فجرُ الصحراء والدروسُ المستفادة

وسام الكبسي

 

يقدم أبطال ومجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة أقوى الدروس وأحدثها ويجيدون ببراعة ابتكار الخطط وصناعة الأحداث وتغيير المعادلات وتصويب مساراتها لصالحهم دائماً، كما يتفننون في تنقية واختيار الأولويات بدقة عالية وفريدة والشواهد حية ومعاشة يعيشها كُـلّ مهتم بالشأن اليمني والمنطقة على حَــدّ سواء، فهم وحدهم من يحيزون قصب السبق في الوصول إلى الأهداف المرسومة وجني ثمارها بدون عناء أَو مشقة في كثير من الحالات ويحتفون -ويحق لهم ذلك- بالنصر الذي نالوه وهم بذلك يصنعون تاريخ مليء بالدروس العسكرية التي قد تتحول إلى منهج يُدرّس في أفخر الأكاديميات العالمية والتخصصات العسكرية منها والأمنية بالذات.

 

وفي عملية فجر الصحراء كما سبقها من العمليات العسكرية التي يقوم بها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة لتطهير المناطق المحتلّة من دنس الغزاة وأذنابهم من المرتزِقة والعملاء نلحظ تلك الخطوات التكتيكة والاستراتيجية وإجراءاتها التنفيذية الموجعة والمؤلمة لتحالف البغي والإجرام، وبين تلك الخطوات التكتيكية والاستراتيجية تناغم عجيب يصل صدى أصوات ذلك التناغم إلى مسامع العالم أجمع؛ علّه يلتفت إلى ما يعيشه الشعب اليمني من مآس طيلة سبعة أعوام من إجرام ترتكبه طائرات بني سعود وعيال زايد، فعند كُـلّ تصعيد يأتي الرد المناسب له تارة في العمق السعوديّ وأُخرى في الداخل اليمني وتناغم تلك العمليات تماماً كتناغم الطيران المسيَّر والقوة الصاروخية.

 

ومما مضى نجد أن الإدارة الأمريكية لم تستوعب الدرس الذي تلقّته عند تحشيدها ودعمها الإعلامي واللوجستي عوضاً عن دعمها السياسي والأمني وَمشاركتها الفعلية والميدانية لأدواتها الاستخباراتية من القاعدة وداعش في جبهات الزاهر والصومعة وغيرها من جبهات البيضاء، حَيثُ انتهى ذلك الفصل باختبار صعب كانت نتائجه واضحة وجلية وأعلنت حينها في عملية “فجر الحرية” لتطوى صفحة سوداء مليئة بالذبح والاغتيالات وإرهاب الناس ويذوق الناس طعم الحرية وينعمون بالأمن والكرامة في سويعات قليلة بفضل من الله تعالى.

 

وما يزال الأمريكي يبحث عن أسباب الإخفاق وتحليل ما جرى له وأذنابه على أيدي رجال الله وأهلهم من أبناء تلك القبائل الأبية في محافظة البيضاء إلا وتتوالى الصفعات والدروس في مديريات جبل مراد، وما يزال الأمريكي منهمكاً في البحث عن فهم ما يجري مستعيناً بكل عقل عسكري وأمني وسياسي ولم يصل إلى نتيجة بعد.

 

وهو في غيبوبته تلك يتلقى صفعة أُخرى ودرس أقسى على مستوى استراتيجي وفي غضون أَيَّـام ثلاثة لا أكثر ينفذ الجيش واللجان الشعبيّة عملية “فجر الصحراء”، حَيثُ كان من نتائجها تحرير منطقة اليتمة وما جاورها في مديرية خب والشعف، حَيثُ تكتسب العملية بُعداً استراتيجياً وذلك لأهميّة موقع محافظة الجوف الاستراتيجي؛ كونها تقع على خطوط التماس مع جارة السوء مملكة بني سعود مباشرة، بشريط حدودي يمتد من جنوب غرب نجران حتى جنوب شرقي نجران ويصل امتداده صحراء الربع الخالي وهذا يعني عزل جبهة مأرب عن جبهة الحدود وإقفال المجال عن أي دعم عسكري من هذا الشريط الحدودي الطويل.

