إنَّهم اليمانيون يا طه

محمد الصالحي*

لقد انتظر أهلُ اليمن مولدَ النبي الأعظم -صلوات الله عليه وعلى آله- وَاستبشروا بمولده؛ فقد كانت النبوءاتُ السابقةُ لديهم بأن نبيَّ آخر الزمان سيُبعَثُ في بلاد العرب، فكانوا أول المهاجرين لاستقبال مولده، فقد هاجر الأوس والخزرج واستقروا في يثرب؛ بناءً على هذه النبوءات، وليس صحيحاً أنهم هاجروا إلى تلك المنطقة بفعلِ انهيارِ سد مأرب، وقد كانت لقريش رحلتان: رحلة الشتاء إلى الحبشة مُرورًا باليمن، وكان يترأسها بنو هاشم، ورحلة الصيف إلى الشام يترأسها بنو أمية؛ وبفعل ترؤُّسِ وقيادة بني هاشم لرحلة الشتاء احتكوا بالقبائل اليمنية والحكام اليمنيين، كما كان بنو أمية في الشام.

 

فعرف حكام اليمن وقبائله أجداد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- كما أن خدمة أجداد الرسول الأكرم لحجاج بيت الله الحرام زاد من مكانتهم لدى القبائل العربية وخَاصَّةً القبائل اليمنية.

 

لذَلك أصبح الارتباط بين بني هاشم والقبائل اليمنية ارتباطًا روحيًّا، وتعزز هذا الارتباط من خلال عاملَينِ:- أولهما: النبوءات السابقة أن نبي آخر الزمان سيكون من بلاد العرب، وثانيهما: أخلاق ونُبل أجداد الرسول -صلى الله عليه وَآله- التي أظهروها في تعاملهم مع القبائل الأُخرى وخدمتهم للحجيج أعطت مؤشرات أن النبي سيكون من هذه السلالة، كما ظهرت بعض العلامات في جده عبدالمطلب وهو ما خاطبه حاكمُ اليمن حين رآه وقال له: “سيظهر من صُلبك نبي”.

 

كُـلُّ هذه المؤشرات هيَّأت الظروفَ، وجعلت المجتمع اليمني مهيَّأً بشكل كبير لتقَبُّلِ الدعوة واتِّباع الرسول الخاتم؛ فكان أهل اليمن ولا يزالون على علاقة قوية ومتينة به؛ فكان إسلامُهم حجّـةً على غيرهم من الأمم والشعوب فلم يحاربْ أهلُ اليمن الإسلامَ وكانوا هم أهلَ ولاية من أول يوم في البعثة.

 

وخلّد القرآنُ الكريمُ دخولَهم الإسلام: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)؛ فحظَوا بمكانة عظيمة عند الرسول الأكرم وعند أهل بيته وبشّر بهم الرسولُ بأنهم جيشُ الفتح وَالنصر والمدد.

 

إذن ليس غريبًا على أهل الإيمان والحكمة هذا التعظيم والتقدير والإجلال والاحتفاء برسول الله، فهم أول من احتفل به في المدينة وهم أول من فتحوا له قلوبهم وعقولهم، وليس غريبًا أن يعم الفرح والابتهاج ربوع اليمن؛ احتفالاً بقدوم ذكرى المولد النبوي الشريف.

 

فمن انتظر مولدَه -صلوات الله عليه وعلى آله- وهاجر من أرضه لاستقباله واتِّباعه بعد أن يُبعَثَ، ليس غريباً أن يورِّثوا أحفادَهم الاحتفالَ والابتهاج بإحيَـاء ذكرى مولده.

 

ومَن كانوا أنصارَه في أول بعثته عندما خذله وحارَبَه قومُه الأقربون، ليس غريباً أن يورِّثوا أحفادَهم رايةَ نُصرته في هذا الزمان، عندما تخاذَلَ العربُ عن نُصرته في كُـلِّ مرة تتم الإساءةُ إليه فيها.

 

إنهم اليمانيون يا طه، أحبوك فاتبعوك وتولَّوك فاستحقوا أن يكونوا أولَ الواردين على الحوضِ يومَ الدِّين.

 

 

 

* وكيلُ محافظة شبوة

 

 

مقالات ذات صلة