الإجهاز على «الانتقاليّ» مؤجّل: جولة كريتر… لا رابح ولا خاسر

صحافة

جولة جديدة من المعارك شهدتها مديرية كريتر في عدن، هذه المرّة بين مكوّنين يتبعان «المجلس الانتقالي الجنوبي»، تمكّنت السعودية من النفاذ إلى أحدهما، مستغلّة التباينات الحاصلة في صفوف الفصيل المدعوم إماراتياً. وعلى رغم اشتغال الرياض، منذ مدّة، على خطّة لتقليص نفوذ «الانتقالي» في المناطق الجنوبية، إلّا أن تفاقم الأحداث نبّه خصومها إلى ما كان يُعدُّ لهم، لتخسر جولة في معركة يُتوقَّع أن تتجدّد وتأخذ أشكالاً مختلفة، وسط إصرار المملكة على تضييق الخناق على وكلاء حليفتها الإماراتية

 

لا يكفي أبناء المحافظات اليمنية المحتلّة معاناتهم من جرّاء غياب الخدمات، والانهيار الحادّ في أسعار العملة المحلية، وتوقُّف الرواتب منذ أشهر، فضلاً عن اتّساع معدّلات الفقر والبطالة، ليفَاجَأ أهالي عدن بتفجُّر الوضع الأمني في مديرية كريتر. وبدل أن يستجيب التحالف السعودي – الإماراتي لمطالب المتظاهرين الذين خروجوا، في الأسابيع الماضية، احتجاجاً على سياسات التهميش والإفقار التي تُنفّذ في حقّ المواطنين والأحزاب السياسية، تجاهلها وأمعن في تأزيم الوضع الأمني، محوّلاً الأحياء السكنية إلى ساحات حرب بين مكوّنات تُؤتمر بأوامر الرياض وأبو ظبي.

 

وتختلف معركة كريتر هذه المرّة عن المرّات السابقة، إذ إنها كانت محصورة، في ما مضى، بين طرفين، هما: ما يسمّى بـ«الشرعية» اليمنية المدعومة من السعودية، و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات. إلّا أن ظاهر المعركة الحالية في كريتر، هو اقتتال «الانتقالي» مع فصيل منشقّ عنه، بعدما نجحت الرياض في اللعب على التناقضات الحاصلة بين مكوّناته، واختراقه من خلال شخصيات وقيادات وازنة ومؤثّرة. ويبدو أن ما حصل في المديرية هذه، جرى الإعداد له منذ مدّة، غير أن الخطّة المعدَّة من قِبَل النظام السعودي، والقاضية بتقليص نفوذ «الانتقالي» من خلال شراء الولاءات بالمال والمكاسب الشخصية والسياسية، بُترت واقتصرت على كريتر لتُنبِّه هذا الفصيل إلى خطورة ما يحضَّر له، وإن كان مسؤولون فيه انتقدوا قيادتهم لتأخُّرها في فهم هذا السيناريو، ملقين باللائمة على القيادة ومن خلفها أبو ظبي.

 

يدرك الجميع، بمَن فيهم المسؤولون السعوديون، أن المودّة بين «المجلس الانتقالي» خصوصاً والجنوب عموماً، مفقودة مع المملكة، وذلك لاعتبارات تاريخية، يضاف إليها فقدان السعوديين التعاطي بأهلية مع الجنوبيين. وبناءً على ما تقدَّم، عمدت الرياض إلى تجزئة ملفّ «الانتقالي»، والنفاذ إلى هذا الفصيل عبر استغلال التباينات الحاصلة بين الأطراف والشخصيات المكوِّنة له، وقد نجحت جزئيّاً في مخطّطها، ولا سيما أن بعض أعضاء «المجلس الرئاسي»، أعلى هيئة قيادية في «الانتقالي»، خضع للسطوة السعودية، وبات يشكّل أداة ضغط من الداخل. هذا ما أكده نشطاء جنوبيون قالوا إن «أحداث كريتر ليست إلّا مقدّمة لأحداث أكبر جرى التخطيط لها من قِبَل دول لتَعمّ الجنوب، عبر استغلال نقاط الضعف داخل الانتقالي، وهشاشة التركيبات العسكرية والولاءات الضيّقة لبعض قيادات القوات الجنوبية المحسوبة عليه لإضعاف ولائها الوطني للجنوب». وتُعدُّ الأحداث الحالية في كريتر، بمثابة جرس إنذار لـ«الانتقالي»، بعدما سحب الجانب السعودي البساط من تحته. ولكن ما يمنع الإجهاز عليه وإزالته من المشهد الجنوبي، سببان: الأوّل بروز حالة العداء التاريخي بين الجانبين السعودي والجنوبي، إذ إن كلاً من المملكة والجمهورية الشعبية الديمقراطية اليمنية خاضتا عدّة حروب على خلفيات حدودية وسياسية، والثاني أن التحالف بين الرياض وأبو ظبي مربوط بخيط رفيع جداً، يحفظ المكتسبات الإماراتية، وعلى رأسها وجود «الانتقالي» تحت رعايتها. ولعلّ عودة رئيس حكومة ما يسمى الشرعية، معين عبد الملك، منتصف الأسبوع الماضي، إلى قصر معاشيق الرئاسي في عدن بحماية سعودية، ومن دون تنسيق مع «الانتقالي»، أربكت الأخير، وإن رحّب، ظاهرياً، بوصول الحكومة، التي أعلن وزراء فيها، بوضوح، أنهم سيعملون على تنفيذ كامل مندرجات «اتفاق الرياض»، وعلى رأسها الشقّ الأمني الذي يرفضه «الانتقالي» بشدّة.