 

وفتح مسارات جديدة تهدّد مناطق واسعة للسيطرة عليها في العمق السعوديّ خَاصَّة بعد هدم الجدار العازل الذي حاولت مملكة السوء بناءَه منذُ عشرات السنوات من خلال عوامل مزمّنة أهمها شراء الولاءات القبلية وتسهيل السيطرة عليها من قبل زعيم الخيانة وقائد فرقته لفرض السيادة السعوديّة على اليتمة وما جاورها وُصُـولاً إلى وضع الآلاف من المرتزِقة المحليين كسياج لحماية حدودها، ثم من خلال ذلك تنهب خيرات وثروة الشعب اليمني في محافظة الجوف، حَيثُ أن المسارات التي قد يستخدمها الجيش واللجان الشعبيّة مفتوحة وخياراتها متعددة على مستوى الداخل اليمني أَو على مستوى العمق السعوديّ إن قضت الحاجة لذلك.

 

ولعل من أهم الدروس التي ينبغي على الأمريكي والسعوديّ فهمها إن كان ذلك سيجدي هي أن الخيارات مفتوحة ولنا الحق في اتِّخاذ القرار المناسب وفق ما تحتاجه المرحلة وحساسية الموقف وهذا خيار الشعب اليمني وقرار قيادته الثورية الحكيمة، وعليه فَـإنَّ على الأمريكي الإيعاز لأدواته بالانكفاء والانكماش وإلَّا فَـإنَّ قادم الدروس من الصعب عليهم حتى قراءة محتوياتها، وَأَيْـضاً لجارة السوء بما أنه ولأول مرة في تاريخ الجمهورية اليمنية يتم فرض السيادة الوطنية على هذا الجزء من الجغرافيا اليمنية فَـإنَّ الجماهير اليمنية ستعزز ثقتها والتفافها بالقيادة الحكيمة ممثلة بقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي -يحفظه الله تعالى- وتلك رسالة يفهم مدلولها قادة الكيان السعوديّ الذين أسسوا مملكتهم بالضم للمناطق اليمنية تماماً كما يعمل الكيان الإسرائيلي وعليه فَـإنَّ على بني سعود كخطوة أولى التخلي عن المرتزِقة والجنوح للسلام المشرف ما لم فمحتوى الرسالة واضح والدرس سيقوم به تربويو الجيش واللجان الشعبيّة.

 

وفي هذه العملية النادرة والنوعية والخاطفة رغم أن هناك عمليات ومسارات في أغلب المحاور من الساحل مُرورًا بشبوة ومأرب حتى الحدود وكون العملية في منطقة مفتوحة وواسعة دون غطاء جوي وتم حسمها في وقت قياسي وحرّرت أراضي مغتصبة لعقود لا يعتبر نصراً عسكريًّا وحسب، بل نصرٌ تاريخيٌّ وإنجاز وطني الأول من نوعه منذ بدأ العدوان وهو ما يعني التفوق الاستخباراتي والمعلوماتي الكبير لدى الجيش واللجان الشعبيّة رغم كثافة وحداثة ما يملكه تحالف العدوان، وهذا درس آخر بأن قوى التحالف أصبحت مخترقة إلى مستوى قياسي لا يمكن ترميمه أَو سد ثغراته إلا بالتخلص الكامل من أدواتها إن كان ذلك سيجدي.

 

ورغم وضوح الدروس وتكرارها إلَّا أن الغباء هو سيد الموقف؛ ولذا فَـإنَّ قاموس مصطلحات الثقافة القرآنية هي الحاكمة ورجال الله هم الغالبون وفجر الصحراء دروس للمتعظين إن وُجدوا.

مقالات ذات صلة