جهود بريطانية – إسرائيلية للسيطرة على حقول شرق المتوسط وبحر العرب النفطية

جمال واكيم

هناك خيوط بريطانية إسرائيلية تتشابك في شرق المتوسط ومنطقة بحر العرب، في محاولة لفرض الهيمنة على هاتين المنطقتين، بغية الاستفادة من موقعهما الجيوسياسي ونهب ثرواتهما.

 

جهود بريطانية – إسرائيلية للسيطرة على حقول شرق المتوسط وبحر العرب النفطية

 

يبدو أننا يجب أن نذهب إلى بريطانيا لفهم ما يحدث في اليمن؛ فاستهداف ناقلة النفط في ميناء الضبة في حضرموت وصلت أصداؤه إلى لندن، إذ إنَّ ناقلة النفط التي استُهدفت مملوكة لشركة يونانية مسجّلة في بريطانيا. وقد لا تكون الشركة إلا واجهة للاستخبارات البريطانية؛ فناقلة النفط العملاقة “ماران كانبوس” مملوكة لشركة “ماران تانكرز”، وهي إحدى شركات “أنجيليكوسيس” اليونانية التي يملكها جون أنجيليكوسيس؛ ابن مؤسّس الشركة أنتوني أنجيليكوسيس.

 

بحرية يونانية للاستخبارات البريطانية؟

 

منذ استقلال اليونان عام 1829، كان أسطول النقل التجاري اليوناني يعمل تحت إشراف بريطاني، منذ أن أصبحت بريطانيا سيدة البحار، وسيطرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر على الملاحة في شرق المتوسط، منتزعةً إياها من يد الدولة العثمانية بعد معركة نافارين عام 1827 التي دُمر خلالها الأسطولان المصري والعثماني على يد الأسطولين الفرنسي والبريطاني، وهي المعركة التي ساهمت في درجة كبيرة في استقلال اليونان عن الدولة العثمانية.

 

بعد ذلك، عاش اليونانيون في الدرجة الأولى على الصيد البحري والنقل التجاري البحري تحت إشراف البريطانيين. ولم تشذ عائلة أنتوني انجيليكوسيس عن هذا الأمر، إذ إنَّ جده لوالده عمل في النقل البحري التجاري على مستوى محدود.

 

حقيقة أنجيليكوسيس

 

هنا، تجدر الإشارة إلى أن أنتوني أنجيليكوسيس ولد في أوائل القرن العشرين في بلدة كارداميلا في جزيرة كيوس، لعائلة امتهنت النقل البحري، وكانت تملك قارباً صغيراً يعمل بين البحر الأسود والبحر المتوسط. بعد إنهائه دراسته الثانوية، أراد الالتحاق بالمدرسة، إلا أن عائلته لم تكن تملك الوسائل المادية لذلك، فالتحق بمجال النقل البحري مثل غيره من أبناء قريته.

 

عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، أغرقت غواصة ألمانية المركب الذي كان يعمل عليه، فالتحق بالعمل على متن بواخر أخرى كانت تنقل العتاد والسلاح إلى البريطانيين في شرق المتوسط، حين تم إغراق سفينته مرة أخرى قرب سواحل حيفا وأنقذه الجنود البريطانيون.

 

هنا، أخذت حياة أنتوني مساراً مختلفاً، إذ تم تجنيده في جهاز الاستخبارات البريطانية وإرساله إلى الإسكندرية ليخضع لتدريبات مكثفة قبل إرساله سراً إلى كريت التي كانت خاضعة للاحتلال الألماني.

 

عمل أنجيليكوسيس في أعمال التخريب ضد القوات الألمانية، وكان عضواً في الفريق الذي استطاع اختطاف الحاكم العسكري الألماني للجزيرة الجنرال هينريش كريب. وقد شكَّلت هذه العملية ضربة معنوية كبيرة للألمان، ما جعل السلطات البريطانية تمنحه وسام الشجاعة مرتين.

 

وفقاً للرواية الرسمية في موقع الشركة التي أسَّسها، يزعم أنجيليكوسيس أنَّ المخابرات البريطانية أرادت منه مواصلة العمل لمصلحتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أنه رفض، لكن هل يملك عنصر في المخابرات أن يرفض أو يقبل مواصلة العمل لمصلحة الاستخبارات أو أنَّ هذه الرواية كانت للتورية على مواصلته العمل لمصلحتها؟

 

عام 1946، تزوج أنتوني أنجيليكوسيس فتاة من قريته كان شقيقها يمتلك شركة نقل بحري صغيرة تعمل في الإسكندرية في مصر، فانتقل للعمل معه بصفة وكيل لأعماله في اليونان، وأقام شراكة مع صديقه ديمتري أثفيميو الذي كان يمتلك مكتباً في بيرايوس. وعام 1953، اشترى أول سفينة له، هي السفينة البخارية أستيباليا. بعد ذلك، اشترى سفينة حمولتها 1,500 طن، ونقل أعماله إلى سنغافورة.

 

خلال الستينيات، كان أنتوني أنجيليكوسيس قد استقر في لندن التي كانت تعتبر عاصمة النقل البحري اليوناني آنذاك، وبدأ بتأسيس شركات رديفة لشركته، لتصبح ثروته بمئات ملايين الدولارات.

 

هنا، تطرح أسئلة حول نجاحه في هذا الوقت القصير، والذي يفسره البعض بارتباطه بالاستخبارات البريطانية، وبكون شركاته واجهة لأعمال الاستخبارات البريطانية. وعام 1973، انضم جون أنجيليكوسيس المولود عام 1948 إلى شركة والده أنانجيل “أميركان شيبهولدنغ”. وعام 1989، سُمي أنتوني أنجيليكوسيس واحداً من كبار رجال الأعمال في مجال الشحن البحري.

