الاحتفالُ بذكرى المولد النبوي جزءٌ من الهُــوِيَّة الإيمانية

محمود المغربي

في العقود الماضية لم تقتصر الهيمنة السعوديّة على القرار السياسي وإدارة الشأن الداخلي اليمني بل كان للهيمنة السعوديّة أوجه وأبعاد مختلفة.

 

وعلى سبيل المثال كانت السعوديّة تهيمن على الجانب الاقتصادي اليمني وتضع سقف محدود للتنمية والنمو الاقتصادي ولم تكن تسمح لنا إلا بهامش صغير فيما يتعلق بالبحث والتنقيب عن المعادن والثروات النفطية والغازية وفي منطقة جغرافية صغيرة، ومن غير المسموح لنا أن نتوسع ونستفيد من الأراضي الزراعية وخصوبة الأرض اليمنية، وحتى فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية فقد كان هناك سقف معين.

 

والأخطر من ذلك الهيمنة السعوديّة على الجانب الديني والثقافي اليمني، حَيثُ فتح النظام السابق الأبواب على مصراعيها أمام الفكر الوهَّـابي للتغلغل داخل المجتمع اليمني وضرب الموروث الديني والثقافي اليمني وبحسب أهميّة كُـلّ محافظة ومنطقة يمنية، ولو نعود بالزمان إلى ما قبل ثورة ٢٦ سبتمبر سوف نجد أن الموروث الديني والثقافي كان مختلفًا تماماً عما حصل بعد ذلك خُصُوصاً في محافظة تعز وإب، حَيثُ حافظ أبناء تلك المحافظات على موروث ديني وثقافي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمحبةِ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وممتدٌّ إلى قرون سابقة ولم يحاول الأئمة تغيير ذلك أَو التأثير عليه، ونجد أن أبناء تلك المحافظات كانت لهم روحانيات وتقديس للأولياء والصالحين حتى لا تجد منطقة إلا وفيها ضريح لأحد الأولياء الصالحين والمصلحين، الذين كان له أثر إيجابي كبير في نفوس الناس، وكانت الموالد تقام بشكل يومي، فإذا رزق أحدهم بمولود جديد يقيمُ مولد، وَإذَا تزوج أحدهم يقيمُ مولدًا، وَإذَا مات أحدهم يفعلوا موالد، في الفرح مولد، وفي الحزن مولد، وكلّ حياتهم مرتبطة بذكر الله ومحبة رسول الله والصالحين من آل بيته.

 

أما في ذكرى المولد النبوي الشريف فكانت الاحتفالات والمهرجانات تدوم لأسابيع والمواكب تجول القرى والمناطق المختلفة والذبائح والولائم لا تتوقف ويسهر الناس حتى الصباح في ذكر الله وذكر محاسن رسول الله، الذي لم يكن له مساوئ، ومدح من قال الله في وصفه: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، حتى جاء تيار الوهَّـابية بفكر خبيث ثم الإخوان المسلمين الذين نجحوا بالدخول إلى مناطق لم تتمكّن الوهَّـابية منها، فكما نعلم فقد حقّقت الوهَّـابية نجاحًا كبيرًا في مأرب والجوف والبيضاء وحتى صنعاء وصعدة بنسبة أقل بوجود الفكر الزيدي الذي حمى وحافظ على ثقافة المجتمع، مع أن هناك من قد تأثر بالتطرف الوهَّـابي من الزيدية وأخذ يعمل بها، أما في تهامة وإب وتعز فقد تحصن الناس بالزوايا الصوفية ولم تتمكّن الوهَّـابية من التوغل كَثيراً في تلك المناطق إلا أن الإخوان المسلمين استطاعوا اختراق تلك الزوايا والتأثير على عقول الناس وتغير الموروث الديني والثقافي الذي حافظ عليه الناس لقرون، لكن القباب والمقامات وأضرحة الأولياء والصالحين بقت شاهدة على ثقافة الآباء والأجداد ولم يتمكّن “الإخوان” والوهَّـابية من الاقتراب منها، حتى جاء العدوان وتمكّن الإخوان والجماعات الإرهابية من هدم وتفجير الكثير من تلك القباب والقضاء على تلك الشواهد التاريخية الحية في قلوب الناس في محاولة منهم لطمس الهُــوِيَّة الإيمانية إلا أن ذلك العمل الخبيث قد ترك جُرحًا في ذاكرة المجتمع اليمني، ودفع بالكثير إلى التمسك بتلك الهُــوِيَّة الإيمانية الأصيلة والناجحة في حفظ نقاء وصفاء الإنسان اليمني.

 

 

مقالات ذات صلة