صمودنا وثباتنا سبيلنا إلى النصر

عمران نت  – تقارير – 11 شعبان 1443هـ

 

في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد دعا قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الشعب اليمني إلى الثبات في ظل اشتداد الحصار ومنع قوى العدوان الإجرامي من دخول الغذاء والدواء والوقود عبر ميناء الحديدة ما تسبب بخلق أزمة خانقة في المواد البترولية وقال مخاطبا الشعب اليمني (يا يمن الإيمان الثبات الثبات، لتكن كل معاناتنا حافزاً إضافياً وعزماً جديداً في تحركنا القوي للقيام بمسؤولياتنا، في التصدي لهذا العدوان، الذي تشرف عليه أمريكا، والذي اعتبرته إسرائيل جزءاً من مصالحها، جزءاً من أهدافها، جزءاً من رغباتها وآمالها ومخططاتها، عوننا بالله “سبحانه وتعالى” هو نعم المعين، هو مولانا {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال: من الآية40]، ولنسعى إلى أن نزداد وعياً في معركة الوعي، وأن نزداد ثباتاً في موقفنا، وأن نزداد جديةً في تحركنا في كل المجالات، باستشعارٍ عالٍ للمسؤولية، بضميرٍ حيٍ، بإيمانٍ صادق، ببصيرةٍ عالية.

 

(إذاً نحن في مرحلة ـ كما يراها ـ قائد الثورة تتطلب رجالا ثابتين، رجالا مستبسلين في سبيل الله، رجال بأس، رجال ثبات، رجال مواقف يحملون همة عالية، رجال في مستوى التحديات، في مستوى الأخطار، لا تؤثر عليهم أي عوامل ولا تركعهم أي عوامل؛ كلما ازداد ضغط العدو زادت قوتهم وثباتهم واستبسالهم ..

 

ولكن كيف يمكننا أن نحقق أعلى مستوى من الثبات والصمود في مواجهة العدوان على ضوء القيم الإيمانية التي هي بدون شك أهم مصدر لتعزيز ثباتنا في مواجهة العدوان؟ هذا ماسنتطرق إليه بشكل مقتضب في هذا التقرير.

 

أولاً ما هي معاني الثبات؟

 

الثبات يعني الصبر على الحق، الصمود في مواجهة الباطل، استقبال العناء والشدائد بصدور رَحْبَة، بعزائم قوية، بإرادات لا تُقهر، برؤية واضحة، ببصيرة عالية والثبات يصل إلى مستوى الكلمات : أن يكون الناس دقيقين في منطقهم لا يظهر من جانبهم على الإطلاق أي عبارات جزع، بل كلها عبارات قوة كلها عبارات ثبات، كلها عبارات التجاء إلى الله سبحانه وتعالى حتى تكون النتائج طيبة {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }آل عمران174

 

 

 

جدوائية الثبات

 

للصمود ثمرته، للثبات جدوائيته، للموقف المسؤول والعزيز والحر قيمته وإيجابيته، وبالتالي لا بُدَّ من الاستمرار في الصمود والثبات؛ لأنه هو الذي يُعوَّل عليه ولا مناص أبداً ولا خيار لنا سوى الصمود ، طالما هناك عدوان واحتلال وحصار ومعاناة هنا صمود حتى يتحرر كل شبر من هذا البلد، وسنواجه هذا العدوان وهذا الاحتلال وهذا الغزو – أيضاً – بالثبات والصمود وبالوعي، لا بُدّ من الوعي: الوعي بأهمية التحرك بقيمته بأنه يمثل الأولوية أيضاً.

 

ثانياً/ مقومات الثبات

 

1) الدافع الإيماني

 

الإيمان يبني الإنسان في ثباته في صبره في تفانيه في استبساله في إقدامه على مستوى لا يمكن أن يبنيه أي شيء آخر في الدنيا، لا أي مدرسة في العالم ولا أي كلية ولا أي ثقافية ولا أي رؤية يستطيع أن يبني إنساناً على مستوى عال عال عال من الثبات والصبر والتفاني والاستبسال بمثلما يصنعه الإيمان، لأن الإيمان صلة بين الإنسان وبين الله، والإنسان بحاجة إلى هذه الصلة مهما كان لديك من عزيمة، وإرادة ، وقوة، وثبات، فهذه الصلة الإيمانية تهيئك وتجعلك جديراً برعاية إلهية دائمة، فيمنحك الله ثباتاً وعزماً متجدداً، فكلما كاد صبرك أن يتزلزل أفرغ عليك من الصبر ما يجعلك تثبت وتثبت وتثبت حتى تنتصر هذا جانب مهم جداً. كما أن هذه الصلة بين الإنسان وبين الله تجعلك تحظى برعاية دائمة ومستمرة من الله سبحانه وتعالى، ويمنحك كل مقومات الثبات، بصيرة، نوراً، معرفة، هدياً، تدبيراً، حكمة، رعاية شاملة في نفسك وفيما يعطيك الله مباشرة وفيما يعمله الله معك ضد عدوك، وهذه رعاية كبيرة جداً جداً، يعني: تأخذ جزءً كبير جداً جداً من الجهد والمشقة والتحدي، الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه تحدث في إحدى محاضراته أن الكفاية الإلهية تساوي نسبة 99% ويبقى أنت جهدك يساوي 1% .

