فواجعُ محرم .. وثوراته الخالدة

أمة الملك قوارة

حين يتمادى الباطلُ، ويخفت الحق ويسكت النّاس خوفاً، وتضيع قيم الدين وتتبدد أواصر الشريعية الإسلامية ، وتتركز الأنظار والأهداف لمحو كل قيمة سنّها الدين وكل فضيلة شّرعها في الحياة، فيابى عباد الله المتقين إلا أن يقفوا حاجزاً أمام تلك الأهداف الشيطانية؛ فيخرجوا مجابهين جحافل الباطل؛ وذلك لاستصلاح الواقع المظلم ورفع الظلم عن كاهل المظلومين وإرساء كلمة الله، وفي نفس الشهر وعلى نفس الطريق تتكرر الأحداث والمآسي وتتجدد معها الغيرة على دين الله فما بين ثورة زيد بن علي وثورة جده الحسين بن علي – عليهم السلام – سِوى وقت ضئيل ازدهر فيه الباطل أكثر حتى بلغ أوجه ! .

“لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت للإصلاح في أمة جدي” وما بين ” والله ما كره قوما قط حر السيوف إلا ذُلوا” هنا علّنا نربط الحديث بين المقولتين لعظماءٍ كرهوا واقع يهان فيه المسلمون، ويتجبر فيه الجبابرة والظالمون الذين جعلوا من ظواهر الأمور وبواطنها سبيلا لتنفيذ ما استهوته أنفسهم النتنة ! فحولوا واقع جسد فيه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أروع صور البناء والإصلاح للأفراد والمجتمع والحياة إلى واقع تنهار فيه كل صور القيم والفضيلة وحتى الإنسانية، وتهان فيه كرامة الإنسان المسلم وفي زمنٍ لم يكن على عهد رسول الله ببعيد هنا تكمُن المأساة، وتلتهب قلوب الشرفاء غيرة على ما وصل إليه واقع المسلمين، فهل سيسكت من في قلبهِ ذرة من غيرة على ذلك الوضع ؟! خرج الإمامان عليهما السلام للإصلاح بفارق بسيط في الزمن، فكان الخيار إذا لم ينتهِ الظالمون بالنصيحة والبيان والتوضيح فليس هناك سبيل سوى حد السيوف وسيلة لردعهم ، وحيث أن الظالمين في كلِ زمانٍ ومكانٍ معروفون بأن لهم آذان صم وقلوب غلف وعيون عمي، ولن يفقهوا بقدر ما سيتمادوا ويتجبروا ،وبالمقابل الثلة المؤمنة في واقع مهين كهذا لا شك أنها قد كرهت الحياة وفضّلت الموت فلا شيء يدعو لأن يعيش الإنسان تحت وطأة الاستعباد والخنوع وفي عروقه تجري ينابيع من الفطرة السليمة، وفي ظل ذلك لم يحسبوا للفارق بين إمكانية الظالمين وعتادتهم وبطشهم وبينهم هم ورؤيتهم السامية وتوجههم العظيم لنصرة الله والمستضعفين، وهنا يتجلى نموذج مختلف لقلة مؤمنة وإمكانيات بسيطة وإيمان راسخ واستشعار للمسؤولية في تغير ما يجري هذا هو زاد الحسين – وزيد عليهم السلام – في ثوراتهم الخالدة ..

