ذكرى الاستقلال والجنوب قيد الاعتقال!

بلقيس علي السلطان

 

الحرية غاية سامية، يسعى لها من ذاق مرارة الاستعمار، ونال ويلات التسلط والوصاية، فكيف بمن تسلط عليه الاستعمار لأكثر من قرن من الزمن؟

 

لقد رزح الجنوب اليمني تحت الاحتلال البريطاني البغيض الذي ظل جاثماً على صدره 129 عاماً مارس خلالها التسلط والتجبر على شعب الجنوب، كما نهب ثرواته واستغل موقعه الجغرافي الفريد وقسم الجنوب إلى سلطنات ليزرع الشقاق والتناحر بين أبنائه!

 

لم يتحمل الأحرار المزيد من التجبر والظلم والخبث فجمعوا شتاتهم ووحدوا هدفهم وجعلوا طرد المحتلّ وإخراجه ونيل الحرية والاستقلال هو هدفهم الأسمى الذي سيبذلون؛ مِن أجلِه أغلى ما يملكون.. وهكذا فعلوا.

 

اندلعت شرارة الثورة من جبال ردفان لتقول للمحتلّ الغاصب آن الأوان فساعة “بيج بن” قد أعلنت عقاربها وقت عودتكم وميدان (الطرف الأغر) قد أُعد ليكون مكان تجمعكم الذي تندبون فيه قتلاكم، وعربة الملكة إليزابيت قد جهزت لتخرج الملكة بفستانها الأسود معزية شعب المملكة التي لا تغيب عنها الشمس بعد أن أفلت من اليمن، وانحرف خط جرينتش عنها ليرسم الأحرار خط الاستقلال والتحرّر مردّدين بملء أفواههم وبلهجتهم الجميلة (برّع يا استعمار.. برّع من أرض الأحرار.. برّع).

 

لم يرق للمستعمرين الجدد وحلفائهم أن تظل اليمن مستقلة وتملك ذاتية القرار، فجندوا لهم عملاء يدينون لهم بالولاء ويرضون بالوصاية والسيطرة على اليمن بشكل غير معلن فعملوا على استغلال ميناء عدن بعد ما قام النظام السابق بتأجيره لشركات أجنبية عملت على شل الحركة فيه وتغييب دوره؛ مِن أجلِ أن تنتعش موانئ الخليج كميناء دبي فهم يعلمون أن ميناء دبي لن تكون له أية أهميّة بوجود ميناء عدن.

 

بعد أن قامت ثورة الـ 21 من سبتمبر -التي أخذت على عاتقها تحريرَ الوطن من براثن الوصاية والتبعية- جَنَّ جنونُ قادات الخليج وبالأخص ساداتهم من الأمريكان والصهاينة الذين يحلبون ثرواتهم ومقدراتهم، فمعنى أن يدير الأحرار شئون البلاد أن تتوقف مصالحهم الشيطانية وإنعاش ميناء عدن سيعني موت ميناء دبي وغيره، وإدارة الثروة النفطية في مأرب وشبوة وحضرموت بحكمة وجدارة معناه أن اليمن سينهض وأن قراصنة النفط لن يستطيعوا التحكمَ بالسوق النفطية والضغط على الدول من خلاله، فكان لا بد من خطة تجهض مشروع التحرير، فقاموا بشن حرب كونية تحالفت فيها جميع قوى الشر التي غايتها السيطرة على العالم واستغلال ثرواته، وأحكموا قبضتهم على الجنوب اليمني الذي تقع فيه الموانئ والجزر الهامة ومضيق باب المندب الاستراتيجي، كما سيطروا على منابع النفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت، ليدخلوا الجنوب ومناطق أُخرى في معتقل اسمه الشرعية وحقيقته استعمار واستعباد وإذلال، فمعتقلات الإمارات التي يشرف عليها الأمريكان والصهاينة تنتشر في كُـلّ مكان ومدينة عدن التي كانت تسمى بثغر اليمن الباسم، قد أصبح ثغرها عابساً وميناءها كجزيرة الأشباح إلا من بعض حركة للسفن التي تخدم المعتدين والطغاة!

 

لقد جاءت ذكرى الاستقلال عن التاج البريطاني لتجد الجنوب تحت التاج السعوديّ والإماراتي وعادت بريطانيا من جديد محاولة محو آثار هزيمتها بعدوان مستتر يبرز فيه الإماراتيون والسعوديّون، وحقيقتُه استعمارٌ أمريكي صهيوني بريطاني متعدد الجنسيات!

 

وهنا نقول لأحرار الجنوب ما زالت جبال ردفان شامخة لتقفوا عليها وتعلنوا الثورة والتحرّر، وما زالت ساعة بيج بن تدق لتذكركم بموعد عودة الخائبين من جنودها، وما زالت الملكة إليزابيت تحتفظ بنفس الفستان الأسود لتجدد ذكرى الخيبة والهزيمة، وما عليكم إلَّا أن تجددوا العهد لمن حقّق الثورة والاستقلال المجيد وتسيروا على دربهم لتحقّقوا النصر المبين والعاقبة للمتقين.

مقالات ذات صلة