صرخةُ الدماء وسفينةُ النجاة

د. تقية فضائل

كلما أردتُّ الكتابةَ عن غزةَ يغالِبُني البكاءُ وَتمتلئُ عيناي بالدمع، فلا أرى شيئاً أمامي إلا دماءَ أهل غزةَ وأطفالها تصرُخُ في وجهي: كفى بُكاءً، كفى عجزاً، مَلَلْنَا بكائياتِكم عقوداً من الزمن ونحن نُذبح، ويُقتل صغارنا وتُهدم دورنا على رؤوسنا والأقصى يدنِّسُه أحفادُ القردة والخنازير، أصبحنا في نظركم مُجَـرّدَ أعداد تسرد على مسامعكم وأنتم ترتشفون فنجانَ القهوة، وأعينكم لم تعد ترى ما يحدُثُ لنا إلا بنظرة المتبلد الذي لا تحَرّك مشاعرَه أنهارُ الدماء التي غرقت فيها إنسانيتُكم المهترئة، لن نخاطبَكم؛ فقد يئسنا منكم وسئمنا سخافاتكم وأعذاركم، وسنجتمع معكم يومَ يجتمعُ الخصومُ بين يدي جبَّار السموات والأرض، يوم لا يشفع لكم ما تكيلونه من أعذارٍ وَأكاذيبَ سمجة.

 

لا أخفي عليكم أن تلك الصرخة المدوية أصمت أذنَيَّ؛ فتلفتُّ يمنةً ويسرةً وَالخوفُ الشديدُ يتملَّكُني من بطش العلي العزيز، فلُذْتُ بسيدي عبدالملك الذي وجدتُه أمام ناظرَي في تلك اللحظة، وناجيته قائلة: يا سيدي لا تتوقَّفْ عن ضرب المجرمين من الإسرائيليين والأمريكان وغيرهم، ولا تأخذك بهم رحمةٌ أَو رأفةٌ أبدًا، اقصفْهم ونكِّلْ بهم بما أيَّدَكَ اللهُ به من قوة وحكمة وقولٍ سديدٍ تُخْرِسُ به كُـلَّ منطقٍ شيطاني.

 

اضرِب -يا سيدي- مهما حدث أَو يحدُثُ، فنحن واللهِ وتالله وبالله صامدون ومستعدُّون للتضحية بدمائنا وَأموالنا وأنفسنا، ونحن جُنْدُك فاضرِبْ بنا ستجدنا إن شاء الله من الصابرين.

 

يا سيدي علَّمَتنا سنواتُ العدوان التسع أن الجوعَ هو جوعُ الكرامة والعزة، وأنَّ ما أصابنا في سبيل الله من نَصَبٍ أَو وَصَبٍ سنُجزى به خيرَ الجزاء في الدنيا والآخرة.

أنت -يا سيدي- أصبحت سفينةَ النجاة من الغضب والسخط الإلهي الذي تستحقُّه البشريةُ جمعاءُ على ما اقترفته من جريمةِ الصمت على خطيئة قتل الفلسطينيين العُزَّلِ ردحاً من الزمن، بل أنت سفينةُ النجاة لجميعِ المستضعَفين في الأرض بعد أن هيمن الشيطانُ وأولياؤه على منافِذِ الحياة.

مقالات ذات صلة