
21 سبتمبر.. اليوم الذي هزّ عروش الطغاة وأيقظ يمن الأحرار
تقرير
في تاريخ الأمم لحظات فارقة تغيّر مسارها، وتكتب فصولها بدماء أحرارها وصمود شعوبها.. ويوم 21 سبتمبر 2014 لم يكن يوماً عادياً في سجل اليمن، بل كان لحظة الانبعاث من تحت ركام التبعية والوصاية، وبداية مسار جديد أعاد للشعب كرامته، وللوطن سيادته، وللقرار السياسي استقلاله.
إنها الثورة التي كسرت قيود الإملاءات الأجنبية، وصنعت منعطفاً تاريخياً نادراً في زمن ساد فيه الانكسار والانبطاح.
ثورة على الوصاية والإفقار
انطلقت شرارة ثورة 21 سبتمبر من عمق معاناة الشعب، حين حاولت السلطة المرتهنة تحميل المواطن تبعات فسادها برفع الدعم عن المشتقات النفطية.. لكن رفض “الجرعة” لم يكن مجرد احتجاج على ارتفاع الأسعار، بل كان دفاعاً عن حق اليمني في الحياة الكريمة، ورفضاً لسياسات التجويع التي أراد الخارج فرضها أداة للتركيع.
وسرعان ما تحولت الهبّة الشعبية إلى مشروع وطني شامل يطالب بإسقاط الحكومة التابعة للخارج، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والبدء ببناء دولة مدنية عادلة وسيّدة.
يمن ما قبل الثورة.. دولة محبوسة وفوضى محسوبة
قبل 2014 كان اليمن غارقاً في انهيار شامل: أمن مفكك، اقتصاد منهوب، وقرار سياسي مرتهن للسفارات.. وصفت الأمم المتحدة اليمن بأنه “قنبلة موقوتة”، وصنفته المؤسسات الدولية كأفشل دولة في العالم.
عشرات الآلاف من الاغتيالات والتفجيرات جعلت الشوارع ساحات موت يومي، فيما كانت الجماعات التكفيرية تعيث فساداً برعاية السلطة.. أما مبادرة الخليج فقد أعادت إنتاج النظام القديم، وفتحت أبواب الوصاية الأمريكية والسعودية، بل مهدت لمشروع تقسيم اليمن تحت مسمى “الأقاليم”.
في هذا المشهد الأسود بزغ فجر 21 سبتمبر كثورة سيادة شعبية، لا استنساخاً لسيناريوهات الخارج، بل رفضاً لها جملة وتفصيلاً.
ثورة قرآنية أصيلة
خصوصية ثورة 21 سبتمبر أنها لم تكن ثورة حزب أو نخبة أو طبقة، بل ثورة شعب بأكمله، مستندة إلى مرجعية قرآنية واضحة يقودها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
كانت ثورة قيمية بقدر ما هي سياسية، جمعت بين الفلاح والعامل، الجندي والمدني، الرجل والمرأة، فشكّلت لوحة مكتملة للشعب اليمني الموحد خلف مشروع حضاري شامل: “يد تبني ويد تحمي”.
ثورت جاءت لتؤسس لدولة قوية سياسياً، منيعة عسكرياً، مستقلة اقتصادياً، ومنفتحة على قضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين.
إنجازات في قلب العدوان
لم تمضِ أشهر على انتصار الثورة حتى شُنّ عليها أعتى عدوان عالمي بقيادة أمريكا والسعودية والإمارات وبدعم صهيوني مباشر.. أرادوا وأدها في مهدها، لكن العدوان كشف أصالتها وزادها رسوخاً.
وفي لحظة كانت فيها الفوضى هي العنوان، حققت الثورة معادلة الأمن والاستقرار؛ انخفضت معدلات الجريمة بنسبة تفوق 80%، وانتهت الاغتيالات التي كانت شبه يومية، وبدأت مؤسسات الدولة تُبنى من جديد بروح وطنية خالصة.
وعلى المستوى العسكري تطورت القدرات اليمنية بشكل غير مسبوق، من الصواريخ والمسيّرات إلى الأسلحة البحرية الاستراتيجية، حتى غدت اليمن رقماً صعباً في معادلة الردع الإقليمي، ومصدراً لإقلاق الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
ثورة أرعبت المستكبرين وأبهجت المستضعفين
بعكس ما يروج له الخصوم فالواقع يضعنا أمام حقائق الميدان: ثورة 21 سبتمبر أوقفت انهيار الدولة، وأعادت للشعب شعوره بالكرامة، وجعلت اليمن رقماً مستقلاً عن الإملاءات الإقليمية والدولية.
إن أعظم شهادة على نجاحها أنها أقلقت واشنطن و”تل أبيب” والرياض وأبوظبي، وأسعدت المستضعفين من فلسطين إلى إيران ولبنان وكل محور المقاومة.. فالثورة لم تحصر نفسها في حدود القطر اليمني، بل حملت هموم الأمة وجعلت فلسطين في قلب أولوياتها.
ثورة لا تأكل أبناءها
على خلاف كثير من الثورات التي مزقتها الصراعات الداخلية، تميّزت ثورة 21 سبتمبر بنقائها الداخلي وحصانتها من الاختراق.
فتحت باب العفو والتسامح، ورفضت الانزلاق إلى التصفيات الدموية، وبنت لنفسها حصانة ذاتية جعلتها عصيّة على التفكك. وهذا ما مكّنها من الاستمرار والصمود طوال عقدٍ من الحروب والحصار والمؤامرات.
نحو مشروع حضاري واعد
اليوم وبعد أحد عشر عاماً، تتجلى ثمار الثورة بوضوح: يمن يمتلك قراراً مستقلاً، جيشاً وطنياً قوياً، جبهة داخلية متماسكة، واقتصاداً يعيد بناء نفسه رغم الحصار.. والأهم، شعب تحرر وعيه من قيود الوصاية والاستسلام.
ثورة 21 سبتمبر لم تعد مجرد محطة في التاريخ اليمني، بل صارت مشروعاً حضارياً يخطّ معالم مستقبل الأمة، ويثبت أن اليمن قادر على أن يكون منارة حرية، ورمزاً للعزة، وقلباً نابضاً في معركة الأمة الكبرى ضد قوى الاستكبار.
إنها ثورة ستبقى عصية على الانكسار، لأنها ببساطة ثورة الله مع المستضعفين، وثورة شعب أبى إلا أن يكون سيداً حراً كريماً.
نقلاً عن موقع 21 سبتمبر