
أطفال غزة.. معركة الحياة وسط الحرب والمجاعة
على أرضية باردة في زاوية مركز إيواء بمدينة غزة، يجلس آدم ذو الأعوام العشرة، متكئًا على الحائط، ممسكًا بذراعه حيث وخز الإبرة ترك أثرًا أحمر صغيرًا.
يهمس وكأنه يخشى أن يسمعه الألم نفسه: “كنت أأخذ الإنسولين في بيتي، وأمي تحضر لي الطعام المناسب، لكن الآن… لا يوجد بيت، ولا طعام، وأحيانًا أشعر بدوخة وأخاف أن أنام ولا أستيقظ”.
كان والد آدم صيادًا قبل أن تبتلع الحرب قاربه ورزقه. اليوم، يواجه معركة أكبر من الجوع والفقر: الحفاظ على حياة طفله. “حتى لو وجدنا الإنسولين، لا نستطيع حفظه. الكهرباء مقطوعة، والأدوية أسعارها نار، وابني يحتاج غذاءً خاصًا… نحن بالكاد نجد الخبز”، يقول لوكالة “سند” وعيناه تراقبان آدم بقلق دائم.
في الجهة الأخرى من المدينة، تتشبث الطفلة سارة (9 أعوام) بيد والدتها، وهي تحاول أن ترسم ابتسامة باهتة: “أحب اللعب مع صديقاتي، لكن جسمي ضعيف ودايمًا تعبان. أحيانًا أطلب من أمي تفاحة، فتقول لا يوجد”.
والدتها، التي تخشى انهيار ابنتها في أي لحظة، تقول بصوت يرتجف: “السكري عند الأطفال يحتاج رعاية دقيقة… والآن لا طعام مناسب، ولا دواء، ولا حتى ماء نظيف”.
في مستشفى محاصر بالأزمات، تصف الممرضة ميسرة محمد ، المشهد الطبي بـ”القاتم”:
” الإنسولين يجب حفظه في درجة حرارة منخفضة، وهذا شبه مستحيل في ظل انقطاع الكهرباء. الحرب تسببت في مجاعة، والنظام الغذائي الصحي أصبح حلمًا. إذا لم تدخل الأدوية فورًا، سنشهد وفيات لا يمكن حصرها”.
لكن القصة لا تنتهي عند آدم وسارة. وزارة الصحة في غزة تكشف أرقامًا صادمة: 47% من الأدوية الأساسية مفقودة تمامًا، و65% من المستهلكات الطبية غير متوفرة، وأكثر من نصف أدوية الرعاية الأولية لمرضى السكري والضغط والقلب والفشل الكلوي اختفت من الرفوف، ما يدفع المرضى لاستخدام بدائل قد تكون أقرب إلى خطر مؤجل.
في عالم آخر، قد يكون همّ الأطفال اللعب أو اجتياز الامتحانات. في غزة، أطفال مثل آدم وسارة يحسبون جرعات الإنسولين ويدعون ألا يخذلهم السكر في منتصف الليل.
أمنية آدم بسيطة: “أريد أن أعيش… فقط أعيش”. أما سارة، فكل ما تتمناه هو تفاحة، دون خوف.
أمنيات صغيرة… لكن في غزة، حتى هذه الأحلام باتت أكبر من أن تتحقق.