 

وشهدت مديرية كريتر في محافظة عدن معارك ضارية بين قوات «المجلس الانتقالي» وفصيل منشقّ عنه، بقيادة إمام النوبي، أحد القادة السابقين لألوية «الحزام الأمني» المموّل إماراتياً، والآتي من منطقة ردفان التي ينحدر منها الكثير من القادة في صفوف قوات «الانتقالي». ويدّعي الأخير أن النوبي يقود جماعة «إرهابية» ارتكبت جرائم قتْل في حقّ المواطنين، إذ تمّت إقالته من منصبه في عام 2019، بعد اتهامه بتعذيب المعتقلين في السجون السرّية التي تديرها أبو ظبي في جنوب اليمن. وإلى اتهامه بالإرهاب، بدأ الإعلام التابع لـ«الانتقالي» بالتحريض على النوبي الذي وصفه بـ«إمام الصلوي» نسبة إلى منطقة الصلو في محافظة تعز. وقد قُتل شقيق إمام النوبي، القائد الميداني في «اللواء 13 صاعقة دعم وإسناد»، عواد النوبي، في منطقة العلم بينما كان في طريقه إلى مدينة عدن لقيادة وساطة بين شقيقه و«المجلس الانتقالي»، فيما أُصيب شقيق آخر له في المكان نفسه.

 

ويبدو أن قوات «الانتقالي» فوجئت بحجم المقاومة المسلّحة من قِبَل جماعة النوبي، ما اضطرّها إلى طلب تعزيزات ضخمة لمواصلة المعركة، إضافة إلى إغلاق مداخل عدن من جميع الجهات. وبحسب رئيس دائرة العلاقات الخارجية لـ«الانتقالي»، أحمد عمر بن فريد، فإن أحداث كريتر أثبتت أن العمل الاستخباري لدى «الانتقالي» يساوي «صفراً». من جهتها، أفادت مصادر صحافية، بأن جماعة النوبي سيطرت على حيّ الطويلة قبل أن تتمكّن قوات الأمن التابعة لـ«الانتقالي» من اقتحامه والسيطرة عليه، مرجّحةً أنه حالياً في حماية قائد قوات التحالف السعودي في عدن.

 

وكالعادة، يعمل وكلاء «التحالف» المحليون على توظيف الأحداث في عدن كلٌّ وفق أجندته الخاصّة؛ إذ ركّزت سردية «الشرعيّة» على عدم أهليّة «الانتقالي» في إدارة المحافظات الجنوبية، متّهمة إيّاه بالتبعية لدولة الإمارات وتنفيذ سياستها القائمة على تعزيز النزاعات المناطقية في الجنوب. وفي هذا السياق، قال وكيل وزارة الإعلام، محمد قيزان، في تغريدة عبر موقع «تويتر»، إن «ما حدث في كريتر أمس، وقع قبل أيّام في الشيخ عثمان، وسيحدث غداً في التواهي والمعلا والبريقة»، مضيفاً أن «كل منطقة في عدن أصبحت وكراً لزعيم عصابة معه أسلحة ثقيلة وأنصار يتبعونه». أما «الانتقالي»، فاعتبر أن هناك ارتباطاً بين «المجاميع المسلّحة الخارجة عن القانون والنظام التي تسبّبت بأحداث كريتر» وبين الشرعية اليمنية، لافتاً إلى أن «الأحداث الأخيرة جاءت للتغطية على فضائح وخيانات الشرعية في شبوة ومأرب». وكتب أحد النشطاء البارزين في «الانتقالي»: «من غزوة خيبر إلى غزوة كريتر، تعرّت عورات قادة الشرعية في شبوة ومأرب، وبلعوا ألسنتهم عمَّا يجري في تلك المناطق. أرادوا حرْف الأنظار عن خيانتهم وخسّتهم بتحقيق اختراق في عدن علّه يُنسي الناس ما فعلوه».

 

 

 

الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة