مفهوم الاصطفاء

عمران نت/ 08 مايو 2018م

من هدي القرآن الكريم

من البداية سمعنا بالأمس الآيات السابقة من قول الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران : الآية26) إلى قوله تعالى:{.. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمران : الآيات من 31 ـ 34) .

تقرر هذه الآيات كلها وكثير من أمثالها في القرآن الكريم مما قد سبق ، وبقية السور أعني: هي تؤكد وتقرر قضية: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الحكم والأمر في عباده ، هو الذي خلق الخلق ، هو الذي له ما في السموات وما في الأرض وهو على كل شيء قدير فهو يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فدور الناس أو تنتهي القضية بالنسبة للناس إلى التسليم المطلق لأمر الله سبحانه وتعالى{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} تدَّعون أنكم تحبون الله{فَاْتَّبِعُوْنِيْ} هذا مؤشر وعلامة للتسليم لله سبحانه وتعالى، وليس كل واحد من عنده من هنا ومن هنا فاتبعوني ليحببكم الله .

الله قد جعل علامة التسليم له ومصداقية حبه أن يتبعوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم قال بعد:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (آل عمران : من الآية 32) اتباع طاعة قد يكون الإتباع فيه نوع من الشعور بالقسرية بالكراهية بنوع من الثقل على النفس، لكن يجب أن يكون على هذا النحو: الإتباع لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) اتباع طاعة {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (آل عمران : من الآية 32) هذا الرسول وإن لم يكن منكم، وإن لم يكن من بني إسرائيل ، الله هو الذي له الحكم والأمر في عباده ، يجب أن تسلموا له والقضية لم تخرج عن السنة الإلهية في موضوع الإصطفاء، في موضوع الإصطفاء {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوْحَاً وَآلَ إِبْرَاهِيْمَ..}(آل عمران : من الآية 33)  إلى آخر الآية ، ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هو من آل إبراهيم اصطفاء ذرية بعضها من بعض ، فهذا الرسول الذي أمرتم بطاعته والذي جعلت طاعته علامة لمحبتكم إن كنتم صادقين في دعواكم الحب لله هو نفسه أصطفي واختير ؛ لأن هذه هي سنة إلهية {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوْحَاً وَآلَ إِبْرَاهِيْمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِيْنَ} (آل عمران : الآية 33) فهو اصطفى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليكون رسولاً للعالمين .

هنا لاحظ في مسألة الإصطفاء كيف يأتي بالشكل الذي نحاول دائماً أن نتحدث به لنفهمه جميعاً قضية [الدوائر] اصطفى آدم ونوحاً، اصطفى آل إبراهيم وآل عمران، أليس آل عمران من آل إبراهيم؟ في الداخل؟ آل عمران أسرة عيسى، وسيأتي الحديث بالنسبة لمريم بنت عمران ونذر والدتها، اصطفى آل إبراهيم كدائرة يصطفي من داخلهم أنبياء، ويصطفي من داخلهم ورثة للكتاب لمن يصطفيه على هذا النحو دور، وللدائرة هذه دور هام جداً ودور هذا ودور هذا كله يتوقف على مدى التمسك بالكتاب، ويأتي التأكيد للكل أن يتمسكوا بالكتاب. اصطفاهم لحمل مسئولية: إقامة دين الله، أن يكونوا هم من يحرصون على أن يجسدوا قيم الدين ويمثلوه في سلوكياتهم في واقعهم في مجتمعهم حتى تظهر قيمة هذا الدين أمام الآخرين لينجذبوا إليه وتظهر عظمته في نفس الوقت كشهادة على أنه على أرقى مستوى وأن البشر لا يستطيعون على الإطلاق مهما حاولوا أن يقننوا لأنفسهم أو يضعوا مناهج ثقافية لأنفسهم لا يستطيعون أبداً أن يرتقوا إلى جزء مما يمكن أن يتحقق على طريق الإلتزام بهدى الله سبحانه وتعالى.

وكما نؤكد دائماً بأنه هكذا مسألة الإصطفاء، التفضيل هي كلها مسئوليات ومن اصطُفي سواء اصطفاء شخصي أو اصطفاء على مستوى دائرة معينة تجد الخطاب لهم دائماً أن يتمسكوا بالكتاب، يقول لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} (الزخرف : من الآية 43) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود : من الآية 112) {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (الشورى : من الآية : 15) ويقول للكل:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} (البقرة : من الآية 63) .

تجد هنا على الرغم مما ذكر داخل بني إسرائيل الصفحات السوداء القاتمة فعلاً في تاريخهم تجد كان هناك ـ سواء على مستوى أفراد أو أسر أحياناً قد يكونون قليلاً وأحياناً قد يكونون كثيراً ـ نماذج عالية. في قصة طالوت وجدنا نماذج عالية تلك المجاميع التي بقيت معه الذين يقول المفسرون: بأنهم ربما لا يتجاوزون ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر شخصاً قد كانوا نماذج عالية من داخل بني إسرائيل ، آل عمران أسرة متميزة داخل بني إسرائيل داخل آل إبراهيم هذه لها قيمتها بالنسبة للناحية العقائدية من ناحية الأمل بأنه تلك الدائرة التي اصطفيت كما قال هنا:[آل إبراهيم ] مهما وجدت داخلها من أشياء مهما وجدت لن تعدم داخلها من يكونون هداة كما قال الإمام زيد بن علي (صلوات الله عليه): (( إن في أهل بيتي المخطئ والمصيب إلا أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم )) وهذا يعزز الثقة بالله سبحانه وتعالى ويزيح من ذهنية أي شخص مسألة التصنيفات عندما يقول: [لاحظ كيف فيهم وفيهم وفيهم كيف يمكن يأمرنا باتباعهم] أو أشياء من هذه أليس البعض يقولون هكذا؟ [فيهم وفيهم وفيهم كيف نتبعهم وهم كذا وكذا] هو قال في آية أخرى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} (فاطر : من الآية 32) .

ألسنا نجد هنا في داخل بني إسرائيل شخصيات عالية على مستوى هداة وأتباع على درجة عالية من الإلتزام والمعرفة والحكمة والرؤية؟ لأن ما عرض علينا في قصة طالوت وجنوده تجد فئة متميزة بقوة إيمانها تجد عندها أيضاً رؤية صحيحة فهماً صحيحاً، هذه تعطي الإنسان أملاً بأنه مهما كانت مهما وصلت الحالة ما يزال ذلك الإصطفاء الإلهي قائماً، وكما قال الإمام زيد ((إلا أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم)).

لهذا أُمِرَ الناس فيما يتعلق بأهل البيت بمودتهم فيما تعنيه المودة تعني ميل إلى جانبهم نوع من الميل إلى جانبهم على أساس أنه أنت لديك ميل إلى هذه الدائرة وأنت في نفس الوقت تعرف كيف سنة الله داخل هذه الدائرة وكيف تتعامل مع هذه الدائرة مع دائرة أهل البيت، وهي نفسها القضية التي كان عليها بنوا إسرائيل أي عندما يأتي في هذه الآية بكلمة: [اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم] وكل ما تقدم من أشياء تلك الصور القاتمة جداً أليست من داخل ناس من آل إبراهيم؟ ما يزال الإصطفاء قائماً في تلك المرحلة التاريخية الطويلة ولم يكن مثلاً ما هناك من صفحات سوداء بالشكل الذي يقفل الباب أمام أن يكون من داخلهم هداة وأن يكون داخلهم أسر متميزة وأتباع متميزون وشخصيات متميزة.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس الثالث عشر من دروس رمضان من الصفحة [1 ــ 2]]

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

مقالات ذات صلة