 

بعد وفاة والده، أصبح جون رئيس مجلس إدارة الشركة حتى تاريخ وفاته في نيسان/أبريل 2021، وقدرت ثروته بـ2.5 مليار دولار. وبعد وفاته، تسلّمت ابنته الوحيدة إدارة الشركة.

 

الشراكة البريطانية الإسرائيلية

 

هذا يمثل جزءاً من الرواية. أما الجزء الآخر، فيتمثّل بأنّ الشركة مسجلة في بريطانيا. وهنا، نجد الصّدى يتردد في لندن مرة أخرى؛ فالإمارات العربية المتحدة، ورغم 50 سنة من عمر الاستقلال، لا تزال ترزح تحت النفوذ البريطاني. ومنطقتا حضرموت وجنوب اليمن بقيتا تحت الاحتلال البريطاني حتى أواسط الستينيات. وخلال مرحلة ما يسمى “الربيع العربي”، بدأت بريطانيا ترنو بأنظارها لاستعادة نفوذها برضا أميركي في بعض المناطق التي كانت واقعة تحت هيمنتها، ومن ضمنها جنوب اليمن، تمهيداً لتقسيم اليمن.

 

أما المؤسَّسة الأخرى التي تجري أعمال تنقيب، فهي شركة “أسكا غروب” المسجلة في كوريا الجنوبية، لكن في حقيقة الأمر، هذه المؤسسة تأسَّست على يد سامي كتساف، الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية. ووفقاً لدليل المؤسسة، فإنها تعمل في الدرجة الأولى في مجال الصناعات العسكرية والأعمال الدولية والمضاربات العقارية في الكيان الصهيوني والعالم، وهي مملوكة لوزارة الأمن الإسرائيلية والمجمع الصناعي العسكري الصهيوني.

 

وبموازاة عمل هذه المؤسسة في اليمن، فإنَّ مؤسسة أخرى ذات رأسمال إسرائيلي كبير تعمل في مجال التنقيب والاستخراج في شرق المتوسط. هذه المؤسسة هي “إنرجان” التي دار حولها لغط خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال.

 

والجدير ذكره أنَّ شركة “إنرجان” تأسَّست عام 2007 كشركة يونانية، ولكن الملاحظ أنها مسجّلة في بورصة لندن وبورصة “تل أبيب” منذ عام 2018. وقد بدأت أعمال التنقيب في شمال بحر إيجه قبل أن تنقل أعمالها إلى مناطق أخرى في العالم. ومع حلول عام 2019، كانت أصولها قد بلغت 1.5 مليار دولار. وفي العام نفسه، استحوذت على شركة “إديسون” الإيطالية لقاء مبلغ قدره 750 مليون دولار قبل أن تعيد بيعها.

 

عام 2016، حصلت “إنرجان” على امتياز التنقيب في حقلي كاريش وتانين في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة في مقابل مبلغ قدره 148 مليون دولار دفعته للكيان الصهيوني. وفي آذار/مارس 2018، وقعت الشركة اتفاقية تمويل بقيمة 1.275 مليار دولار مع بنك “هابوعليم” الصهيوني، و”مورغان ستانلي” الأميركي، و”سوسييتيه جنرال” الفرنسي، و”ناتيكسيس” اليوناني، لبدء أعمال تطوير حقل كاريش وتانين.

 

وقد بدأت أعمال التنقيب في هذه الحقول بدءاً من عام 2019. وفي حزيران/يونيو من ذلك العام، وقعت اتفاقية مع شركة أنابيب الغاز الإسرائيلية لبناء موقع استقبال مرتبط بنظام توزيع الغاز الصهيوني. وقد قدرت احتياطات حقل كاريش بـ1.2 تريليون متر مكعب من الغاز و34 مليون برميل من النفط الخفيف.

 

ومن بين مالكي الأسهم في الشركة، كان معظمهم من الشركات البريطانية أو الإسرائيلية. ومن ضمن الشركات الإسرائيلية، هناك شركة “لومي بارتنرز ليميتد” بنسبة 8.85%، و”فرست إنترناشونال بنك أوف إسرائيل” بنسبة 2.75%، و”فينيكس بروفيدنت فوند ليمتد” بنسبة 5.04%، و”كلال بنشيون أند بروفيدنت فوند” بنسبة 7.64%.

 

خلاصة

 

إذاً، نرى أن خيوطاً بريطانية إسرائيلية تتشابك في شرق المتوسط ومنطقة بحر العرب، في محاولة لفرض الهيمنة على هاتين المنطقتين، بغية الاستفادة من موقعهما الجيوسياسي ونهب ثرواتهما. والجدير ذكره أنَّ هذه الخطة تتكامل مع جهود “إسرائيل” للسيطرة على منطقة باب المندب، علماً أنها سبق أن أقامت قواعد عسكرية سرية في جزر حنيش منذ أن احتلّتها أريتريا قبل عقدين من الزمن.

 

هذا الأمر يتكامل مع مخطّط “إسرائيل” لإقامة خط أنابيب غاز ونفط يصل بين “إيلات” و”عسقلان” لتشكل بديلاً من قناة السويس. وبذلك، تصبح “إسرائيل” لا مصر صلة الوصل بين شرق المتوسط والمحيط الهندي في ما يتعلق بخطوط الغاز والنفط. ومن المعلوم أنَّ من يسيطر على هذا الطريق يصبح القوة المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.

 

 

مقالات ذات صلة