إحياءُ المولد النبوي.. المدخلاتُ والنواتج

سند الصيادي

 

للشخصيةِ القُدوة رمزيةٌ موحَّدةٌ في الحياة البشرية، أياً كانت صفاتُ وخصائصُ واعتقادُ وثقافةُ هذا المجتمع أَو ذاك، وَهي رمزيةٌ وإن اختلفت في ما تمثِّلُه من قيمٍ ومبادئَ، إلَّا أن الارتباطَ بها وإعلاءَ شأنِها يمثل سلوكاً تتشاركُه الشعوبُ؛ وفاءً وعرفانًا لمسيرة هذه القُدوة، وَفي نفس الوقت يكونُ الاحتفاء بها عزماً على المضي في ذات المسير.

 

وحين يكون الحديثُ عن الشخصية القُدوة متعلِّقًا بالرسول الأعظم محمدٍ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَى آلِـهِ وسلم، فَــإنَّه يمثِّلُ أُنموذجَ الكمال البشري لمعاني وصفات هذه القُدوة إنسانياً وَدينياً، أنموذج بالمفهوم الشامل للفضيلة تجاوز النسيج المجتمعي الذي ينتمي إليه وَالأمة التي اعتنقت منهجَه إلى الأمم البشرية جمعاء، وتحديداً تلك التي تطمح وتتطلَّعُ إلى الخَلاصِ والنهوض وَالحضور الإنساني المشرف.

 

من هذه العناوين تأتي عظمةُ الاحتفاء بذكرى مولد هذه الشخصية العظيمة في الأرض والسماء، احتفاءً بأثر رجعي؛ لما أحدثه في زمانه من تحولات، واحتفاءً بأثر حاضر ومستقبلي؛ لما يمكن أن يُحدِثَه فينا من معالجاتٍ لعوامل ضعفنا وَأزماتنا وَمظالمنا، وَما يمكن أن يمنحَنا من مكارمَ ودوافعَ تقودُنا إلى العليا في الحياة التي نعيشها وَالأُخرى التي نؤمن بها وَننتظرها، إنْ نحن نجحنا في حصد فضائلِ هذا الاحتفاء، وَأحسنَّا توظيفَ الذكرى لتشملَ كُـلّ الجوانب التي اختزلتها وَمثّلتها شخصيتُه وَمنهاجُه وَمواقفه.

 

ومن ذات العناوين، ينطلق أعداؤنا وَأعداءُ الأُمَّــة والفضيلة في هذا العالم وعلى مر العصور في مساعيهم لمحاربة هذه المناسبة وَكُـلِّ ما من شأنه أن يبقيَ صاحبَها حياً في ذاكرة وَوجدان وَواقع الأُمَّــة الإسلامية؛ سعياً منهم على بقائنا في ذات الدائرة من الضياع وفقدان البوصلة، وبما يبقينا فرائسَ سهلةً للسيطرة وَالهيمنة، ولذلك وَمع كُـلّ ذكرى وبعد أن فشلوا عسكريًّا، نراهم يحشدون ما استطاعوا من مثبِّطاتٍ إعلامية وسياسية وَفتاوَى دينيةٍ معلَّبةٍ بنوايا الردع لارتدادات الاحتفال بميلاد الرسول الأعظم على مستقبل قوتهم وحاضر ضعفنا.

 

من هذه العناوين، انطلق شعبُنا بوعي كاملٍ في الاحتفاء وَالتحشيد والتحضير لهذه المناسبة، بروحٍ إيمَـانية حكيمةٍ يلهمُها قائدٌ ربانيٌّ محنَّكٌ، رسم الطريقَ وَشخَّصَ المعركةَ، وما فتئ يحفِّزُ المسؤولية في شعبه وأمته، داعياً في كُـلّ مناسبة لإحيَاء هذا اليوم بما يستحقُّه وَبما يكفل التحَرُّكَ الفاعلَ وخوض هذه المواجهة مع أعداء الله والأُمة والإنسانية، وَبسلاح الرسول محمد وَمنهاجه العظيم الكفيل والقادر على مواصلة الصمود وَتحقيق النصر وَاجتراح المعجزات.

مقالات ذات صلة