ما بعد تصريح ابن سلمان بواشنطن: تطبيع سعوديّ إسرائيلي يقتربُ من الإطار العلني

 تقرير

تدخُلُ العلاقاتُ السعوديّةُ الإسرائيلية منعطفًا غيرَ مسبوق، بعد تصريحات ولي العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان في واشنطن التي أعلن فيها بوضوحٍ رغبةَ بلادِه في أن تكون جزءًا مما يسمى إسرائيليًّا وأمريكيًّا بـ (اتّفاقيات إبراهيم)، ويأتي هذا الموقفُ في لحظة سياسية حسَّاسة إقليميًّا ودوليًّا؛ ما جعله يُقرأ على نطاق واسع؛ باعتبَاره أقربَ تصريح سعوديّ مباشر وصريح باقتراب التطبيع العلني منذ الإنشاء البريطاني للكَيانَينِ في المنطقة.

ومع طرحِه مبرّرًا مخفَّفًا يقتصرُ على مُجَـرّد “طريق آمن نحو حَـلّ الدولتين” وليس “إقامة دولة فلسطينية” كشرط عتيق للسعوديّة.. أدلى ابن سلمان خلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، بتصريحاتٍ وُصفت إسرائيليًّا بـ”اللافتة”، حين أعلن: “نريد أن نكونَ جزءًا من اتّفاقيات إبراهيم، لكننا نريد أَيْـضًا التأكّـد من أن الطريق الآمن إلى حَـلّ الدولتين يتم”، ويُعد هذا التحوُّلُ خروجًا عن الخِطاب السعوديّ التقليدي الذي كان يشترط “إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة”، ليطرح بدلًا عنه صيغةً جديدةً أخفَّ تتعَّلق بمُجَـرّد “طريق آمن نحو حَـلّ الدولتين”؛ ما اعتبره محللون خطوة تمهيدية باتّجاه قبول صيغة أقل صرامة ويشي بتوجّـه نحو التطبيع الصريح دونما اشتراط يخالفُ ما يرغب به الاحتلال من سعي حثيث نحو إقامة مشروع (إسرائيل الكُبرى) والهيمنة على كامل المنطقة.

وردّ ترامب على تصريحات ابن سلمان بتأكيد ثقتِه بأن للسعوديّة “نوايا حسنة تجاه اتّفاقيات إبراهيم”، فيما أكّـد وليُّ العهد مجدّدًا: “نريدُ السلام للإسرائيليين، وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق ذلك”.

وعلى الرغم من أهميّة التصريح، سارعت وسائلُ الإعلام السعوديّة، بما فيها “العربية” و”الحدث”، إلى حذف الخبر من نشراتها وبرامجها، حتى شريط أخبارها المتحرّك، في مؤشر على حساسية المِلف داخليًّا.

وفي كَيان الاحتلال، حظيت تصريحاتُ ولي العهد بتغطية مكثّـفة، وتوقّف المحلّل العسكري والسياسي عاموس هارئيل عند التحديات الداخلية التي قد تواجه ابن سلمان، مُشيرًا إلى أن الرأي العام السعوديّ يبدي تحفظًا شديدًا تجاه الاحتلال في ضوء أفعاله خلال العدوان على غزة، معتبرًا أن ولي العهد سيضطر لاتِّخاذ قرار فاصل بالمضي نحو التطبيع رغم النقد الداخلي والعربي والإسلامي.

في السياق ذاته، كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن إدارة ترامب لم تكن تعتزم تلبية طلبات السعوديّة كاملة فيما يخص صفقة مقاتلات F-35، رغم موافقتها المبدئية، موضحة أن واشنطن خطّطت لتزويد الرياض بنسخ محدودة القدرات، مقارنة بتلك التي حصل عليها كَيان الاحتلال.

وظهر هذا المعطى بوضوح في تصريحات رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي أكّـد أن الولايات المتحدة منحت “تل أبيب” ضمانات صارمة للحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، حتى بعد بحث صفقة الطائرات مع السعوديّة.

نتنياهو أشَارَ إلى أن حكومته لم تُستشر منذ البداية، لكنها تلقت لاحقًا تطمينات مباشرة من وزير الخارجية ماركو روبيو، مُضيفًا أن ابن سلمان لم يحصل على جميع مطالبه خلال جولته التفاوضية في البيت الأبيض، وهو ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست”، وترى دوائر “إسرائيلية” أن هذه التطمينات تعزز مكانة الاحتلال الاستراتيجية، وتمنع أي اختلال محتمَل ناتج عن صفقات تسليح مع دول عربية.

تُظهر هذه التطورات أن مسار التطبيع لم يعد احتمالا بعيدًا، بل بات على مسافة تفاوض سياسي، خُصُوصًا أن التصريحاتِ العلنية لولي العهد لم تعد تكتفي بالحديث عن “شروط”، بل تتجه نحو صياغةٍ أرضية مشتركة مع واشنطن لتقديم نموذج تطبيع جديد يختلف عن تجربة الإمارات والبحرين.. ومع ذلك، لا يزال المِلَفُّ محاطًا بالحساسية داخليًّا في السعوديّة، وسط إدراك سعوديّ بأن أية خطوة رسمية يجب أن توازن بين المكاسب الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وبين ردود الفعل الشعبيّة والإقليمية في ظل توقعات بنكث الاحتلال اتّفاق غزة وعودته إلى جرائم الإبادة والتطهير العِرقي والتهجير القسري.

وبناء على ما تكشفه التقاريرُ الإسرائيلية والأمريكية، فَــإنَّ الطريقَ نحو التطبيع أصبح أقربَ من أي وقت مضى، لكن لا يزال رهينًا بتفاهمات أمنية وسياسية مع واشنطن، وقدرة الرياض على ضبط انعكاساته داخليًّا، وتوقيت الإعلان عنه بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية، خُصُوصًا في المِلف الفلسطيني.

نقلاً عن موقع متابعات

مقالات ذات صلة