الظلامُ والموتُ والفوضى.. مشاهدُ من مسرحية الاحتلال في المناطق المحتلّة

حسام باشا

إنها مأساةٌ تتجدَّدُ كُـلَّ يوم، مسرحيةٌ مظلمة، تختلطُ فيها دموعُ الحزن بمرارة الملح، وتختنقُ فيها الأنفاسُ بغُصة الحلقِ، في مشاهدَ تُروى فصولُها القاتمة في المناطق التي احتلها في جنوب الوطن تحالف العدوان بقيادة السعوديّة والإمارات، وبدعم من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، والذي يقوم بأشنع المجازر والانتهاكات بحق المدنيين، ويستخدم في ذلك مجموعة من المرتزِقة الذين باعوا ضمائرَهم وأوطانهم، ويدير في ذلك فريق من الخبراء في فنون التضليل والخداع، الذين يحاولون تبرير جرائمهم بالكذب والافتراء.

 

ففي هذه المسرحية المأساوية التي تمتد لتسع سنوات، تتجدد الجراح وتتعالى الآهات في قلب كُـلّ مواطن في المناطق المحتلّة، فهو يعيش في مشهد مروع وأحداث مفجعة وأزمات مُستمرّة، تحول حياته إلى مغامرة خطيرة لا تعرف الراحة، فلا خطوة يخطوها إلا وتقوده إلى أزمة جديدة تضاف إلى سجل الأزمات السابقة، تزيد من معاناته وتقلل من أمله.

 

فأحياناً يقطع هذا المحتلّ التيار الكهربائي، فيسود الظلام في كُـلّ مكان، ولا يبقى للشعب إلا أن يرى سماءه تضاء بالصواريخ والقذائف، التي تحمل له الموت والدمار، فيشعر المواطن بأنه محبوس في قفصٍ من الحديد، لا يستطيع الخروج منه، ولا يستطيع التخلص منه، فيسأل نفسه بحزن: ما ذنبي أن أعيش في ظلام دامس، بينما يستمتع غيري بالضوء والنور؟

 

وأحياناً يخلق المحتلّ أزمة في المشتقات النفطية، فيجبر الشعب على الانتظار في طوابير طويلة، للحصول على قطرة من البنزين أَو الديزل، فيصبح حال المواطن كحال تائه في صحراء، يتوق إلى قطرة ماء تروي عطشه، أَو نفس هواء يخفف ضيقه، فيسأل نفسه بغضب: ما ذنبي أن أعاني من نقص المشتقات النفطية، بينما يستولي المحتلّ على ثروات بلدي؟ وأحياناً يشعل المحتلّ المواجهات العسكرية بين عصاباته وميليشياته، التي تخدم مصالحه وأجندته، فيتحول حال الشعب إلى جنون مستدير، لا يدرك فيه صديقًا من عدو، أَو حليفًا من خصم، فيصبح حال المواطن كحال ضبع في غابة، يخاف من كُـلّ ظل يراه، ومن كُـلّ دوي يسمعه، فيسأل نفسه بدهشة: ما ذنبي أن أكونَ ضحيةً لهذه الفوضى، التي لا دخل لي فيها؟

 

إن الذنب الأكبر الذي يمكن أن يرتكبه شعبٌ ما، هو أن يقعَ -وهو يدري- في فخ المؤامرات والخديعة، وأن يغفل وهو يدري عن حقيقة أن المحتلّ هو المسؤول عن كُـلّ مشاكله، وأن يتجاهل وهو يدري حقيقة أن المحتلّ هو من ينهب ثرواته ويستولي على أرضه ويحرمه من حريته.

