الجاهلية الأولى هي تتشابه إلَى حَــدٍّ كبير مع جاهلية اليوم

عمران نت/ 7 ربيع الاول 1439- 25 نوفمبر 2017م

من هدي القرآن  

الرَّسُــوْلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ بعثه الله والعالَمُ آنذاك في واقع مظلم في جاهليته الأولى التي تتشابه إلَى حَــدٍّ كبير مع جاهلية اليوم، تلك الجاهليةُ التي كان عليها الواقع على مستوى المنطقة العربية وعلى مستوى بقية العالَم بات مُفَرَّغاً من القيم الإنْـسَـانية وَالأَخْلَاقية باتت حالةُ الضلال والتيه التي يعيشها الإنْـسَـان في شتى أرجاء المعمورة آنذاك هي المسيطرة، بات الإنْـسَـانُ يفتقر كُلّ الافتقار إلَى ما يحقّقُ إنْـسَـانيته كإنْـسَـان إلَى ما يستنقذُه من حالة التِّيه والانحطاط والضياع التي يعيشُها في واقع الحياة، بات مفتقِراً ومتعطشاً إلَى القيَم الفطرية التي بها كرامته كإنْـسَـان وتَمَيُّزه كإنْـسَـان وسعادته كإنْـسَـان في هذا الوجود، ولذلك كان الواقعُ العربي أولاً كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى: “وإن كانوا من قبلُ لَفي ضلالٍ مبين”، ذلك الضَـلَالُ المبينُ يتمثل فيما كان عليه العربُ من الاعتماد على الخُرافة وعلى الجهل وعلى الشرك وعلى الكُفر وعلى الوَثَنية وعلى التوحُّش، مظاهرُ ذلك الضَـلَالِ كانت في أن الواقعَ الذي كان يعيشُه العربُ كله واقعُ ضياعٍ لا كيان يجمعُهم، لا هدف، لا مَشروع، لا رسالة، لا قضية، سوى أمة متفرقة متبعثرة متناحرة ليس لها أيُّ مشروع مُهم في هذه الحياة، تعيشُ في واقعها العِداءَ الشديدَ والنهبَ والسلب والتخلُّف والجهل بكل أشكاله، ولذلك كانوا يستندون إلَى الخُرافة عقيدةً، وأي ضَـلَالٍ للإنْـسَـان حينما يجعلُ من الخُرافة عقيدةً، فعبدوا الأصنامَ وأشركوا بها مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى وجعلوا من الأحجار التي كانوا هُم يقومون بنحتها أَوْ بشرائها أَوْ ببيعها جعلوا منها آلهةً مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، اعتقدوا فيها النفعَ وَالضرَّ وتعبّدوا لها وتوجهوا إليها كشريكة، أشركوها مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، كذلك كانوا في واقعهم العام بعيدين عن الواقع الإنْـسَـاني على مستوى فظيع من التوحُّش، لدرجة أن البعضَ منهم لم يكن أبداً ليتحاشى من أن يقومَ بقتل ابنه إذَا وُلد له مولودٌ وهو يعيشُ ظروفاً صعبةً أَوْ فقراً، فيقتُلُ ابنَه خشيةَ الإملاق، إما على ابنه أَوْ من واقعه الذي يعيشه كظرف اقتصادي صعب، كما قال الله ُسُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ)، كذلك قال لهم (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، وهَكذا كان العربي الذي ينظر إلَى واقع الحياة من حوله نظرةً سخيفةً تعتمدُ الخرافة ونظرة زائفة لا تستند إلَى الحقيقة ولا إلَى الوعي، كان متخبطاً في واقع الحياة، بهذه النظرة يتعاطى مع كُلّ ما حوله، ينظر إلَى المرأة نظرة احتقار بالغة، ينظر لها إلَى أنها مجرد سوأة وعار، فكان أحدهم كما حكى القُــرْآن الكريم، (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ)، يقتل ابنته وهي طفلة وهي في منتهى الصغر في مقام يستجلب من الإنْـسَـان ويكسب من الإنْـسَـان عاطفتَه ومحبته، (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ)، يَأكُل الميتة، يتناحر الجميع على أتفه الأسباب وأبسط المسائل، فيقتتلون عشرات السنين، ليس لهم هدف في الحياة ولا مشروع في الحياة، كُلّ واقعهم عبارة عن ضياع بكل ما تعنيه الكلمة، أما الواقع من حولهم فهناك امبراطوريات قائمة ولكنها متوحشة لا روح لها ولا قيم ولا أَخْلَاق ولا عدل تقتتل، واقع عالمي أشبه ما يكون بواقع الغابة، كُلّ اهتمامات الناس منصبَّةٌ إلَى أن يأكُلُ بعضُهم بعضاً وأن يقتل بعضهم بعضاً وأن ينهب بعضهم بعضاً وأن يضطهد القويُّ الضعيفَ وهَكذا كان، لكن عندما أتى الرَّسُــوْلُ مُحَمَّــدٌ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى الله برسالة الله الخاتمة بمبادئها العظيمة غيّرت كُلّ هذا الواقع ابتداءً بالواقع العربي نفسه.

