هل أتاك حديث غزة، ونبأ محرقة أهلها؟!

صفوة الله الأهدل

هل أتاك حديث غزة ونبأ محرقة أهلها؟ هل سمعت صراخ أهلها وأنين جراحها؟ هل شاهدت بكاء أطفالها اليتامى ودموع نسائها الثكالى وقهر رجالها؟ هل وصلك نداء استغاثتهم وآهاتهم قلوبهم المكلومة؟ هل تابعت جرائم الإبادة والتجويع ومجازر القتل والدمار التي تُرتكب بحقهم على يد عدوك وعدهم إسرائيل؟ قد يترآى للبعض أن المصورين والمراسلين والصحفيين والإعلاميين الشاهدين على جرائم إسرائيل في غزة قد لعبوا الدور جيدًا وأكثروا من الفبركة والأكشن، وصنعوا دراما من الخيال، واختلقوا أحداث ووقائع لا وجود لها في الحقيقة؛ حتى لم يصدّقوا كل مايجري هناك ويتحرّكوا لفعل أي شيء لوقف كل هذا؟!

تُرى هل عاد بنا الزمن إلى الوراء حتى نرى أحفاد نبي الله إبراهيم في غزة يُرمى بهم في نار النمروديين؟ أم هل نحن في زمن يوسف حتى رأينا العرب ألقوا بإخوانهم أهل غزة في الجب وغياهب السجن؟ أم هل نحن في عهد موسى حتى يُذبح أطفال غزة ونسائها ورجالها على يد الفراعنة؟ أم هل نحن في عصر أصحاب الأخدود حتى نشهد قصة إحراق غزة على يد إسرائيل؟ أم هل نحن في شِعب أبي طالب حتى تُحاصَر غزة على يد الكفار أمام ناظرينا نحن العرب المسلمين؟! لم أعد أدري في أي زمن نحن بالتحديد؛ فقد اجتمع كل هذا في غزة دفعة واحدة!

عندما نقصُّ على الآخرين قصص الأنبياء والمرسلين ونتلوا عليهم حكايا السماء لانختلق الأحداث، بل نسرد ماجاء في السِير والتاريخ؛ فمثلًا غزوة الأحزاب لم تكن فبركة إعلامية أو قصة من نسج الخيال قدّمها لنا بعض المؤرّخين حتى يُكذّب البعض بأنها قد عادت من جديد في هذا الزمن بالتحديد؛ فلقد رأينا اليوم جميعنا كيف اجتمع رؤوس الكفر من_ قريش واليهود_ واحتشدوا لقتال عباد الله المسلمين المستضعفين في خندق غزة؛ يريدوا بذلك إبادة أهلها وطمس الإسلام من تلك الأرض المقدسة أمام مرئ ومسمع من العرب والمسلمين.

إن الأمر مخيف جدًا؛ فكيف لأمة الإسلام أن ترى احتشاد العدو وكثرته وشدة مكره وخداعه وقتله وفتكه ضد إخوانها في غزة طيلة عام ونصف ولا تحرّك ساكن؟ كيف لها أن تسكت عن جرائم الإبادة والتجويع والقتل والدمار الذي يحصل هناك وتكتفي بالمشاهدة؟ أمة الملياري مسلم لازالت إلى هذه اللحظة تزعم بأن لها صلة بهذا الدين وتدّعي الإسلام بينما هي لم تُقدم على فعل أي شيء لدفع الشر والفساد والعدوان والبغي عن فئة من المسلمين في غزة ينتمون إليها وقد اجتمع أئمة الكفر لقتالهم، بل كيف لهذه الأمة أن تخدع نفسها بأنها متمسكة بنبيها وتتبع سيرته وقد بعدت عنه كل البعد حين شاركت القاتل بارتكاب جريمته وكانت له عونًا وللمقتول المظلوم خصما!

أهل غزة لم ينتظروا المولد النبوي الشريف ليخبروا صاحبه_ عليه وعلى آله أزكى الصلوات وأتم التسليم_ بما فعلته بهم أمته؛ فلقد بثوا شكواهم إليه سابقًا حين كفّنوا فلذات أكبادهم أحفادهم وأولادهم وأوصوهم قبل أن يوارهم الثرى ويدفنوهم تحت التراب بأن يبلّغوه أن أمته قد خذلتهم ولم تنصرهم واكتفت بالتفرج عليهم ومايحصل لهم على يد أعدائه _اليهود الصهاينة_ من قتل وإبادة وتجويع وعدوان وحصار، ليس هذا وحسب بل واخبروه أيضًا بأن هناك من أمته من تعمّد المشاركة في ارتكاب هذه السلسلة من الجرائم بحقهم وساهم في دعم إسرائيل ضدهم، أما أبو عبيدة فقد رفع الملف إلى محكمة العدل الإلهية وأشهد الله عليها وقال لأبنائها العرب: أنتم خصومنا أمام الله عز وجل، أنتم خصوم كل طفل يتيم وكل ثكلى وكل نازح ومشرّد ومكلوم وجريح ومجوّع، وحمّل رقابهم دماء عشرات آلالاف من الأبرياء التي سُفكت ظلمًا وعدوانًا.

مقالات ذات صلة