«طوفان الأقصى» بعد عامين.. زلزال القرن الذي حطّم أسطورة العدو وأسّس لمرحلة جديدة في وعي الأمة

تقرير

لم يكن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يومًا عاديًا في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، بل كان يوماً مفصليًا قلب موازين القوة وأسقط الغطرسة الصهيونية من عليائها.
ففي فجر ذلك اليوم، انطلقت عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها كتائب القسام وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية، لتفاجئ العدوّ في عمق مواقعه العسكرية وتزلزل منظومته الأمنية التي طالما تباهى بها.
ومن غزة المحاصرة خرج البرق، ليصعق كيان العدو ويكشف للعالم أن الإيمان والإرادة أقوى من كل ترسانة السلاح والدعم الأمريكي والغربي.


العملية التي كسرت “الوصاية الصهيونية” على وعي الأمة

في لحظة واحدة، تبدّد الوهم الذي جرى تسويقه لعقود بأنّ العدوّ الصهيوني لديه “جيش لا يُقهر”، وسقطت معه هيبة الردع الصهيونية التي كانت الأساس لهيمنة أمريكا في المنطقة.
لقد كانت عملية طوفان الأقصى أكثر من عملية عسكرية، كانت إعلان تحوّل استراتيجي في ميزان الردع، وإعادة صياغة لمعادلة الوعي العربي والإسلامي، بعدما استطاع المقاوم الفلسطيني المحاصر ضرب عمق الكيان المحصَّن.

تلك اللحظة التاريخية لم تهزّ فقط كيان العدوّ، بل أعادت الاعتبار إلى خيار المقاومة كنهجٍ وحيد للتحرر، وفضحت الأنظمة المتواطئة التي راهنت على التطبيع والتبعية لواشنطن.


خلفيات الغضب: من اقتحام الأقصى إلى حصار غزة

جاءت عملية طوفان الأقصى تتويجًا لتراكم طويل من الجرائم الصهيونية المتصاعدة: من الاعتداءات الممنهجة على المسجد الأقصى، واقتحامات المستوطنين لباحاته بحماية من قوات العدو الصهيوني، إلى حملات التهويد والقتل في الضفة الغربية، وإلى الحصار الخانق المفروض على غزة منذ عام 2006، ومنع الغذاء والدواء والكهرباء عن أكثر من مليوني إنسان.

لقد أراد العدوّ من خلال سياسته الممنهجة إذلال الفلسطيني وكسر إرادته، لكنّ الطوفان جاء ليقول كلمته: إنّ الشعوب التي تُحاصر في لقمة عيشها لا تموت، بل تشتعل نارًا في وجه الطغاة.


زلزال عسكري واستخباراتي غير مسبوق

في الساعات الأولى من العملية، اخترق مئات المقاومين الفلسطينيين جدار الفصل المحصّن الذي بناه كيان العدو على مدى 17 عامًا، واخترقوه في أكثر من 20 موضعًا، ليسيطروا على عشرات المواقع العسكرية والمستوطنات داخل ما يسمى “غلاف غزة”.
تقدمت وحدات الكوماندوز الفلسطينية، فأسقطت القواعد العسكرية، وأسرت أكثر من 130 جنديًا وضابطًا، وقتلت ما يزيد على 1200 صهيونيا في أكبر هزيمة أمنية وعسكرية مني بها العدو منذ قيام الكيان.

لقد انهارت المنظومة الأمنية والاستخباراتية التي كانت تفاخر بها “تل أبيب” أمام العالم، وتكشّف فشلها الذريع في التنبؤ بالهجوم أو حتى التعامل مع تداعياته الأولى.
فما يسمى بجهاز “الشاباك” والاستخبارات العسكرية “أمان” وقيادة الأركان عجزت جميعها عن التقاط أيّ إشارة مسبقة، رغم أنّ غزة كانت تحت أعين الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة والمجسات الحرارية على مدار الساعة.

وهكذا انكشفت العدو الإسرائيلي أمام نفسه أولاً، وأمام العالم ثانيًا، ككيان هشّ يقوم على الوهم والتضليل أكثر من القوة الحقيقية.


انهيار الردع وتفكك الأسطورة

لم يكن فشل العدوّ في منع الهجوم فقط، بل في عجزه عن استعادة المواقع التي سيطر عليها المقاومون طوال أكثر من يومين، في ظل استغاثات المستوطنين الذين حوصِروا دون حماية.
تحوّل مشهد الصهاينة الهاربين من مستوطناتهم إلى رمزية عميقة، جسّدت سقوط الثقة الشعبية بجيشهم وحكومتهم، وتحوّل ما يسمى “غلاف غزة” من منطقة أمنية إلى منطقة رعبٍ دائم.

حتى الحفل الترفيهي الذي أقيم بالقرب من قاعدة عسكرية – وحصل منظموه على جميع التصاريح الأمنية – لم يَسْلَم من الاختراق، إذ استطاعت المقاومة أن تصل إليه وتكبّد العدوّ خسائر فادحة في صفوف المدنيين والعسكريين على حد سواء.
كان ذلك دليلًا قاطعًا على أن الكيان لم يعد آمنًا حتى في عمقه، وأنّ منظومة أمنه التي أنفقت عليها المليارات لم تصمد أمام إرادة الإيمان والمباغتة.


