ثورة 21 سبتمبر: كيف أسقط اليمنيون الأدوات الاستخباراتية الأمريكية المتمثلة في القاعدة وداعش؟

لم تكن ثورة 21 سبتمبر مجرد تحوّل سياسي أو حراك شعبي غاضب من الفساد والتبعية، بل كانت نقطة انعتاق تاريخية كشفت الغطاء عن شبكة هائلة من التدخلات والوصاية الخارجية التي خنقت القرار السيادي اليمني لعقود. وفي مقدمة تلك التدخلات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تموضعت استخباراتيًا وأمنيًا في قلب المشهد اليمني، عبر ذريعة محاربة الإرهاب، بينما كانت في الحقيقة تستثمر في وجود الجماعات الإرهابية نفسها. ومع انتصار الثورة، بدأ اليمنيون في تفكيك أخطر منظومة أمنية استخباراتية نُصبت عليهم، والمتمثلة في تنظيمات كـ”القاعدة” و”داعش”، التي ثبت لاحقًا أنها لم تكن سوى أدوات استراتيجية لإدامة الهيمنة الأمريكية على اليمن.

أمريكا وصناعة الإرهاب في اليمن

في الوقت الذي كانت فيه السفارة الأمريكية في صنعاء تُقدّم نفسها كحليف للدولة اليمنية في “الحرب على الإرهاب”، كانت عمليًا تكرّس واقعًا مزدوجًا: دعم سياسي ومالي للنظام اليمني مقابل تسهيلات أمنية وعسكرية أمريكية مفتوحة. وقد أظهرت تسريبات “ويكيليكس” (US Embassy Cables) أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أبدى استعدادًا للسماح لأمريكا بقصف أهداف داخل اليمن متى شاءت، بل ووعد بتحمّل المسؤولية عن تلك العمليات في حال انكشافها.

في وثيقة أخرى، يظهر كيف طلب السفير الأمريكي من الحكومة اليمنية مراقبة الحدود والسلاح، بذريعة الحد من تسليح “القاعدة”، ما يكشف نوع السيطرة المباشرة التي كانت تمارسها الولايات المتحدة داخل الدولة اليمنية. هذه العلاقة لم تكن إلا الوجه العلني لتحالف خفي، استخدمت فيه أمريكا وجود “القاعدة في جزيرة العرب” كأداة متعددة الوظائف: لتبرير تدخلاتها، وابتزاز الدولة، وتأمين نفوذها، وربما الأهم، للحفاظ على دولة عاجزة أمنيًا تعتمد كليًا على الخارج.

وكان أبرز تجليات هذه السياسة، السماح للطائرات الأمريكية بدون طيار بتنفيذ عمليات اغتيال وقصف داخل الأراضي اليمنية، بحجّة استهداف قيادات في “القاعدة”، بينما كانت تلك العمليات تُخلف في كثير من الأحيان ضحايا مدنيين وتخلق حالة من الرعب والفراغ الأمني، تمامًا ما تحتاجه الجماعات الإرهابية للنمو مجددًا.

قبل الثورة… الفوضى التكفيرية كغطاء للوصاية الأمريكية

قبل اندلاع ثورة 21 سبتمبر، كانت الجماعات التكفيرية تسرح وتمرح في اليمن بلا رادع حقيقي. تنظيم “القاعدة” وُجد في مناطق حساسة من البلاد، ونفذ عمليات نوعية مثل اقتحام مستشفى العرضي التابع لوزارة الدفاع في قلب العاصمة، في عملية غادرة أوقعت عشرات الشهداء، إضافة إلى تفجيرات ميدان السبعين التي استهدفت عرضًا عسكريًا لقوات الأمن المركزي، وراح ضحيتها عشرات الجنود.

لم تكن هذه العمليات مجرد “جرائم إرهابية”، بل كانت أدوات لإبقاء المشهد اليمني في حالة من الانهيار والارتهان. الاغتيالات الممنهجة لكوادر القوات الجوية والضباط الأمنيين، وتصفية جنود الجيش في أبين وحضرموت على يد تنظيمات تكفيرية، كشفت عن وجود غطاء سياسي لهذه الجماعات، أو على الأقل، غض طرف استخباراتي لا يمكن تبريره.

وفي هذا السياق، أكدت تقارير دولية أن النظام السابق، المدعوم أمريكيًا، لم يكن فقط عاجزًا عن مواجهة هذه الجماعات، بل كان أحيانًا يستخدم وجودها كورقة تفاوضية. في تحليل نشرته “Foreign Affairs”، وُصف صالح بأنه استخدم القاعدة للمساومة، وتلقي الدعم الدولي، مما خلق حالة من التداخل بين أجهزة الدولة والتنظيمات التكفيرية. دعم أمريكي تحت شعار “الحرب على الإرهاب”، وفي الواقع، كانت واشنطن تُبقي جذوة الفوضى مشتعلة، لأنها ببساطة تخدم أهدافها الاستخباراتية.

