ثورةُ الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-.. الدروس والعِبَر

نوال أحمد

ما أحوجَ الأُمَّــةَ الإسلاميةَ اليومَ، وفي هذا الزمن الجاهلي إلى أن تعود إلى القرآن الكريم، إلى أن تعودَ إلى تاريخها الإسلامي من جديد، وأن تعودَ إلى رسول اللّه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وأن تتطلّع في سيرته وحركته الرسالية، ما أحوجَ الأُمَّــةَ الإسلاميةَ اليومَ إلى أن تعودَ إلى علي -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- لتقرأ سيرته وحركته الجهادية في الحياة، إلى أن تعود الأُمَّــة إلى الأئمة الطاهرين من أهل بيت رسول اللّه إلى فاطمة الزهراء إلى الحسن والحسين، إلى زيد بن علي عليهم جميعاً الصلاةُ والسلام.

 

 

 

إنَّ أمتَنا اليوم في أَمَسِّ الحاجة إلى أن تهتديَ وتستبصرَ إلى أن تستنيرَ بهدى القرآن الكريم، إلى أن تعودَ إلى نبيها وهاديها ومعلمها ومربيها وقائدها الأول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وإلى أهل بيته الأطهار، لتستضيءَ بنورهم وتهتدي بهداهم، ولكي تستلهم من حركاتهم وثوراتهم قوة الإيمان والصبر على المواجهة وتحمل المسؤولية، لتتزود هذه الأُمَّــة من ذلك العزم والإقدام المحمدي الحيدري؛ لتستلهمَ من ثورة الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- القوةَ والشجاعة وَالثبات، لتستلهم من جهاد وَثورة الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، في كيف تكون المواجهة مع أعداء الإسلام، وفي كيفية التصدي بحزم لقوى الباطل والشرك والضلال.

 

 

 

إن ثورةَ الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- وبعد استشهاده في واقعة الطف، تلك الحادثة الأليمة التي كشفت لنا عن مدى الانحراف، وبأن الأُمَّــة في واقعها ليست بخير، وأنها لا تسير بالاتّجاه الصحيح، وأن هناك انقلاب كامل على الإسلام بكله، انقلاب على رسول الله، والقرآن، على قيم ومبادئ وأخلاق الإسلام، انقلاب على مشروع الإسلام المتكامل، تغيير وانحراف كبير في واقع الأُمَّــة والذهاب باتّجاه جاهلية أُخرى أسوأ من الجاهلية الأولى بكثير..

 

 

 

وَبعد حادثة كربلاء، تكرّرت المأساةُ نفسُها بالإمام زيد بن علي حفيد الإمام الحسين عليهما وعلى آبائهما السلام، إمامنا الأعظم، وإمام الأئمة زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- تحَرّك في طريق جده الحسين -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، تحَرّك في نفس المشروع، في ذات الهدف، تحَرّك بذات القضية والمبدأ، تحَرّك على أَسَاس إقامة رسالة الله، إحياءً لدين الله، إصلاح أُمَّـة جده رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، الذي ورث عنه حمل المسؤولية وتأديتها، تحَرّك الإمام زيد كما تحَرّك جده الحسين -عَلَيْهِما السَّــلَامُ-، تجسيداً لتعاليم الإسلام وتأسياً بجديهما محمد المصطفى، وعلي المرتضى صلى الله وسلم عليهم أجمعين.

 

 

 

الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، كان حليفَ الذكرِ، حليفاً للقرآن الكريم، هذا القرآن الذي ما زال بين أيدينا، القرآن الذي نقرأُه جميعاً، هذا القرآن الذي عكف عليه وقرأه الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، فتحَرّك بحركة القرآن وبما جاء فيه من توجيهات وأوامر إلهية جسّدها على أرض الواقع، وطبقها عملياً في ميدان الحياة، الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- هو من قال “واللهِ ما يدعني كتابُ الله أن أسكت“، استشعر مسؤوليته وانطلق في ميدان العمل والجهاد، ثائراً على الظلم والفساد، مصلحاً لأمة جده، خرج آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، خرج ليغير من ذلك الواقع السيئ والمؤلم آنذاك، كان يهمه ويؤلمه معاناة وأوجاع، وفساد أُمَّـة جده رسول الله، فحمل المسؤولية، وبقدر ألمه كان حرصه على إنقاذ الأُمَّــة وإصلاح واقعها، وقد عبرّ عن ذلك بقوله: “والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا ثم أقع إلى الأرض أَو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعةً وأن يصلحَ اللهُ بذلك أمرَ أُمَّـةِ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-“.

 

 

 

بتلك الروحية الإيمانية، انطلق إمامُنا الأعظم زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-، وبدافع المسؤولية ثار وتحَرّك وواجه طغيان الأموي بعزم وثبات رغم الخذلان الذي لاقاه، رغم قلة الناصر سوى فئة قليلة من المؤمنين الصادقين الذين ثبتوا معه في ميدان المعركة، وحينما خفقت الراية على رأسه قال -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- “الحمدُ لله الذي أكمل لي ديني والله ما يسرني أن ألقى جدي محمداً ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنهَ عن منكر، واللهِ ما أبالي إذَا أقمتُ كتابَ الله وسُنةَ نبيه أن تؤججَ لي ناراً ثم أقذف فيها ثم صرت إلى رحمة الله“ هكذا كان الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- يحمل بصيرة الحق ومبادئ الإسلام وهدى ونور القرآن، خاض المعركة، بكل شجاعة واستبسال رغم تخاذل أصحابه رغم قلة العدة والعدد، وبثورته الخالدة، وحركته الجهادية فتح باب الجهاد ورسخ ثقافة الشهادة والاستشهاد وانتصر بدمائه ”سلام الله عليه” لقيَم ومبادئ الإسلام، وأعاد للدين عزتَه ومكانتَه كما أعاد للأُمَّـة كرامتَها المهدورة.

 

 

 

إنَّ كُـلَّ ما حَـلّ ويحلّ بهذه الأُمَّــة من نكبات وويلات وتشرذم وصراعات، وكل ما تعانيه الأُمَّــة اليوم في واقعها من حروب وأزمات، إنما هو نتاج طبيعي لتلك الانحرافات؛ ولأَنَّ الأُمَّــة تخاذلت عن نصرة الحق، الأُمَّــة هي من جنت على نفسها حينما قصرت ولم تؤدِّ مسؤولياتها، عندما فرطت في دينها وقاداتها ورموز هدايتها، وإن من أكبر وأعظم نكبات الأُمَّــة هو عندما تخسر الأُمَّــة عظماؤها، عندما يكون ضحايا الانحراف والتدجين هم رموز الدين، وقادة الحق المهتدين، عندما يكونون هم من يدفعوا ثمن تفريط الناس وتخاذلهم وَتقصيرهم.

 

 

 

إننا في هذا العصر والواقع المؤلم والمأساوي الذي نعيشه اليوم، وقد تلقّى المسلمون الكثير والكثير من الضربات جراء التفريط والتخاذل، كالحَـرَّة، وكناسة وغيرها، حتى ظهرت لنا الصورة الكاملة لواقعنا والذي قد رُسمت صورته بريشة المفرّطين، ونحن نقفُ اليوم في مواجهة كبيرة مع ألدِّ أعداء الأُمَّــة الإسلامية، وهم اليهود والنصارى، المتوجّـهون لقتل الإسلام وطمسّ معالمه، أُولئك الطغاة المستكبرون الساعون لاستعمارِ هذه الأُمَّــة الإسلامية وامتهانِ كرامتها، فهل نحنُ أَيْـضاً سنفرِّط؟!.

مقالات ذات صلة