ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر ، تكشف تضليل الماضي وتستعيد القرار الوطني

تقرير

بينما تسعى أدوات التضليل إلى تقديس الماضي وتزييف الحاضر، تتجلى أمام الشعب اليمني، أكثر من أي وقت مضى، حقيقة “ثورة 26 سبتمبر” وما رافقها من تحولات خطيرة أُفرغت فيها الدولة من مضمونها السيادي، ووضعت اليمن تحت مقصلة التبعية الخارجية، بتخطيط أمريكي صهيوني، وتنفيذ سعودي إماراتي.
في المقابل، جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م كمنعطف تاريخي أعاد لليمن هويته، وفرض معادلة السيادة والاستقلال، في لحظة كانت البلاد فيها على شفا التفكك والانهيار الكامل.

كشف التضليل حول “ثورة 26 سبتمبر” 

على مدى عقود، ظلت “ثورة 26 سبتمبر” تُسوّق في الإعلام الرسمي كمنجز لا يُمس، فيما تم تغييب الوعي الشعبي عن الحقائق المؤلمة التي صاحبت تلك المرحلة، خاصة ما جرى لاحقًا في عهد نظام ’’عفاش’’، الذي حوّل اليمن إلى ساحة خاضعة لنفوذ السفارات الأجنبية، وأجهض كل أمل في بناء دولة حقيقية.

لقد شهدت البلاد خلال تلك الحقبة مؤامرات متتالية، أبرزها تسليم القرار السياسي للرياض وواشنطن، والتغاضي المتعمد عن تمدد الجماعات التكفيرية، وتفشي الفساد البنيوي، واستثمار السلطة في إذكاء النزاعات، وتحويل البلاد إلى قاعدة لوجستية للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.

وبُني النظام الجمهوري الناشئ في السادس والعشرون من سبتمبر على قواعد هشة من التبعية، حيث أصبحت صنعاء عاصمة لا تُنتج قرارًا وطنيًا، بل تستقبل التعليمات من القاهرة حينًا، ومن الرياض وواشنطن في غالب الأحيان، وتحولت الدولة إلى كيان وظيفي، يُستخدم لتثبيت النفوذ الخارجي.

وما إن ترسخت سلطة النخبة الجمهورية حتى بدأ مسلسل تصفية الحسابات، وتكريس حكم الفرد، وانتهى المطاف بأن أصبحت الجمهورية مجرد ستار لحكم عسكري قبلي يتحرك بإمرة الخارج.

ولعب الإعلام الرسمي، خلال نصف قرن، دورًا مركزيًا في تضليل الأجيال، من خلال صناعة “أسطورة 26 سبتمبر”، وتقديم رموزها كقديسين فوق النقد، مع التعتيم الكامل على الحقائق التي تؤكد أن الثورة جرى احتواؤها من الخارج بعد أيام قليلة من اندلاعها، وأن “الجمهورية” لم تكن إلا غطاءً لحكم عائلي قبلي وظيفي يتبع الخارج.

وفي المقابل، تم شيطنة كل صوت يعارض هذه الرواية، واتهامه بالرجعية والحنين إلى الإمامة، رغم أن كثيرًا من هؤلاء كانوا أصحاب مشروع وطني حقيقي يسعى إلى الاستقلال والكرامة.

 

 ما قبل وما بعد .. مقارنة تُجسّد التحوّل

عند استعراض المشهد اليمني قبل ثورة 21 سبتمبر وبعدها، تتجلى الفوارق الجوهرية بوضوح في مختلف المجالات، وكأن اليمن قد انتقل من طور إلى طور، ومن حقبة تغلّفها التبعية والارتهان، إلى مرحلة تتنفس فيها السيادة الوطنية.

ففي الجانب الأمني، كانت البلاد مرتعًا للجماعات التكفيرية المدعومة خارجيًا، تنهش في جسد الدولة وتزرع الموت في أزقتها، في حين كانت الأجهزة الأمنية مكبّلة بقيود سياسية وارتباطات استخباراتية أجنبية، أما اليوم، فقد أعادت الثورة الاعتبار للقرار الأمني الوطني، وتمكّنت من تفكيك معظم البُنى الإرهابية، وتحقيق مستوى عالٍ من الاستقرار في معظم المناطق التي تُدار بقرار ثوري حر.

أما على المستوى العسكري، فالفارق شاسع بين جيش ممزق الولاءات، كان أشبه بمؤسسة شكلية خاضعة لإرادة الخارج، وبين قوة دفاع وطنية اليوم تُبنى من رحم المعركة، تعتمد على قدراتها الذاتية، وتملك إرادة المواجهة والتصنيع والتطوير، بل وتفرض حضورها بقوة على خارطة الردع الإقليمي والدولي.

