“فجرُ الانتصار”.. رسائلُ بلُغة البارود والنار

عبدالقوي السباعي

 

في مشهدٍ دراماتيكيٍّ فريد، يُضاف إلى الرصيد الهائل لمشاهد الإعجاز السابقة، والتي صنعها ويصنعها مجاهدو الجيش اليمني ولجانه الشعبيّة، ووثقته عدسة الإعلام الحربي، فما إن يستفيق العالم من دهشته وانبهاره، من مشاهد عمليات سابقة، حتى يظهر له الإعلامُ الحربي اليمني بمشاهدَ جديدة، تحمل عناوينَ متجددة ومختلفة، وتُقرأ من كُـلّ الاتّجاهات، وبمختلف اللغات.

 

فما بين عمليات البنيان المرصوص، البأس الشديد، النصر المبين، إلى عملية فجر الانتصار، في جبهة مأرب، تنوعت وتعددت الرسائل الميدانية للقيادة اليمنية الحرة سياسيًّا وعسكريًّا، سعت إلى تأكيد القوة والسيطرة، إظهار التفوق والقدرة، والإشارة إلى أن اليد الطولى للجيش واللجان الشعبيّة في كافة الميادين والمحاور والجبهات، إلّا أن الرسائل التي حملتها عملية فجر الانتصار كانت أكثرَ وضوحاً بالنسبة لقوى تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي عُمُـومًا، وإلى لفيف المرتزِقة والأذناب على وجه الخصوص، إذ كانت مباشِرةً وبطريقةٍ متعددة العناوين وبمختلف الوسائل، سلمّها أبطالنا بالبريد المضمون ليكون وصولُها للمستقبلين بشكلٍ مباشر قابلاً للقراءة، لا يحتمل اللغَط أَو التحوير أَو أي لبسٍ في العنوان أَو المضمون أَو النتائج.

 

فعلى المستوى العسكري هناك ما يسمى بالتقييم العسكري لمسارِ العملية، نجدُ فعلياً أبطال الجيش واللجان الشعبيّة لا يزالون يبتكرون نظرياتِهم الجديدةَ والخَاصَّةَ بهم حَصْراً، في التعامل العسكري مع الميدان وساحة المعركة واستراتيجياتها المعقدة، وأن تكون للمقاتل اليمني هذه الروحية الإيمانية الفريدة وهذه الشجاعة والكفاءة، وهذا الاقتدار والتصميم على بلوغ الهدف، والذي شاهدنا الندر اليسير منها مما عرض، أمس، ناهيك عن الحنكة في تنفيذ المخطّط التكتيكي للهجوم بدقةٍ عالية، مع واحدية السيطرة والقيادة، مع تنظيم التعاون والاتصال وتوزيع المهام، ولمسنا كيف يتعامل المجاهد اليمني مع أبرز المتغيرات بسلاسةٍ وفوريةٍ واندفاعٍ في الواقع الميداني للمعركة، الأمر الذي يجعلُني أقولُ جازماً: إن هذه الاستراتيجيات والنظريات العسكرية اليمنية سيكون لها تأثيرٌ كَبيرٌ في المعارك المستقبلية، وقراءة معمقة لإدراجها ضمن تكتيكات الجيوش، ولا شك أنها ستدرُسُ في الأكاديميات العسكرية العالمية مع قادم الأيّام.

 

في الرسائل السياسية لهذه العملية ومن قبلها تلك العمليات، جاءت تتمةً منظمة وطبيعية للرسائل التي سبقتها سواءً تلك المبادرات الداعية إلى تجنيب مأرب إراقة الدماء، أَو تلك الجوية والصاروخية التي حملتها المسيَّراتُ المتطورة والصواريخ البالستية الدقيقة، والتي جاءت في مجملها للتذكير بإمْكَانية وقدرة الجيش واللجان الشعبيّة على حسم المعركة في مأرب كما كان لها في الجوف وَالبيضاء وغيرها، لذلك بعض تلك الرسائل وصلت مبكراً فهمتها قوى تحالف العدوان؛ لما تمثلهُ مأرب من أهميّةٍ بالغةٍ في استراتيجياتها، بل وصل الأمر إلى تصريحات وتلميحات لقادة عسكريين في تحالف العدوان بالقول: إن “مأرب تمثل البوابة الرئيسة للرياض”، فكان لاستهداف العمق للعدو السعوديّ برياً وجوياً أَو عبر عملياتٍ واسعة ومتزامنة، كانت تأتي لتثبتَ من جديدٍ أن استمرار تحالف العدوان باحتلال بعض مناطق اليمن، وتوجّـهه بشرعنة هذا التواجد، يهدّد بشكل مباشر استقرار تلك الدويلات سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا حتى سياديًّا، وبات الأمر مرهوناً بوقف العدوان وإنهاء الحصار وانصياع تلك الدول والقوى لإرادَة اليمنيين وحدَهم في تقرير مصيرهم، ورفضهم التام لانتهاك سيادة بلدهم أَو قضم جزء منه، وأن لهم الحق المشروع في بناء اليمن ككل على أَسَاس السيادة والاستقلال.

 

هذه العملية وإن كانت عسكرية إلَّا أنها سياسيةٌ بلُغة الرصاص والبارود وبلغة الحديد والنار، مفادها لا مجالَ للتراجع عن تحرير كُـلّ شبر من أرض الوطن بعد أن استنفدت القيادةُ اليمنية كُـلَّ الوسائل والأساليب وإبلاغ الحُجّـة، أمّا هدفُ الإعلان عن العملية في هذا التوقيت هو إسقاطُ كُـلّ المناورات الأممية من البوابة السعوديّة ومن خلفها واشنطن، وكأنها تقول: توقفوا عن تضييع الوقتِ وأنتم تحاولون فرضَ شروط تحفَظُ ماء وجه قادة دول تحالف العدوان.

 

ميدانيًّا هذه العملية جاءت على مساراتٍ مختلفة ومشابهة لمسارات العمليات السابقة، لتظهرَ لنا من جديدٍ هشاشةَ العدوّ وانعدام إرادَة القتال فيه، ولجوءَهم الدائم للفرار مدبرين، برغم الإمْكَانات العسكرية والتكنيك والعتاد الحربي الهائل، والتحصينات والوسائل اللوجستية العملاقة، إلَّا أنها كانت لا شيء أمام صلابة وشجاعة وإقدام وإيمان المجاهد اليمني.

 

تكتيكياً، لاحظنا استخدامَ القيادة لأُسلُـوبٍ مختلِفٍ تماماً في هذه العملية اعتمدت على أعدادٍ قليلةٍ من المجاهدين في مراحل الاقتحامات الأولى للمواقع المرتفعة، تسندُهم الآلياتُ الرشاشة، وشاهدنا كيف تعاملت فِرَقُ الإغارة والكمائن مع الأهداف بتنسيقٍ محكم، تسندُهم الصواريخُ الموجَّهة المضادة للدروع، وكذا استخدام نيران القنَّاصة التي تكفلت بإزهاق كُـلِّ مَن حاول الفرار عبر المسالك المعدة سلفاً، هذا يشيرُ إلى أن القيادةَ نجحت بدراسة الأرض والجغرافيا المحيطة بمنطقة العمليات، بحيث تم خنقُ العدوّ رغم الكثافة البشرية الضخمة، إلا أنهُ تم حبسُ أنفاسه وحرمانه من الوسيلة الوحيدة التي يتقنُها وهي الفرار الجماعي.

مقالات ذات صلة