ذلك العربي الجاهل البدوي المتخلف الذي يركَعُ ويسجد للحجر التي نحتها أَوْ اشترها والذي يقتل ابنته ويئدها وهي طفلة والذي لا يعيشُ الرحمةَ في وجدانه ولا كيانه والذي يحمل الخُرافة تجاه واقعه، والواقع من حوله بعيدٌ عن الحقيقة، والذي ليس له هدف ولا مشروع في هذه الحياة.

بفعل الإسْــلَام وبفعل مبادئ الإسْــلَام وبفعل نور الإسْــلَام وبفعل حركة نبي الإسْــلَام تحوَّل إلَى عربي آخر، إلَى عربي راقٍ مؤمنٍ موحّد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى يحمل القيم ويترفَّع عن سفاسف الأمور يحمل رسالة الخير وإرادةَ الخير، ويتَحَـرّكُ لإقامة الحق والعدل. الأُمَّــة المبعثرة المتفرقة المتناحرة المقتتلة المتهالكة على عقال بعير أَوْ على قليل من الغنم أَوْ على قليل من الأَرْض أَوْ أية اعتبارات أُخْــرَى، تحوَّلت إلَى أمة موحدة تجتمع كلمتُها على أشرف رسالة، على أعظم مبدأ على أشرف قيم، على أزكى أَخْلَاق، وتَحَـرّكت بعد صراع مرير، وبعد جهود كبيرة من خلالها تغيَّر هذا الواقع، لم يكن بالشيء السهل ولا بالشيء البسيط الذي تمكّن به الرَّسُــوْلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ من تغيير هذا الواقع، تَحَـرّك يبلّغُ رسالات منذراً ومبشراً وهادياً وصابراً على الناس ومحتسباً في ذلك، بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، بآيات الله البينات حتى غيّر هذه النظرة، هذه الروحية، هذا التفكير السطحي والساذج الذي كان يحكُمُ الإنْـسَـان آنذاك، فكانت حركة النبي صلوات الله وَعَلَـى آلِــهِ متجهةً إلَى هذا الإنْـسَـان الجاهل الغبي المتخلف لتغيير فكره لتغيير نظرته الساذجة لتزكية نفسه لتزكية روحه لتعديل وتقويم سلوكه، بالأخذ بيده نحو معارج الكمال الإنْـسَـاني، فلذلك قال اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى الذي بفضله وبرحمته بالبشرية جمعاء وبرحمته بالبيئة الأولى لهذا الدين بالمنطقة العربية،

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من خطاب السيد القائد / عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف لعام 1437 هـ.

مقالات ذات صلة