 

2) التقوى

 

جانب التقوى جانب أساسي إذا كنت في معسكر الله معسكر ملك السماوات والأرض، جندياً من جنود الله، يستلزم هذا أن تبني واقع حياتك كلها على التقوى، أن تكون إنساناً يحذر الذنوب، عنده اهتمام بالالتزام بدين الله (سبحانه وتعالى)، في علاقاته، في معاملاته، في سلوكه، في كلامه، في تصرفاته كلها، لأن الذنوب والمعاصي تترك أثراً سيئاً على النفس وعلى المشاعر، فيكون لدى الشيطان اقتدارا في التأثير عليه، حتى وهو في ميدان المواجهة؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى عن فرار بعض المسلمين في معركة أحد:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ}(آل عمران:155) حينما كان منهم عصيان في مسائل محددة ومعينة وواضحة كانت النتيجة أنهم فتحوا للشيطان مجالاً للتأثير عليهم، فاستطاع أن يزحزحهم من ميادين الجهاد لينهزموا وليتراجعوا وليتقهقروا أمام أوليائه، ولذلك إذا كنت في معسكر الله مجاهداً أعمل على أن تصون قلبك ، ومشاعرك، و نفسك من كل تلك المؤثرات الشيطانية التي تدنسك، و تلوث قلبك، و تبعدك عن الله، وتفتح مجالاً للشيطان للتأثير عليك، بما يورثك الذل والهوان والعصيان لله سبحانه وتعالى، مكاسب التقوى عظيمة، فهي تهيئ نفسك كإنسان مؤمن طاهر القلب و السريرة، مستقيم العمل والسلوك، أن يكون الله معك، أن يعينك، أن يمدك بمعيته أول مكسب { وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ }[التوبة من آية 123]

 

3) الوعي والبصيرة

 

الوعي والبصيرة تعني: الفهم الصحيح للأمور، الاقتدار على التخطيط الحكيم، والتدبير الحكيم ، وهذا شيء نحتاج إليه خاصة في هذه المرحلة فالوعي الذي يقوم على أساس هدى الله سبحانه وتعالى يقي الناس الكثير من الزلزلة قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }(آل عمران173) ألم يحصل هنا ثبات؟. لاحظ كيف الوعي لديهم جعلهم هم يثبِّتون الآخرين، لأنه كلما تناقص الوعي وتقاصر الفهم وضعف الإدراك لحقيقة ومستوى المخاطر والمؤامرات، كلما ساعد هذا على نجاح كثير من مؤامرات ومكائد الأعداء، والعكس كلما تنامت حالة الوعي والفهم، كلما أعاقت الكثير الكثير من مخططات الأعداء ومؤامراتهم فلا تنجح بل يكون مصيرها الفشل.

 

 

 

4) الثقة بالله

 

الثقة بالله هي من أهم ما ركز عليه القرآن الكريم لأنه إذا افتقد الناس الثقة بالله قد يصلوا إلى حالة من الكفر لا يشعرون بها، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى:  وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  (الحج: من الآية40) ثم ترى البعض تهتز نفسيته وينظر إلى أولياء الشيطان نظرة المنبهر بهم يراهم كباراً، ويراهم سَداً أمام الله، وليس فقط أمام نفسه فيعتريه الخوف منهم، ويتضعضع ثباته وصموده ويكون ردة فعله (لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) لكنه لو وثق بالله لما وجد أي شيء أبداً أمامه كبيراً لأن الله هو الذي يستطيع أن يهيأ الفرص ويفتح المجالات ويعمل الأشياء الكثيرة التي قد لا تتهيأ إطلاقاً، ويدافع عن أوليائه ولذلك فإن أهم شيء في الموضوع هو أن تظل ثقتنا بالله قوية.