أن تراق دماء نسل رسول الله وتهان كرامة العواتق من بيت النبوة وتتمزق أجساد أطفالهن ويُمثل بالعظماء – الحسين وزيد عليهم السلام – وتُرفع رؤوسهم على أسنة الرماح ويجول بأجسادهم الطاهرة بين شوارع المدن وأزقتها ومن ثم تنبش القبور وتحرق الجثث ثم تذر في الهواء وكل ذلك مِن مَن أتى؟! ليس من الروم ولا من الفرس ولا من أي عدو خارجي ! بل من قومٍ حسبوا أنفسهم على الإسلام وعامة منافقون ! فمنهم الساكتون ومنهم المعاونون للفسقة من الحُكام والسلاطين وكلهم أيضا يُحسبون على الإسلام ! يالها من فواجعٍ ذرفت لها العيون دماء؛ وتقطعت من هولها قلوب المؤمنين سواء من عاش عهدهم أو من قرأ تاريخهم إلى اليوم! فكيف بحال آل بيت رسول الله من كانوا هم قلب الحدث والضحية! لكن تظل الحكمة هنا أكبر من أن يفقهها من عميت بصائرهم وعاثوا في الأرض فسادا، وظنوا أنهم بقتلهم نسل رسول الله وعظماء الأمة انتصروا! نعم قضوا على أجسادهم لكن دعوتهم قائمة فينا وفي الأرض إلى قيام الساعة وإنما حفرا الحسين وزيد -عليهم السلام – في الأمة معنى الإباء والتضحية لأجل كرامة الدين أولا وكرامة المسلمين ثانيا فكانوا دروس عظيمة للأمة في مواجهة الظالمين والمستكبرين وعدم الخوف منهم أو الخنوع لهم، فأوصلوا لنا رسالة مفادها أن الحياة لا قيمة لها في ظل واقع يغزوه الباطل والتيه والانحراف، وهذه هي المنهجية التي يجب أن نسير عليها ونستنشق عبير عظمتها ونقف بها في عصر لطالما هو بحاجة لمثل هذه الثورات والتضحيات ! عل مد الظالمون يتوقف بها فتنهار قواهم ..

من مدرسة الحسين وزيد – عليهم السلام – تعلمنا أن المنافقين أشد خطراً من الأعداء الكفار والمشركون، وأن الضربة القاضية على الإسلام والمسلمين قد تأتي مِن مَن يحسبون أنفسهم على الإسلام، وإن الجهاد أولا يجب أن يكون على من يتعنونون بالإسلام والواقع يشهد بخرابهم وفسادهم وظلمهم وضلالهم، فما أكثر تلك المفاهيم التي استسلم لها الناس في عصرنا رغم ما يرون من الحقيقة فسلاطين العرب وحكامهم من استباحوا دماء الأبرياء في اليمن وسوريا وأعطوا الشارة الخضراء لليهود باستباحة دماء الفلسطينيين هم مسلمون ويُحسبون على الإسلام، ويزيد بن معاوية وهشام بن عبدالملك من استحلوا واستباحوا حرمات آل بيت رسول الله رجالا ونساء وأطفالا ومثلوا بأجسادهم الطاهرة بل وحّرقوها وذروها في صورة يستهجنها حتى عّباد الوثنية فضلا عن عامة الناس من يدينون غير الإسلام ! أي وحشية تلك وتعد على الله وحُرم رسوله والأئمة الطاهرين ورثة النبوة، نعم وهؤلاء الظالمون كانوا أيضا يُحسبون على الإسلام !.

وهذه الأحداث كلها تجعلنا نميز الحق من الباطل حتى ولو كان أهل الباطل مسلمون، ونعي أن المعركة بين يزيد والحسين – عليه السلام – وبين هشام وزيد – عليه السلام- قائمة إلى قيام الساعة وإن اختلفت الشخصيات إلا أن الأحداث والقضية هي نفسها ! إنها قضية الدفاع عن الإسلام وحدود الله ، ومن عمق تلك الثورات نستنشق معني الإيمان الحقيقي العملي والإباء والتضحية في سبيل الحق ومن مدرسة الحسين وزيد وثوراتهم الخالدة سنتعلم ، وعلى نهجهم سنمضي، فبمثل هذه الثورات سنقتدي وسنسير .

وأخيرا مات الظالمون وبقي الحسين وزيد يرتل ذكراهم الأحرار ويصدح ببطولتهم التاريخ، وصدق الله القائل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فقصتهم الخالدة ونهجهم الحق ودفاعهم المستميت وتضحياتهم العظمى ونهجهم وسيرتهم التي تركوها لنا هي النصر بحد ذاته .

 

 

مقالات ذات صلة