الانتماء الإيماني ليس كافياً لابد من العمل وتعزيز حالة الخوف من الله

عمران نت/ 08 مايو 2018م

من هدي القرآن الكريم

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التحريم:6] في هذه الآية المباركة يوجه الله ندائه ونذيره لعباده الذين آمنوا، الذين آمنوا أنا وأنت .. كل من ينتمي إلى الإسلام، وكل من يدعي الإيمان، هكذا يخاطبنا الله سبحانه وتعالى:﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾.

وتوجيه هذا الخطاب إلى الذين آمنوا يُدلِّل على أن الانتماء الإيماني ليس كافياً، لا يكفي أن تحسب نفسك على الإسلام وتنتمي إلى الإيمان فيكون ذلك بطاقة حصانة لك تسلم بها من عذاب الله، فأن تقول: أنا مسلم أنا مؤمن، وتختار شيئاً من الدين من شكلياته وظواهره على حسب مزاجك، على حسب ما تهواه نفسك، بقدر ما تنسجم معه، هذا ليس كافياً في أن يحقق لك الأمن يوم الفزع الأكبر، أن يحقق لك النجاة من عذاب الله، أن تكسب به رضوان الله سبحانه وتعالى، لا يكفي.

من واجبنا جميعاً كمؤمنين كمسلمين ننتمي إلى الإسلام ندَّعي الإيمان أن نأخذ بعين الاعتبار هذا النداء الإلهي المهم، هو نداءُ رحمة، وهو نداءٌ فيه الكثير الكثير من رحمة الله، من حكمة الله، من هداية الله؛ لأنه يدفعنا إلى كل ما أرشدنا الله إليه، دائرة واسعة من الأعمال، طريق رسمها الله سبحانه وتعالى نتحرك فيها، منهجٌ نلتزم به، تعليماتٌ نأخذ بها، نتحرك على أساسها.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾تحركوا، التزموا، اعملوا ما يحقق لكم النجاة من عذاب الله، ما يشكل وقاية لكم تدفع عنكم نار الله، فمجرد انتمائكم للإيمان ومجرد احتسابكم أنفسكم في دائرة الإسلام ليس كافياً.

ثم من نفس هذا النذير الذي يوجهه الله لنا كمؤمنين كمسلمين﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ ﴾أنتم المعنيون بذلك، الإنسان هو من يحدد مصيره بنفسه، هذا إليك أنت، أنت من تتخذ قرارك وتحدد مصيرك ومستقبلك، أنت من تتخذ قرارك وتحدد مصيرك أن يكون في قعر جهنم، أنت بما تعمل بتحركك في الحياة بطبيعة موقفك من رسالة الله، من تعليماته، من توجيهاته من تحدد مستوى العذاب الذي تعذب به في نار الله في نار جهنم، فالإنسان هو من يحدد مصيره إما خيراً وإما شراً.

فلذلك يخاطبنا الله وينادينا نداء رحمة أن نقي أنفسنا من ناره، من عذابه؛ لأن هذا بأيدينا، هذا متروك إلينا، ليس هناك من يمكن أن يقوم بهذه المهمة بدلاً عنا، فهو نذيرٌ مهم، نذيرٌ مهم للإنسان، والإنسان المؤمن مؤمن بالآخرة؛ لأن من أساسيات الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالجزاء والحساب، بالجنة والنار، والإيمان هذا له أهميته الكبرى في أن يزرع في نفسك ويرسخ في مشاعرك حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى.

ولهذا تكرر الوعيد في القرآن الكريم والإنذار، والإنذار مهمة أساسية لكتب الله ورسله، تكرر كثيراً في القرآن الكريم الوعيد والإنذار، الإنذار من عذاب الله، من بأس الله، من شدة سطوته، من أليم عذابه، تكرر في القرآن الكريم ليرسخ في أنفسنا حالة الخوف من الله فيكون هذا الخوف من الله سبحانه وتعالى عاملاً مهماً يدفعنا إلى الاستقامة، إلى الطاعة، إلى الالتزام بنهج الله، إلى التمسك بتعليمات الله فيشكل هذا وقايةً لنا من عذاب الله فننجى، ننجوا من عذاب الله، إذاً هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.

التخويف والإنذار في القرآن الكريم في دين الله ليس فزاعة، ليس المراد منه إفجاعُنا، ليس المراد منه أن نمتلئ رعباً وخوفاً وقلقاً ثم نعيش في واقع حياتنا حالة اضطراب وذُل وإرباك .. لا. هذا خوف إيجابي، خوف وأنت تعرف طريق السلام، طريق الأمن، خوف يدفعك إلى السلام إلى الأمن إلى طريق النجاة، خوف يدفعك إلى أن تشكل لك وقاية بما تعمله بما تلتزم به تقيك من الخطر الكبير، الخطر الرهيب، الخسارة الكبرى التي لا تساويها أي خسارة.