التحول الأمني والسياسي بعد الثورة وخطاب النصر

مع انتصار ثورة 21 سبتمبر، شهد اليمن تحولًا جذريًا على صعيد الأمن والسيادة، إذ كسرت المعادلة الأمريكية التي استندت لسنوات على أدوات إرهابية كغطاء للتدخل والسيطرة. كانت الثورة امتدادًا لوعي جهادي وثوري، أسقطت الفوضى التي غذتها واشنطن عبر تنظيمي القاعدة وداعش، لتعيد للدولة زمام قرارها الوطني.

خطاب النصر الذي ألقاه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كان نقطة انطلاق حاسمة، حيث أعلن أولى قرارات القيادة الثورية التي وجهت بضرب وإجتثاث أدوات الوصاية الأمريكية، خصوصًا الجماعات الإرهابية المستخدمة لتمرير الهيمنة الأجنبية على اليمن.

تميزت سرعة استجابة الجيش واللجان الشعبية لتلك التوجيهات، إذ انطلقت عمليات تطهير واسعة في محافظات البيضاء وأبين وحضرموت، مستهدفة معاقل القاعدة وداعش خلال فترة قصيرة، ما عكس فعالية التنظيم والتخطيط الميداني للقيادة الثورية. بهذا، تحولت الثورة إلى مشروع سيادي يعيد بناء الدولة على أسس الاستقلال الوطني الحقيقي.

نتائج استراتيجية وهزيمة المشروع الأمريكي في اليمن

نجح اليمنيون في اقتلاع القاعدة وداعش من معاقلها، محققين هزيمة استراتيجية للمشروع الأمريكي الذي فقد أهم أدواته لتفكيك الدولة من الداخل. أصبح اليمن نموذجًا فريدًا يفرض معادلة جديدة رغم الحصار والضغوط، معلنًا انتهاء ذريعة التدخل الأمريكي تحت شعار “الحرب على الإرهاب”.

ردًا على هذا الانتصار، لجأت أمريكا إلى الحصار والابتزاز السياسي، واستغلال الفصائل التابعة لتحالف العدوان لتشويه الدولة اليمنية، لكنها فقدت القدرة على تبرير وجودها العسكري في البلاد. وكشفت تقارير دولية عن استغلال بعض هذه الفصائل المقاتلة السابقة في القاعدة لمعارك ضد القوات الوطنية، ما يؤكد أن “الحرب على الإرهاب” كانت صراع مصالح تُدار وفق الأجندة الأمريكية.

اليوم، لا يواجه اليمن أمريكا بالسلاح فقط، بل باستقلالية القرار الوطني، وأدوات الردع، ووعي شعبي عميق يتجاوز محاولات الخداع الإعلامي والاستخباري. أطاحت ثورة 21 سبتمبر بالنفوذ الخفي والعملاء غير المعلنّين، معلنة عصرًا جديدًا من السيادة الحرة ومواجهة حقيقية لمشاريع الهيمنة والتدخل الأجنبي.

ثورة 21 سبتمبر رمز السيادة والتحرر الوطني

ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل هي انتصار سيادي استراتيجي يُعيد لليمن قراره الوطني ويقضي على أدوات الهيمنة الأمريكية. من خلال اقتلاع القاعدة وداعش، أزاحت الثورة القناع الذي استخدمته واشنطن لتبرير تدخلها، وأثبتت أن التحرير الحقيقي يبدأ بإزالة النفوذ الخفي، وليس فقط مواجهة القوى الظاهرة.

هذا الإنجاز الكبير، الذي تحقق بتضحيات وصبر الشعب اليمني، وضع اليمن على طريق جديد من الاستقلال والسيادة، رافضًا الوصاية ومطالبًا بإدارة شؤونها بحرية كاملة. واليوم، تتجلى قوة اليمن في وعي شعبه واستقلال قراره، مما يجعل ثورة 21 سبتمبر علامة فارقة في تاريخ المنطقة ومستقبلها.

وما بعد ثورة 21 سبتمبر ليس كما قبلها. فالدولة اليوم تقف على أرضها، وتواجه ضغوط الخارج بثبات، لأنها لم تعد رهينة القاعدة، ولا رهينة الطائرات الأمريكية، بل أصبحت دولة تملك زمام أمنها، وقرارها، ومستقبلها.

نقلا عن موقع 21 سبتمبر

مقالات ذات صلة