وفي ميدان السيادة الوطنية، فإن ما قبل 21 سبتمبر لم يكن أكثر من مرحلة يُدار فيها اليمن من عواصم القرار الأجنبي، حيث كان السفراء يشكلون الحكومة، ويوجهون السياسات، بينما الإرادة الوطنية مغيبة، والشعب مستبعد من معادلة الحكم، أما اليوم، فإن ملامح الدولة المستقلة تتشكل بثبات، في ظل مشروع وطني يرفض الوصاية، ويرفع شعار، ’’القرار والسيادة لنا’’

وإذا ما انتقلنا إلى الجانب الاقتصادي والسياسي، فإن المقارنة تتجاوز الأرقام لتصل إلى الإرادة، فقبل الثورة، كانت المؤسسات مرتهنة للمنظمات الدولية، والفساد يُدار من غرف الفنادق، بينما اليوم، ورغم الحصار والتحديات، تتشكل نواة اقتصاد مقاوم، يقوم على الإنتاج المحلي، ويُبنى على مبدأ الاستقلال والمواجهة.

إنها ليست مجرد اختلافات في الأرقام والسياسات، بل هي نقلة تاريخية شاملة، أعادت الاعتبار لمفهوم الدولة، وجعلت من “اليمن الجديد” كيانًا حيًا لا يُدار بالريموت، بل يقف على قدميه، ويتقدم بخطى ثابتة نحو التحرر الكامل، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

 

 ثمار التحرر .. دولة بلا وصاية

لا يمكن الحديث عن ثورة 21 سبتمبر دون التوقف أمام أعظم ثمارها، تحرر اليمن من الهيمنة الأجنبية، فقد طُويت صفحة الارتهان المهين، وأُغلقت أبواب التبعية، وتحررت الإرادة السياسية من الوصاية السعودية والأمريكية.

لم تعد السفارات هي من تشكل الحكومة أو تختار الرؤساء.

لم يعد اليمن تابعًا لأجندات الخارج بل صانعًا لمستقبله.

تشكّل وعي شعبي جماعي يرى في الاستقلال السياسي شرطًا للبقاء والكرامة.

الثورة لم تكن انقلابًا على ماضٍ فقط، بل كانت انبعاثًا لمستقبل أراده الشعب بكل وعي وإصرار.

 

موقف اليمن مع غزة .. انتصار السيادة والموقف

من أبرز ملامح التحول اليمني بعد ثورة 21 سبتمبر، هو ما عكسته المواقف الصلبة من العدوان على غزة، والدعم الفعلي للمقاومة الفلسطينية، ليس فقط في البيانات، بل في ميادين الاشتباك العسكري الفعلي، وخصوصًا عبر البحر الأحمر.

العمليات البحرية ضد السفن الأمريكية والبريطانية جاءت كرد مباشر على العدوان الصهيوني، في تناغم واضح بين السيادة السياسية والموقف الأخلاقي.

التكامل مع محور المقاومة أصبح ملمحًا بارزًا في سياسة اليمن الجديد، حيث لم يعد الصمت خيارًا، ولا الحياد موقفًا.

هذا الانخراط النشط في معركة الأمة، يعتبر من أبرز ثمار ثورة 21 سبتمبر، التي جعلت من اليمن لاعبًا لا تابعًا، ومن القضية الفلسطينية قضية وطنية بامتياز.

ثورة الوعي والسيادة

لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 في اليمن حدثًا عابرًا في تاريخ المنطقة، بل شكلت نقطة تحول مفصلية في مسار الدولة اليمنية الحديثة، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الوعي الشعبي والسيادة الوطنية، انطلقت هذه الثورة من عمق معاناة طويلة عاشها الشعب اليمني تحت وطأة الفساد، والتبعية، والتدخلات الخارجية، لتعلن ميلاد مشروع وطني مستقل يحمل شعار “التحرر من الوصاية وبناء دولة مستقلة بقرارها”

رفعت الثورة شعار “لا وصاية، لا تبعية، لا فساد”، وجعلت من بناء الدولة العادلة هدفًا رئيسيًا لها، ومع دخول العاصمة صنعاء، تم ضبط الأوضاع دون اللجوء إلى الفوضى أو الانتقام، ما أكسبها دعمًا شعبيًا واسعًا، رغم تحفظ بعض القوى السياسية عليها في حينه.

خاتمة 

إن ثورة 21 سبتمبر ليست مجرد ذكرى سنوية، بل هي مسار نضالي مستمر نحو استعادة السيادة اليمنية وبناء دولة حديثة على أسس العدالة والاستقلال، ورغم تعقيدات الواقع، فإن ما أفرزته هذه الثورة من وعي وطني وسياسي جديد، يفتح الباب أمام يمن مختلف، لا يتحكم في قراره الخارج، ولا تُرسم سياساته من العواصم الأجنبية.

إنها ثورة التحرر والكرامة، ودولة بلا وصاية .. وما زال الطريق مفتوحًا أمام اليمنيين لإكمال المشروع الذي بدأوه، بعيدًا عن الضغوط والإملاءات.

مقالات ذات صلة