إذاً فهو خوف إيجابي يدفعنا للعمل بما فيه نجاتنا، بما فيه مرضاة الله فهو من رحمة الله، من رحمة الله بنا أن أنذرنا أن نبهنا عن الخطر الكبير الذي نسببه لأنفسنا عندما نسير في الطريق الخطأ، في طريق العصيان، في طريق الغي، في طريق الضلال، في طريق الهلاك والشقاء، فمن رحمة الله العظيمة بنا أن أنذرنا؛ ولذلك عندما قال في كتابه:﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران:30]؛ لأن هذا من رحمته من رأفته يحذرنا ويدفعنا إلى طريق الأمان ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾ [النازعات:40-41].

نتيجة أن نخاف من الله سبحانه وتعالى، وأن نرهب عذابه وسطوته نتيجة هذا أن ننهى أنفسنا عن الهوى، أن نلتزم بمنهج الله، أن ننضبط فلا نكون تبعاً لأهواء أنفسنا حتى فيما هو عصيان، فيما هو مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، تكون النتيجة التي نصل إليها هي الأمن الدائم، والسلام الدائم،﴿ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى ﴾.

وحالة الخوف من الله سبحانه وتعالى في الدنيا في هذه الحياة: هي حالة إيمانية، وهي حالة قائمة حتى لدى ملائكة الله، الله قال عنهم في كتابه الكريم: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل:50]، يعيشون حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى، وصف بها أنبيائه؛ بل قال حتى عن نبيه محمد صلوات الله عليه وعلى آله : ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الزمر:13]، أَخَاف ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ﴾ حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى، وحالة قائمة لدى المؤمنين الصادقين، حالة ملازمة للإيمان.

كم وردت فيما يصف الله به عباده المؤمنين المتقين في القرآن الكريم، يذكر شيئاً من أوصافهم ثم يذكر ما يُدلِّل على خوفهم من الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم مؤمنون بالله، مؤمنون بقوته بجبروته بعظيم سطوته بأليم عذابه، مؤمنون بأنه عزيز ذو انتقام يؤاخذ يحاسب، وأن جبروته لا يساويه جبروت، فيقول عنهم:﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾[الرعد:21] يعيشون هذه الحالة.

والخوف بشكل عام: هو عامل مؤثر في نفسية الإنسان، في مواقفه، في توجهاته، هذه حالة معروفة في واقع الناس، الخوف عامل مؤثر ولربما بشكل كبير جداً وربما هو العامل الأبرز في حياة الناس، عامل الخوف، نرى الملايين الملايين يُذعنون للطاغوت، يركعون للطغيان والباطل، يخضعون للظالمين والمجرمين، يسيرون في طريق الباطل التي تقودهم إلى جهنم، ومن أهم العوامل في إذعانهم، في خضوعهم، في استسلامهم للباطل، برغم مساوئه في الحياة وأثره السلبي في واقع الحياة، نجد أن من أهم العوامل هو عامل الخوف، الخوف، ولكن بطريق الخطأ والغلط الكبير جداً لدى الإنسان بجهالته، بسوء معرفته وفهمه يتخذ قراره فيحسب حساباً لأشياء يخاف منها لا تساوي شيئاً ولا تُمثل شيئاً بجانب ما يجب أن يخاف منه.

الله أولى بأن نرهبه، الله أولى بأن نخاف منه، هو الجبار المقتدر القاهر العزيز، هو الذي﴿ إِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾[يونس:107]، مقتدر وجبار وقاهر وبأسه شديد وجبروته عظيم لا يساويه أي جبروت، حكى لنا في واقع الدنيا ورأينا في واقع الدنيا الكثير من بأس الله وجبروته، حكى لنا عن الأمم التي أهلكها ونرى في تصريف الكون، في تصريف أمور الحياة حوادث كثيرة تُدلِّل على عظيم قدرته، على شدة بأسه وجبروته.

إذاً فعامل الخوف هو عاملٌ مهم، وإذا كان الإنسان بعيداً عن الإيمان بالله، غافلاً عما أنذرنا الله به من عذابه وبأسه فإن الإنسان يقع في الكارثة الكبرى، فيخاف من خلق الله، من عبيد صاغرين أذلاء تحت قهر الله سبحانه وتعالى وينسى الخوف من الله سبحانه وتعالى، ويغفل عن الخطر الكبير جداً الذي يجب عليه أن يسعى لأن يقي نفسه منه وهو بأس الله وعذاب الله.

ولذلك لأهمية الخوف من الله سبحانه وتعالى يجب أن يُعزِّز الإنسان في نفسه الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالآخرة، والله حكى عن المؤمنين الحقيقيين المتقين:﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾، بقدر هذا الإيمان، بقدر ما يكون أثره في واقع حياتك في التزامك في طاعتك، وبقدر ما يحقق لك الأمن يوم الفزع الأكبر والسلامة من عذاب الله.

الخوف من الله سبحانه وتعالى من خلال الإيمان بأن هناك عذاب حقيقي هو العذاب الذي حذرنا الله منه، ليس فزاعة، ليس خطراً وهمياً، ليس كلاماً للإرجاف، خطر حقيقي ومصير كبير ينتظر الإنسان، والحديث في القرآن الكريم عن الآخرة، عن بأس الله، عن عذاب الله، عن نار جهنم، عن مشاهد القيامة حديث واسع تكرر في صفحات القرآن الكريم.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.

بعنوان (اليوم الآخر)

القاها بتاريخ: 25رمضان/ 1433هـ.

مقالات ذات صلة