مولدُ النور

د. فاطمة بخيت

 

تمُـــرُّ علينا مناسباتٌ كثيرةٌ طيلةَ العام، فلا يكادُ يمُـــرُّ شهر واحدٌ إلا وتقامُ فيه العديدُ من المناسبات التي تتعلَّقُ بحدثٍ ما، وهذه نعمةٌ مَنّ الله بها علينا أن جعل فينا قائداً مؤمناً حكيماً يدرك أهميّة هذه المناسبات في بناء مجتمع مسلم يتخذ من كتابِ الله منهجاً يسير به في هذه الحياة، مجتمعاً موحداً يرتبط بأعلامه وقادته، ليهتديَ وينجوَ في الدنيا والآخرة.

 

لكن تبقى مناسبة المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أزكى الصلاة والتسليم هي الأكبر والأعظم والأقدس على مدار العام، كيف لا وهي ذكرى مولد مَن أخرج الناسَ من الظلمات إلى النور، وحل رحمة بهذه الأُمَّــة؟!؛ لذا يحرص هذا الشعب وعلى رأسه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- بالاهتمام الكبير بهذه المناسبة وإبراز مظاهر الفرح والسرور بها.

 

وكل عام يزداد الناسُ اهتماماً بهذه المناسبة، وذلك ينبع من معرفتهم المتنامية بشخصية صاحبها، فما إن يطل علينا النصف الثاني من شهر صفر إلا ويبدأ الناس بالتجهيز والاستعداد لها محبةً وإجلالًا للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فتعلّق الزينة على البنايات والمحلات، ويكسو اللونُ الأخضرُ معظمَ الأماكن ووسائل النقل، وتضاءُ الأحياء والمساكن بذات اللون، وهو من أجمل الألوان التي تعبر عن البهجة والسرور.

 

وهي محطةٌ مهمةٌ نزدادُ فيها ارتباطاً بمنجي الأُمَّــة وهاديها، ونزدادُ وعياً بمنزلته العالية والرفيعة، ونستلهمُ منها الدروس والعِبَرَ لخير قائدٍ عرفه التاريخ البشري، نتعرف من خلالها على الكثير من تفاصيل حياته، على رسالته، على إدارته لشؤون الحياة والمعارك، على ذكائه وفطنته، على سلوكِه وتصرفاتِه، على الأحداث التي عايشها ونتعرف بحقٍّ على الشخصية الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الشخصية التي حاول أعداء الدين تغييبها عنا طويلاً، وحتى تشويهها وتصويرها كشخصية ساذجة وسطحية لا تفقهُ من أمور الحياة شيئاً، فلم نجدها لا في كتبنا ولا مناهجنا الدراسية؛ لأَنَّهم يدركون جيِّدًا خطورةَ معرفتنا لرسول الله على مشاريعهم الشيطانية لضرب الأُمَّــة وتفتيتها وتدميرها والسيطرة عليها، فلا نجد الشخصيةَ التي نقتدي بها ونتبعها، ونظلُّ نغوصُ في بحر التَّيْهِ والضلال ولا نهتدي إلى حَـلٍّ للمخرج منه.

 

وكما سعت إلى فصلِنا عنه، فقد سعت أَيْـضاً إلى تبديعِ مَن يُحْيي هذه المناسبة المهمة، وحتى تكفير من يقوم بإحيائها، مع أنّ المسلمين يقومون بإحيائها منذ سنينَ طويلة بمختلف مذاهبهم وطوائفهم، ولم يُسمع بتبديعها والحملة الشرسة عليها كما يحدث الآن، كحملة ممنهجة يتشارك فيها أعداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك يدل على مدى انزعَـاجهم من صحوة ويقظة الأُمَّــة التي تعيدها إلى جادة الصواب، فنراهم يكثّـفون حملاتهم الحاقدة بشكل أكبر من عام إلى آخر، ليس عن طريق الاستهداف الممنهج للمناسبة وصاحبها، بل أَيْـضاً عن طريق الحرب الناعمة وخداع الأُمَّــة وجرها إلى الجاهلية الأُخرى والتي هي أشد ما تكون من الجاهلية الأولى، وخطورتها البالغة على الأُمَّــة، من حَيثُ الوسائل والأساليب التي تمتلكها في إفساد أبنائها، فتصبح أُمَّـة مقهورة ذليلة، لا تستطيع عمل شيء تجاه القضايا الأَسَاسية والخَاصَّة بها، كالقضية الفلسطينية التي تُعد قضية كُـلّ أبناء الأُمَّــة، وضربها من مختلف الجوانب دينياً، ثقافيًّا، اقتصاديًّا، سياسيًّا، اجتماعياً، وعلى كافة المستويات.

 

إنّ الوضع المشين الذي وصل له حال الأُمَّــة لن يغير ملامحه ويرسم تفاصيله الطبيعية والقويمة سوى العودة إلى هاديها وقدوتها صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كاد يتفطر ألماً لأجل هدايتها ونجاتها من الجاهلية الجهلاء التي كانت تعيش فيها.

 

وما إحيَاء هذه المناسبة إلا أقل القليل الذي يمكن أن يقدمه المسلمون تجاه هذا الرجل العظيم الذي يستحق بحق أن نحتفل به في كُـلّ وقت وكل حين وليس في ربيع الأول وحسب، الرجل الذي أصبحنا بوجوده خير أُمَّـة أُخرجت للناس.

 

وقد تفرد هذا الشعب بإحيَاء هذه المناسبة بشكل ليس له نظير في بلاد المسلمين، امتثالاً لتوجيهات القائد العَلَمِ سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله ورعاه-، في إحيَاء هذه المناسبة والاهتمام بها، كذلك تكثيف أعمال البر والإحسان؛ اقتدَاءً بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأَنَّه يعلم يقيناً أن لا مخرجَ لهذه الأُمَّــة مما تعانيه سوى العودة لرسول الله والتمسك به والسير على نهجه.

مقالات ذات صلة