
رحلة علاج تحوّلت إلى مأساة وطنية
د. نبيل عبدالله القدمي
في صباحٍ يمزج الأسى بالغضب، تحوّلت رحلة علاجية للكابتن الطيار محمد عباس المتوكل إلى مأساة توضح معاناة اليمنيين كافة. صعد الرجل، الذي أفنى عمره في خدمة الطيران الوطني، إلى طائرة اليمنية متجهة إلى القاهرة برفقة زوجته وابنه، ليُقتاد قبل الإقلاع بدقائق إلى خارج الطائرة ويُحتجز في مطار عدن، بذرائع ترتبط باسمه ولقبه وانتمائه الأسري الهاشمي.
هذا المشهد، الذي شاهده أفراد أسرته، يكشف عن أبعاد إنسانية وقانونية وسياسية تتطلب وقفة وطنية ومساءلة عاجلة.
من يقرأ تفاصيل الواقعة يرى أنها أكثر من قضية شخصية؛ فاحتجاز المتوكل لمجرد انتمائه الأسري يتجاوز فردنة الحدث ليدخل في إطار تمييز مناطقي وطائفي مرفوض. إذ لم تقتصر المعاناة على هذا الحادث بحد ذاته، بل تمثل حلقة في سلسلة طويلة من الشكاوى التي يرويها يمنيون اضطروا للسفر عبر منافذ بديلة بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي، المنافذ التي تحوّلت لبعض المسافرين إلى فخ للابتزاز ومصيدة للاحتجاز.
ابن الكابتن، الذي نشر سرداً مؤثراً عن الحادث على صفحته في مواقع التواصل، وصف حاله حين شاهد والده يُنزع من مقعده قبل إقلاع الطائرة بدقائق، معبّراً عن شعوره بالعجز والصدمة. كلمات الابن لم تكن مجرد شكوى فردية، بل صرخة تعكس قلق آلاف الأسر التي فقدت حريتها في التنقّل بسبب سياسات الإغلاق والتفتيش الانتقائي.
إن استمرار إغلاق مطار صنعاء ليس أمراً فنياً محضاً؛ بل يتحوّل إلى آلية قسرية تُفاقم من معاناة المرضى والطلاب وأصحاب الحالات الإنسانية. فالمرضى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل في الخارج يضطرون لسلوك طرق عرضة للخطر، ويُجبرون على التعامل مع جهات مسيطرة لا تُراعي أبسط معايير الحماية والإنسانية أو الضمان القانوني. وفي هذا السياق، تبرز أسئلة مؤلمة حول مسؤولية الجهات التي تُسيطر على النقاط الحدودية والمطارات، ودور المجتمع الدولي والجهات الحقوقية في الضغط لفتح المنافذ وإيقاف ممارسات التمييز.
قضية المتوكل تُلقي ضوءاً أيضاً على عدم وجود نظام وقانون في مناطق سيطرة العدو الإماراتي والسعودي، وأن من يحكم تلك المناطق هي مليشيات لا تعمل بأي معايير قانونية أو إنسانية أو وطنية، هي فقط تنفذ أجندات ومخططات خارجية لتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني. وهناك حالات مشابهة لحالة المتوكل بالمئات والآلاف، واستمرار هذا النهج عطّل ثقة المواطنين في الأمان على حياتهم أثناء رحلات السفر.
من هنا، يصبح مطلب الإفراج الفوري عن الكابتن المتوكل ومحاسبة مرتزقة العدوان على هذا الانتهاك مطلباً لا يقتصر على أسرته وحدها، بل على كل يمني يؤمن بحقوق الإنسان وكرامة الإنسان اليمني.
لا يمكن فصل هذا الحدث عن الصورة الأكبر: مئات وربما آلاف الحوادث المماثلة التي أبلغ عنها مواطنون عن اختطاف واحتجاز ومضايقات تمت على طرق السفر والمطارات، استناداً إلى ألقاب أو انتماءات قبلية أو مناطقية. هذه الممارسات تقوّض أساس الوحدة الوطنية وتغذي مناخات الفتنة والتمييز، في وقت يحتاج فيه اليمن إلى ترميم نسيجه الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى.
من الناحية الإنسانية، لا يكفي أن نستنكر؛ بل يجب اتخاذ خطوات عملية: فتح تحقيق مستقل وشفاف، الإفراج الفوري غير المشروط عن المحتجزين ظلماً، إنصاف المتضررين، وكشف الجهات المسؤولة عن هذه السياسات ومحاسبتها. وعلى المستوى الوطني، تبني آليات تضامن قبلي ونكف مسلح، وعلى منظمات المجتمع المدني القيام بدورها لحماية المسافرين ورفع صوتهم عبر حملات توثيق ومتابعة قضائية داخلية ودولية.
كما أن إعادة فتح مطار صنعاء الدولي ليست مطلباً فحسب، بل ضرورة إنسانية وقانونية تلزم الجهات الدولية والفصائل المتحكمة باتخاذ خطوات فورية لتسهيل وصول المرضى والطلاب والمواطنين دون تعريضهم للمخاطر أو التمييز. إن الحقوق الإنسانية لا تُقفل ولا تُعادَل بمساومات سياسية.
اليوم، يقف الكابتن محمد عباس المتوكل رمزاً لحكايات كثيرة تُروى بصمت؛ حكايات رجال ونساء سُلب منهم حق التنقّل، وحكايات أسرٍ لم تعد تأمن على أبنائها في مسارات العلاج أو التعليم. والقضية ليست فقط قضية شخصية، بل امتحانٌ لضمير وطنٍ يطالب بحماية مواطنيه، وقضية أخلاقية وإنسانية يجب أن تستنهض القبائل والمشايخ والقيادات الاجتماعية إلى موقفٍ واضح يحمي الكرامة والحق.
وما حصل في قضية الشيخ الزايدي قبل أشهر خير شاهد، لم تفرج عنه أدوات العدوان إلا بعد أن احتشد رجال القبائل اليمنية للنَّكف القبلي، فمرتزقة العدوان لا تفهم إلا لغة القوة.
وختاماً، يجب أن يكون للقبيلة اليمنية موقف واضح في كل محافظات الجمهورية، وعمل وثيقة شرف قبلية تأمن المسافر في طريقه في كل أنحاء الجمهورية اليمنية.