 

 

 

5) التولي لله والإخلاص له

 

التولي الصحيح يرتبط به غلبة، التولي لله التولي لرسوله التولي للإمام علي (عليه السلام) وأولياء الله، يترك قوة رهيبة في مواجهة العدو، ويهيئ لتدخل من الله، ونصر من الله، كما أن الإخلاص لله هو الذي سيجعل كل جندي يتفانى في أي ميدان هو لأن الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل إذا انطلق الناس وكلهم مخلصون لله سيخلصون في السر وفي العلن، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وهو في نفس الوقت له أثره المهم في توحيد كلمة الأمة، توحيد كلمة المجموعة، توحيد كلمة العاملين، بل وفاعليتهم والأهم من ذلك أن الله لا يقبل العمل الذي تشوبة أي مقاصد شخصية قال تعالى: (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر آية 3]

 

6) الصبر

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة آية153]

 

الصبر يجعل عند الإنسان طاقة وتحمل ويبنيه على أن يكون في مستوى أعلى من القيام بالمسؤولية، فيقدم من العمل الناجح الكثير والكثير، ويكون لديه الثبات على المواقف، ولديه التحمل الكبير للقيام بالمسؤولية أرقى من الآخرين الذين أنفسهم ضعيفة ومهزوزة، وليس عندهم طاقة للتحمل، والواقع الإيماني يجعل الإنسان صبوراً، ونفسيته عالية، ليست نفسية ضعيفة حقيرة عندما يواجه أي مشاق أو عوائق هو ذلك الذي يصرخ ويتنصل عن مسؤوليته ويتراجع ويتهاون ويحبط ولذلك فإن أولياء الله سبحانه وتعالى دائما مايطلبون من الله أن يفرغ عليهم الصبر عند ملاقاة عدوهم (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ) [البقرة آية250]

 

7) استشعار المسؤولية الدينية وقداسة العمل الجهادي

 

من يتأمل ويتدبر كتاب الله يزداد شوقاً، ويزداد اندفاعاً بشكل كبير جداً في مجال العمل الجهادي، ويزداد تقديساً لهذا العمل، وإعظاماً له، ويتحرك بجدية كبيرة واهتمام كبير، يدرك عظمة هذا العمل وعظيم فضله ومكانته عند الله سبحانه وتعالى لأن الجهاد في سبيل الله من أي جانب تأتي إليه تجد له الأهمية الكبيرة ولذلك فإن نتائج التخلي عن المسؤولية الدينية والجهادية والتنصل عنها خطيرة جدا أبرزها ضياع الحق وخسران المعية الإلهية والتعرض لعقوبة الله سبحانه وتعالى وتمكين العدو هذه حقيقة من الحقائق التي فرطت بها الأمة في كثير من الأقطار والمناطق في الساحة الإسلامية فكانت النتيجة تمكن العدو لأن هذه سنن إلهية تحكم هذه الحياة متى ما ضيع الحق انتشر الباطل.

 

8) إعداد القوة ورفع المعنويات

 

قال تعالى:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }[الأنفال آية60]

 

قضية الإعداد للمستطاع من القوة من أهم القضايا ويشمل ذلك الإعداد جوانب متعددة منها أن يكون عندنا اهتمام كمؤمنين في كل ما يعطينا قوة في مواجهة العدو، مثلاً اعتصامنا بحبل الله وتوحدنا يعطينا قوة ويساعدنا على الثبات والصمود، لأن فشلنا في تنازعنا وضعفنا في عدم استجابتنا للتوجيهات الربانية كما أن السلاح يمثل عامل قوي في إهاب العدو ووسيلة من وسائل القوة التي تساعد في الثبات والصمود في مواجهته فالاهتمام بتوفيره والمحافظة عليه واجب ديني وإنساني والأهم من سلاح الحديد سلاح الإيمان، فيجب إعداد أنفسنا إيمانيا من خلال هدى الله في القرآن الكريم, وإلا فإن سلاح الحديد من دون إيمان ما يمثل أي قيمة، لأنه السلاح الأساسي في مسيرة الحق الجهادية

 

كما أن من أبرز عوامل استمرارية الثبات والصمود هي المعنويات المرتفعة فمتى ماضعفت نفسية المجاهد ضعف أداؤه العملي في الواقع الجهادي لذا لا بد أن يكون هناك تواصي بالحق وتواصي بالصبر وتشجيع مستمر على الثبات والصمود، وبطريقة رائعة وطريقة جيدة وتعزيز الثقة في النفوس، وتعميم حالة الارتياح النفسي عند الأفراد؛ لأن أهم قوة في الواقع الجهادي هي القوة المعنوية القوة المعنوية، ما يؤثر على هذه القوة يترك أثراً سيئاً جداً، حتى لو توفرت الرعاية المادية تغذية وما شابه على كيفما كانت، ما ينفع إذا ما هناك اهتمام بالجانب المعنوي.

مقالات ذات صلة