فلسطين.. بين “طوفان الأقصى” و75 عاماً من الضياع

حسام باشا

منذ نكبة عام 1948م، والأمة العربية ترزح تحت وطأة الجراح والآهات على يد العدوّ الصهيوني، الذي اغتصب فلسطين واستولى على المقدسات الإسلامية.

منذ ذلك الحين في قلب كُـلّ عربي يتوقد جمر الحماس والشوق لأن يأتي يوم ينتصر فيه المجاهدون على العدوّ ويزيلون رجسه من الأقصى المبارك، ولكن هذا الحماس كاد يتبخر كالغيم بعد أن خانت الأنظمة العربية شعوبَها وخذلت القدس وفرشت سجادة حمراء لإسرائيل تحت عنوان التطبيع؛ فبدلاً عن أن تقف هذه الأنظمة إلى جانب المقاومة وتوحد صفها لإنهاء الاحتلال، فضلت أن تستسلم للواقع المرير وتزوره بشعارات السلام في المنطقة.

إن هذه الأنظمة مع تحوُّلها إلى أدوات في يد العدوّ الصهيوني، وجهت عدة طعنات في ظهر الأُمَّــة، طعنات حاولت أن تقتلها وتدفنها في براثن الاستلام والخنوع، أولها طعنة خيانة للقضية الفلسطينية، التي هي قضية الإسلام والمسلمين، قضية الحق والعدل والحرية والكرامة، وطعنة أُخرى في قلب الدين، الذي جاء بالجهاد في سبيل الله لإقامة كلمته، وحث على الدفاع عن المظلومين والمستضعفين، وحرم التطبيع مع المستكبرين والظالمين، وطعنة في عنق التاريخ، الذي يشهد لأجداد الأُمَّــة وأسلافها مقارعة اليهود والصليبيين، ويدون عن الخونة والجبناء صفحات الخزي والعار.

أمام هذا كله وفي زمن الظلم والخيانة وتخاذل الأنظمة العربية عن نصرة القضية الفلسطينية، كانت هناك شعلة من النور تضيء درب الأُمَّــة نحو الحرية والعزة، هذه الشعلة هي شعلة المقاومة والثورة التي أشعلها رجال صادقون مخلصون لا يرضون بالذل ولا يخافون من الطغاة، رجال آثروا رضا الله على رضا الخلق، وجعلوا فلسطين قضية حياتهم وموتهم، رجال أرادوا أن يغيروا واقعهم بأسباب التغير، وأن يثبتوا للعالم أن المؤمن قادر على التحدي إذَا اتكل على الله، فمنهم روح الله الخميني رضوان الله عليه، الذي قاد ثورة إسلامية في إيران ضد نظام الشاه المستبد والمتحالف مع الغرب، وأسس نظاماً إسلامياً قائماً على مبادئ العدل والحرية والاستقلال، وأعطى دفعة قوية لحركات المقاومة في المنطقة، وأعلن دعمه المطلق لفلسطين ورفضه التام لإسرائيل، ومنهم الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، الذي أطلق حركة أنصار الله في اليمن ضد نظام صالح المفسد والمتآمر مع أمريكا، وأعلن مشروعه القرآني الذي يستند إلى كتاب الله، وأثار ثورة شعبيّة ضد المحتلّين والعملاء، وأظهر تضامنه مع فلسطين وقضايا الأُمَّــة.

ومع تنكر الأنظمة العربية لقضية الأُمَّــة الأولى، نهضت حركات فصائل المقاومة بالدور والمسؤولية للدفاع عن الحق والكرامة، وحقّقت انتصارات تاريخية لم تستطع الدول العربية تحقيقها على مدى ٧٥ سنة، فقد كان حزب الله رائداً في المقاومة، فطرد الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000م بعد سنوات من الجهاد والصبر، وصد عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006م بعد 33 يوماً من المواجهة والبطولة، وجعل من قدراته العسكرية والصاروخية رادعاً قوياً لأية محاولة جديدة للعدوان على لبنان.

كما كانت الفصائل الفلسطينية شجاعة ومواجهة للحصار والعدوان على غزة، وأطلقت صواريخها على مدن إسرائيلية، وحرّرت أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال، فمن عملية ثأر الأحرار إلى سيف القدس مُرورًا بالبنيان المرصوص إلى عمليتي العصف المأكول والفرقان وُصُـولاً إلى طوفان الأقصى، كانت هذه الفصائل تكتب تاريخًا جديدًا لفلسطين، تاريخًا يضيء ظلامَ الاحتلال ببرق من الضياء، ويرسم صورة جديدة لإسرائيل، صورة تظهر حقيقة ضعفها وخسارتها.

فإذا ما نظرنا إلى عملية طوفان الأقصى التي هزت أركان الاحتلال الصهيوني، نجد أن المقاومة الفلسطينية أظهرت تضامنها وعلو كعبها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقد بدأت طوفانها عبر هجوم صاروخي واسع النطاق، استهدفت به مختلف المدن والبلدات الإسرائيلية من ديمونا في أقصى الجنوب إلى هود هشارون في أقصى الشمال، محولة حياة المستوطنين إلى جحيم من الخوف والفزع، وتزامن مع إطلاق هذه الصواريخ اقتحام بري واسع للمقاومين عبر سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية وطائرات شراعية لعدة بلدات حدودية للقطاع، كُـلّ هذا في حين كان الجيش الإسرائيلي يغرق في بحر من الفشل والهزيمة، ولا يجد حلاً أمام قوة المجاهدين الفلسطينيين الذين حطموا أُسطورة هذا الجيش المزعوم بأنه لا يغلب، لثبتوا للعالم أجمع أن المقاومة هي خلاص الشعوب المظلومة، وأن العدوّ الصهيوني هو عدو ضعيف يهزم بالإرادَة والإيمان.

هذه الانتصارات التي حقّقتها المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى هي مجد للأُمَّـة العربية والإسلامية، وتمثل نقطة فارقة في تاريخ الصراع مع العدوّ الصهيوني، ولكن لم تجد هذه الملاحمة العظيمة صدى إيجابياً لدى بعض الأنظمة العربية، التي كشفت عن خيانتها وانحيازها لإسرائيل، ورفضت دعم طوفان المقاومين الفلسطينيين، من بينها الإمارات، التي تجاوزت حدود التطبيع إلى مستوى التخندق المعلن في معسكر العدوّ الصهيوني.

فسبحان الله، ما أروع هذه المعجزة، التي أذلت أنظمة لم تجد في نفسها قوة أَو شجاعة لمجاراة أُولئك المجاهدين، الذين أظهروا أنهم أبرز من غيرهم بالنصر، وأنهم أولى من سواهم بالأقصى.