وقفاتٌ على طريق الطوفان

سند الصيادي

على خلاف كُـلّ شعوب الأُمَّــة، وفَّق اللهُ شعبَنا إلى أن تكونَ له قيادةٌ أمينةٌ على حمل مشاعره وَأهدافه وتطلعاته، وأبعد من ذلك، رفعت هذه القيادة وتيرةَ الوعي والمسؤولية، وَانتشلت هذا الشعب من مستنقع التفاصيل إلى آفاق العناوين العليا والعريضة.

 

فلسطينُ أحدُ أبرز هذه العناوين التي نحملُها اليومَ هَمّاً وَعزماً وقولاً وعملاً، وبقدر ما كان ينظر البعض إلى أن حمل القيادة والمسيرة لهذا الهَمِّ ترفٌ مبالَغٌ به، وقفزٌ خارج قائمة الأولويات المحلية، فيما كان ينظر إلى ذلك البعض الآخر من كون هذا الانحياز إلى القضية الفلسطينية مُجَـرّدَ شعار يُرفَعُ للمزايدات وَيسعى إلى جمهرة الشارع نحوه، من خلال استجلاب عاطفتهم القومية والإسلامية، إلَّا أن الأيّام والأحداثَ كانت كفيلة بأن تدحضَ قناعاتهم ورهاناتهم تلك.

 

لم يكن إعلاء القضية الفلسطينية تسطيحاً خارج سقف الالتزامات القيادية الوطنية والشعبيّة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيدة، بل كانت تأصيلاً لهذه الثورة نحو معالجة كُـلّ الظروف البيئية والإنسانية التي تحيط بها وَتؤثر على مسارها نجاحاً أَو فشلاً.

 

يعي قائدُ الثورة السبتمبرية أن نجاحَ هذه الثورة مرهونٌ بمبادئها العُليا والعظيمة وبانتصارها للقضايا التي تجلبُ رضا الله ونصرَه وتأييده، كما يعي أن بقاءَ الغدة السرطانية في المحيط العربي والإسلامي يمثل استنزافاً للمراحل والخطط والتطلعات، إذ لا يمكن أن نبنيَ دولتنا القوية والعزيزة والمستقلة في مناخ جيوسياسي موبوء بالمؤامرات الخبيثة، يتحكم فيه الأعداء بالماء والغذاء والقرار، مستعينين بوجودِهم المباشر في هذا الجسد وبحزمةٍ من الأدوات الوظيفية المجندة وَالمطيعة.

 

وعلى هذا النسق كانت خطاباتُ القائد لا تخلو من إدراج فلسطين وقضيتها في مضامين مفرداته وموجهاته، ولم يكن يفوته أن يكرِّسَ في وعينا كشعبٍ وأمةٍ هذه المفردة ومدلولاتها؛ باعتبارها هَمًّا نتشاركُه طوعاً أَو كرهاً.

 

اليوم وبعدَ معركة “طُوفان الأقصى” وَدخول اليمن في معمعة الصراعِ؛ نصرةً للقضية -أرضاً وشعباً ومقدسات-، بات الشارعُ يدرك مدى ترابط المصير اليمني والعربي والإسلامي عُمُـومًا مع فلسطين، ومن يحاول أن يدفنَ رأسَه بالرمال فَــإنَّه لن يفلحَ في إيجاد الضمانات الحقيقية لمستقبله بأن يكونَ في منأىً عن هذا الهَمِّ، وتلك الآلة الوحشية الإجرامية التي تنكِّلُ بالأطفال والنساء في غزةَ؛ ليسَ لأَنَّها غزة أَو فلسطين وحسب؛ ولكنْ لأَنَّها آخرُ سِياجِ المقاومة التي تمنعُ الحُلُمَ الصهيوني من التمدد شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً على أنقاضِ شُعوبِ المنطقة العربية والإسلامية.

 

 

مقالات ذات صلة