الشهداء ومعادلات الصراع

أيضاً، من المسائل المهمة التي ينبغي أن نلحظها في هذا الموضوع: أن الشهداء هم يتحركون- أيضاً- بوعي عن طبيعة الصراع في هذا الوجود وفي هذه الحياة، يعني: الحياة هذه (الحياة الدنيا) هي ميدان مسؤولية وميدان اختبار، واحدٌ مما فيها، ومن أهم ما فيها، ومن أهم ما لازمها في واقع حياة البشرية، وعلى مر التاريخ، ومنذ الوجود المبكر للبشرية، منذ أبناء آدم وإلى اليوم، حالة الصراع؛ لأن هذا الإنسان حتى يصبح مُمَكَّناً، ويصبح مكلفاً ومسؤولاً في هذه الحياة، مُكِّنَ من الخير ومُكِّنَ من الشر، وقال الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد من الآية: 10]، قال أيضاً: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس من الآية: 7-8]، الوجود البشر هو وجود مسؤول في هذه الحياة، ومسئوليته كبيرة وعظيمة ومهمة وواسعة، ودوره أساس في هذا العالم، وهذا الإنسان ألهمه الله في نفسه (الفجور، والتقوى)، ومُكِّنَ من الخير ومُكِّنَ من الشر، وأعطاه الله القدرة ليفعل بها الخير، أو يفعل بها الشر، يعني: مُكِّنَ من هذا، وأراد الله له وأمره بفعل الخير ونهاه عن الشر، وحمَّله مسئولية اختياره: إن اختار الخير؛ كافأه وجازاه خيراً، وإن اختار الشر؛ فيتحمل مسئولية هذا الاختيار، وعواقب هذا الاختيار، ونتائج هذا الاختيار فيما سيحاسب ويعاقب على ذلك.

 

وبناءً على هذا اختلفت اتجاهات البشر– وكما قلنا- منذ الوجود المبكر للبشر، منذ أبناء آدم الأوائل تحركت وأثرت نزعة الشر وميول الشر، ميول الهوى، النزعة العدوانية، التوجه نحو الفجور في البعض، والبعض الآخر كانت خياراتهم واتجاهاتهم في هذه الحياة في اتجاه الخير، وفي اتجاه التقوى والانضباط والالتزام، في إطار القيم، في إطار الأخلاق، في إطار الضوابط الشرعية.

 

في واقعٍ كهذا أصبح من البديهيات، وشبه لازم من لوازم الحياة، يعني: مسألة واقعية لازمت الوجود البشري في كل مراحله، هي: حالة الصراع، ووفر لهذا الإنسان في هذا الوجود حتى الوسائل التي تستخدم في الصراع، يعني لاحظوا مثلاً: الخيول في زمن طويــــل كانت آلات ووسائل عسكرية خلقها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- خلقها وأعدّها عسكرياً لتلائم الأداء القتالي وظروف الحرب، واستخدمها المؤمنون، واستخدمها الفاجرون والظالمون وأهل العدل وأهل الظلم، كُلاً يركب خيله يسرح يقاتل عليه، هُيّئ مثلاً الحديد كوسيلة أساسية يستخدمه أصحاب القيم المحقّة، القضايا العادلة، في الدفاع عن أنفسهم، عن قضاياهم العادلة، عن وجودهم، عن الحق الذي ينتمون إليه، استخدمه- أيضاً– الآخرون من بني الإنسان في ظلمهم، في جورهم، في طغيانهم، في بطشهم، في جبروتهم، {وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ}[الحديد من الآية : 25]، بأس: يستخدم عسكرياً على نطاق واسع، واتسعت الاستعمالات العسكرية في زمننا وفي عصرنا هذا للحديد في وسائل كثيرة جدًّا جدًّا، تطورت كثيراً.

 

فوجد لهذا الإنسان، ووفر له ضمن هذا الاختبار، ضمن هذه المسؤولية، وسائل هذا الصراع، حتى على المستوى العسكري، ولذلك لاحظوا، من يتصور هذه الحياة: حياة يعمها السلام بدون أي مشاكل ولا صراعات، ويتخيل هذه الحياة وهذا الوجود في الدنيا، وجوداً لا تحفُّه أي مخاطر، ولا تدخل فيه أي تحديات؛ فهو حالم، يعني: خيالي، غير واقعي.

 

 

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

 

بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ

مقالات ذات صلة