 

لذلك، يجب على شعبنا الأبي في جنوب الوطن، أن يستفيق من سباته وأن يستشعر غيرته وشرفه وعزته، وأن يستخدم كُـلّ ما أعطاه الله من قوة وشجاعة وإصرار، ليرد المحتلّ الظالم إلى حَيثُ ومن حَيثُ أتى، وليمح كُـلّ آثار احتلاله، فلا يجوز لشعب يمني عزيز أن يخضع أَو يستسلم أَو يطيع أَو يسامح هذا العدوّ الخائن، ولا يجب عليه أن يكون مُجَـرّد متفرج على مسرحية المحتلّ، ولا ضحية لها، بل يجب عليه أن يتحَرّك، أن يواجه المحتلّ، فَــإنَّ لديه كُـلّ مقومات الانتصار والتحرير شرط أن يتحد على كلمةٍ سواء ويظهر قوته وثباته وصموده، كما يجب عليه ألا يترك لأذناب المحتلّين مجالًا؛ فلا تزال هذه المؤامرة التي تستهدف شعبنا في المحافظات الجنوبية تستمد قوتها من الأطراف المأجورة التي تساند خطى المحتلّ، وهذا يتطلب من شعبنا أن لا ينخدع بألوانهم المتعددة، ولا أن تغريه أقنعتهم المختلفة، فهم في الأصل واحد، وفي النهاية واحد، وجميعاً يخدمون مصالح المحتلّ، ويطبقون أجندته، وينفذون توجيهاته.

 

مما لا شك فيه، أن المحتلّ لا يرحم ولا يشفق ولا يعطف، بل يزيد من قسوته وجبروته كلما شعر بضعف وانكسار الشعب الذي يحتل أرضه، ولذا فَــإنَّ التحَرّك في مواجهة المحتلّين هو حق مشروع لكل شعب مظلوم، فالاستسلام يعني استمرار المعاناة والذل والهوان، وزيادة الأزمات والمشكلات، فلا تزول الأزمات إلا بزوال المحتلّ، ولا تنتهي المشكلات إلا بإنهاء الاحتلال، وهذا ليس بممكن إلا بتضحية وصبر وإصرار؛ فلا يأتي التغيير بسهولة أَو بسرعة، بل يأتي بجهد وعمل وكفاح.

 

وللتحَرّك في مواجهة المحتلّ رسالة قوية وصادقة، لا تقبل التفاوض أَو التراجع، رسالة إلى المحتلّ نفسه تقول له: لقد حان وقت رحيلك عن أرضنا، فشعبنا لن يستسلم لك يوماً، ولن يتوقف عن قتالك حتى تخلو كُـلّ بقعة من أرضه من وجودك، ورسالة إلى الشعب اليمني في المناطق المحتلّة تقول له: لقد حان وقت استرداد كرامتك وسيادتك، فَـأنت قادر على الانتصار والتحرير، وتمتلك مقومات ذلك إذَا ما تجاوزت خلافاتك، وأظهرت تلاحمك ووحدة صفك.

 

وإننا كشعبٍ يمني واحد، متحد في تاريخه وثقافته ومصيره، لا نقبل بالفرقة أَو الانقسام بين شمال وجنوب، فكلنا إخوة في الدين والإنسانية والمواطنة؛ لذلك، نوجه رسالة تضامن ودعم وتأييد لإخوتنا في جنوب الوطن، الذين يواجهون المحتلّ الغاشم، الذي يريد أن يسلب حريتهم وسيادتهم وكرامتهم نقول لهم: إنكم لستم وحدكم في هذه المعركة، فَــإنَّ شعبكم اليمني كله معكم، يقف إلى جانبكم، يساندكم، يدافع عنكم.

 

فلتثوروا بكل قوة وشجاعة وإصرار، لتحرّروا أرضكم من كُـلّ شبر من براثن المحتلّ، فإذا تحَرّكتم، وخضتم غمار المواجهة، فسيخوضها معكم شعب اليمن كله، فَــإنَّ مصيرنا هو مصيركم، وقضيتنا هي قضيتكم، وهدفنا هو هدفكم، وعدونا هو عدوكم، فلا تخافوا من المحتلّ أَو من أذنابه المرتزِقة، فَــإنَّه لا يستطيع أن يقهر شعبًا عزيزًا مؤمنًا مقاتلًا، ولا أن يطفئ نار الثورة أَو يخففها أَو يخضعها، فلتتحَرّك يا شعب اليمن في الجنوب المحتلّ في مواجهة الغزاة وأذنابهم، فخلاصك في المقاومة والثورة، واستمرار معاناتك في الاستسلام.

 

 

مقالات ذات صلة