القيادة الصهيونية في مأزقٍ وجودي

تلقى المجرم بنيامين نتنياهو ضربةً سياسية قاصمة، إذ لم يواجه فقط هجومًا عسكريًا كاسحًا، بل أكبر أزمة ثقة في تاريخ الكيان.
فقد تحوّل المجتمع الصهيوني إلى كتلة غضبٍ وانقسام، تصاعدت فيها المطالبات بإقالة الحكومة، وتشكيل “حكومة طوارئ”، بعد انكشاف عمق الفشل الأمني والعسكري.
لكن حتى هذه الحكومة الجديدة لم تغيّر في المعادلة شيئًا، بل وجدت نفسها أمام خياراتٍ مستحيلة:
فإما اقتحام غزة وخوض حرب استنزاف طويلة مكلّفة، أو الاكتفاء بالقصف الجوي، وهو ما يعني فشلًا استراتيجيًا آخر أمام المقاومة.

ولذلك، لجأت القيادة الصهيونية إلى الانتقام الوحشي عبر المجازر والقصف العشوائي، محاولةً ترميم هيبتها المتهالكة على حساب دماء الأبرياء، بينما تحوّل شعار “استعادة الردع” إلى ستارٍ لجرائم إبادة جماعية لم يسبق لها مثيل.


الرهان على الدم.. وفشل المعادلة الإجرامية

ظنّ العدوّ الصهيوني أنّه بقصفه لغزة سيُركع المقاومة ويكسر إرادة الشعب، لكنه وجد نفسه في مواجهة شعبٍ لا يُهزم، ومقاومةٍ أكثر تنظيمًا وصلابةً مما توقّع.
لم تفلح آلة الحرب الأمريكية–الصهيونية في تحقيق أهدافها رغم التدمير الشامل والحصار، لأنّ المعركة تجاوزت حدود الجغرافيا، وأصبحت معركة وعيٍ وهويةٍ وكرامة.

كلما اشتدّ القصف، ازدادت المقاومة بأسًا، وكلما ارتكبت “إسرائيل” مجزرةً جديدة، ارتفعت الأصوات الحرة في العالم تندّد بجرائمها وتُدين حُماتها في واشنطن ولندن وباريس.
لقد خسر العدوّ المعركة الأخلاقية والإعلامية، تمامًا كما خسرها ميدانيًا في اليوم الأول للطوفان.


الأسْرى.. عقدة الحرب وإذلال العدوّ

من أبرز نتائج العملية أنّ المقاومة استطاعت أسر أكثر من 130 إسرائيليًا، من بينهم ضباط وجنود كبار، وهو أكبر عددٍ في تاريخ الصراع.
تحوّل هذا الملف إلى كابوس سياسي وأخلاقي للكيان، إذ لم يعد قادراً على شنّ عملية برية واسعة دون المخاطرة بمقتل الأسرى، في حين يرفض نتنياهو عقد صفقة تبادل خشية انهيار ائتلافه السياسي.
هكذا وجدت الكيان الصهيوني نفسها أسيراً في ميدان السياسة كما هو في الميدان العسكري، بينما تحوّل الأسرى الفلسطينيون في سجونه إلى عنوانٍ جديدٍ للصمود والكرامة.


من غزة إلى الأمة.. طوفان الأقصى يعيد رسم الوعي العربي والإسلامي

لم تكن طوفان الأقصى حدثًا فلسطينيًا فحسب، بل محطة فاصلة في وعي الأمة ومحور المقاومة.
لقد فتحت العملية الباب واسعًا أمام توحيد جبهات المواجهة من غزة إلى لبنان واليمن والعراق وإيران، وأثبتت أن المقاومة اليوم ليست معزولة، بل جبهة واحدة تمتد من البحر إلى البحر.
وإذا كانت أمريكا قد هرعت لحماية كيانها المصطنع، فإنّ الشعوب الحرة من صنعاء إلى طهران وبيروت هرعت أيضًا لتؤكد موقفها بأن فلسطين ليست وحدها.


عامان على الطوفان.. والمستقبل للمقاومة

بعد مرور عامين على الطوفان، لا تزال تداعياته تضرب الكيان من الداخل: أزمات سياسية، تفكك مجتمعي، هجرة عكسية، تصدّع في الجيش، وانهيار الثقة بالقيادة.
أما المقاومة، فرغم الحصار والدمار، ازدادت قوة وتنظيمًا، وتحولت إلى مرجعية إلهامٍ لكل الشعوب الحرة.

لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى أن إرادة الشعوب أقوى من جيوش الاستكبار، وأنّ من يعتمد على الله لا يُهزم، مهما تكالبت عليه قوى الشر.
ومن غزة التي تنزف، ومن صنعاء التي تهتف، تتكرّس اليوم معادلة جديدة: القدس أقرب.. والمقاومة باقية حتى زوال الكيان.

مقالات ذات صلة