلى مستوى الوقائع المثبتة، حين أشارت إلى رهان الانتقالي على توسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف سياسي بكيان انفصالي غير شرعي. هنا، تتحول الجغرافيا إلى ورقة مقايضة، وتُقدَّم الموانئ والجزر والمواقع العسكرية كثمن سياسي.

وعليه، فإن ما يجري في جنوبي البلاد لا يمكن قراءته بوصفه صراعًا داخليًا أو تنافس نفوذ محلي، بل كجزء من مشروع صهيو إماراتي أوسع، يحظى بغطاء أمريكي، ويستهدف تطويق صنعاء، وتحجيم دور اليمن الإقليمي، وتأمين المصالح الصهيونية في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم. وبهذا المعنى، يصبح المجلس الانتقالي أداة تنفيذ لا أكثر، فيما تُعاد صياغة الجنوب ليكون قاعدة متقدمة لمشروع عدواني تتضح ملامحه يومًا بعد آخر، على حساب السيادة اليمنية ومبادئ المقاومة الوطنية.

حين تتحول التحذيرات إلى وقائع

ومع اكتمال هذه الصورة المتشابكة، تنتقل القضية من مستوى الكشف والتوصيف إلى مستوى الاستنتاج السياسي والاستراتيجي.

التطورات المتسارعة في المحافظات الجنوبية تكشف اليوم أن ما حذّرت منه صنعاء لم يكن قراءة متشائمة ولا خطابًا دعائيًا، بل تشخيصًا مبكرًا لمشروع إماراتي توسّعي وجد في أدواته المحلية واجهة جاهزة للتنفيذ. مسار التطبيع، التنسيق مع العدو الصهيوني، واستباحة الجغرافيا اليمنية في الموانئ والجزر والممرات البحرية، كلها شواهد تؤكد أن ما يجري هو تنفيذ حرفي لأجندات خارجية تستهدف اليمن كوطن موحد، لا كأطراف متنازعة.

وفي ضوء هذه الوقائع، تبرز مواقف صنعاء بوصفها خط الدفاع الحقيقي عن السيادة الوطنية، لا في بعدها السياسي فقط، بل في بعدها العملي المرتبط بحماية الأرض ومنع تحويل الجنوب إلى قاعدة دائمة للمشاريع المعادية. إن ما يحدث اليوم لا يعيد الاعتبار لموقف صنعاء فحسب، بل يفرض منطق المواجهة كضرورة وطنية، في معركة لم تعد مؤجلة ولا قابلة للتسويات، لأنها معركة وجود وسيادة في وجه مشروع احتلال مقنّع.

نقلا عن موقع 21 سبتمبر

مقالات ذات صلة