ما الذي “يُثير سُخرية” السعودية من التّقارب مع إيران ؟ وما علاقة حزب الله ؟

عمران نت/11 سبتمبر 2017م

يَبدو أن الآمال المَعقودة، على تقاربٍ سُعوديٍّ إيرانيٍّ هذه الأيام، ستصطدم بجدار الخيبات، وسيَبوء التقارب بالفشل، أو أنها ربّما ليست إلا مُجرّد أحلامٍ كان يُمنّي البعض بها نفسه، فها هو الوزير عادل الجبير وزير خارجية العربية السعودية، يصف تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عن التّقارب مع بلاده، بأنها “مُثيرةٌ للسخرية”، بل وأكّد أن الاتصالات مع إيران بخُصوص ترتيبات الحج، دبلوماسية، ولا تُمثّل تطبيعاً، ولا علاقة لها بالسياسة.

الجبير، لم يكتف بتوجيه سهام انتقاداته لإيران وحدها، بل عرّج على “حزب الله”، واتّهم الجمهورية الإسلامية بأنها تُزعزع استقرار المنطقة من خلاله، والهجمات الإرهابية، وهو لا يرى أي جديّة في الحوار مع إيران، والتّعاون الدبلوماسي، التي دعاها إذا كانت ترغب بالتقارب، إلى وَقف الإرهاب والتدخّلات.

أمام هذه التصريحات السعودية، يبدو أن “الدلال” الذي حصده الحُجّاج الإيرانيين، جرّاء الترتيبات السعودية الإيرانية، انتهى مع انتهاء موسم الحج، ولن يترتّب على إثره أي تقارب بين البلدين، وكما قال الجبير بشكلٍ حاسم، لا يُمثّل تطبيعاً، ولا علاقة له بالسياسة، وينسف كل التحليلات التي اعتبرته دلالة، أو بارقة أمل لحل الخلاف بين العدوين اللّدودين السعودي والإيراني.
هذا التّصعيد السعودي، أو بالأحرى عودة الاستمرارية بلغة الهُجوم على لسان وزير خارجيتها، يُوحي بأن سقف الطلبات السعودية من إيران كان عاليّاً، ويبدو أن الإيرانيين اختاروا عدم الاستجابة، على هذا التقارب الذي يعد به الجبير إيران في حال وقف الإرهاب والتدخّلات في المنطقة.

قد يكون عدم تخلّي إيران عن قطر، وانضمامها إلى محور الحلف الرباعي المُقاطع للشقيقة القطرية، واحد من الأسباب التي دفعت الجبير إلى العودة للهجوم، ومُواصلة اتهام إيران بالإرهاب، فأولويات السعودية هذه الأيام، هي إمّا إخضاع قطر، أو تغيير نظامها حتى لو استمر الخلاف معها لعامين آخرين، فلا ضير وفق تصريحات الجبير، وهو ما لم يَحدث أي الإخضاع أو التغيير حتى الآن، بوجود الحليفين التركي والإيراني، ويبدو أن القطريين حالهم أصبح كالسوريين سابقاً حين قيل لهم أنهم وَحدهم من يُقرّرون من يَحكمهم، وهو ما يقوله الجبير اليوم للقَطريين.

“حزب الله”، فيما يَبدو ليس مُؤرّقاً للعدو الإسرائيلي وحده فحسب، بل هو هاجس كل من “يُقاوم” مشاريع المُقاومة في المنطقة، والسعودية “للأسف” واحدة ممّن يسعون لوقف تمدّد المُقاومين، وحديث الجبير الذي يُمثّل سياسة بلاده، واضح في ذلك الشأن، حين اتهم “الحزب” أنه يُزعزع استقرار المنطقة، وهي اتهامات مُشابهة لتلك الإسرائيلية المُتعلّقة بحزب الله.

تصريحات الوزير الجبير بخصوص “حزب الله”، تتماشى مع تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخليجية، ثامر السبهان، حين قال أن على اللبنانيين الاختيار إما مع أو ضد ما وصفه “بحزب الشيطان”، وهذا استمرار في نهج هجومي، لا يصلح مع أجواء تقارب تصالحيّة بين بلاد الحرمين وإيران وأذرعها، فليس من المنطق أن تتقارب السعودية مع الأخيرة، وتُهاجم ذراعها “المُقاوم”، والذي بالتأكيد لن تُعلن تخليها عن دعمه (حزب الله)، كُرمى عيون الجبير ووعوده بالتقارب، ونحن لا نعلم لماذا على اللبنانيين الاختيار بين الكرامة والعز، والذل والهوان، وفق البوصلة السعودية، كما دعاهم الوزير السبهان في تغريدة “تويترية” لاختيار طرف الحزب من عدمه.

نعتقد أن مشوار التقارب السعودي الإيراني، لا يزال طويلاً، إلا في حال كانت تصريحات الجبير، كعادتها تصريحات “ناريّة”، لكنّها تخلو من التطبيق العملي على أرض الواقع، وتأتي حِفظاً لكرامة بلاده من الظهور في مظهر الساعي للمُصالحة مع إيران، بعد أن كان ولي ولي عهدها في حينها الأمير محمد بن سلمان، هَدّد بنَقل المعركة إلى داخلها، وهو اليوم يسعى لكَسب ودّها ومُصالحتها، بعد تيقّنه من فَشل سياسات بلاده، في منع خُضوع دُولٍ عربيّةٍ بأكملها للسياسة الإيرانية، والتي كان يَخشى منها، ويُحذّر منها على الدوام.
السعودية، كانت بالطّبع تُراهن على خلافٍ “دموي” بين الرئيس علي عبدالله صالح، وحَركة أنصار الله “الحوثيين”، ويبدو فيما يبدو أن صالح خيّب أمل حليفة الماضي، وأكّد مُؤخّراً أن لا خلافات بينه وبين الحوثيين، ممّا أضاف بؤساً على بُؤس السعوديين، الذين راهنوا على ذلك الخلاف، للانتصار في “معركة الحزم وعاصفتها” التي فُرضت عليهم بحسب مفهوم الجبير، وتسديد هدف في مرمى الشباك الإيرانية، والتي تمنّوا أي السعوديين أن يصلوا أرضها، وهم يحرزون هدفاً واحداً على الأقل، للإيحاء أو القول أن هذا التقارب الذي نسعى له، مُتكافئ، وفيه من النديّة التي تحفظ ماء الوجه، على الأقل ظاهريّاً.

خِتاماً، زعزعة استقرار المنطقة والتدخّلات، ليست تُهمةً خاصّةً بإيران وأذرعها وحدها كما يقول عادل الجبير، بل هي سياسة اتبعتها السعودية، وكان ما كان من دماء جرّاء تدخلاتها في اليمن حَزماً، وفي سورية دَعماً، وهذه التدخلات بالتأكيد تخلق عدم استقرار في منطقتنا، وإذا كانت السعودية بالفعل مَعنيّةً بالتّقارب مع إيران، وحريصةً على دِماء الشّعوب عليها أيضاً كما دعت الجمهورية الإسلامية، إذا كانت مُهتمّةً بالتّقارب معها، إلى السّعي لتحقيق أسباب هذا التّقارب، وأولها الإبقاء على ما تبقّى من أرواح في اليمن، وعدم إدخال قطر في زوابع اللجوء، والقتل والتشريد، ولها أن ترفع شِعار عَفا الله عمّا مضى، والله يُحاسب في النهاية بعَدله، من ظَلم وتَجبّر، ومن شَرّد وقَهر!

✍خالد الجيوسي

رأي اليوم

مقالات ذات صلة