لإمام زيد بن علي عليه السلام فاتح باب الجهاد والاجتهاد (4)

??شجاعة وإقدام??

اجتمع في الإمام زيد بن علي عليهما السلام الإيمان العميق بالله تعالى مع الشجاعة والبسالة، قد آتاه الله الحمية والهمة والنجدة لقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم، حتى في أحرج المواقف وأشدِّها حاجة إلى المداراة؛ ولقد حكيت في شجاعته قصص سار بها الفرسان وتناقلها المؤرخون، ومن تلك المواقف ما رواه أبو معمر سعيد بن خثيم: كنا في دار شبيب بن غرقد فسمعنا وقع حوافر خيل، فما منا من أحد إلا أرعب وارتعد وظننا أنه يوسف بن عمر، ووالله ما رأيت رجلاً أربط جأشاً ولا أشد نفساً من زيد بن علي، ووالله ما قطع حديثه ولا تغير وجهه ولا حل حَبْوَته، فلما مضت الخيل وجرينا نفرج عما كنا فيه، أقبل علينا بوجهه وقال: ((يُرعب أحدكم الشيء يخاف أن يحل به، والله ما خرجت لغرض الدنيا ولا لجمع مال، ولكن خرجت ابتغاء وجه الله والتقرب إليه، فمن كان الله هِمَّتَه ومن الله طلبته، فما يروعه شيء إذا نزل به)).

ومن مواقفه الشجاعة التي لا تخفى، وقوفه في مجلس طاغية بني أمية هشام بن عبدالملك، وتهديده لليهودي الذي كان يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان من كلامه لهشام، حتى خرج من مجلسه وهو يردد في شجاعة وإباء: ((والله لا تراني إلا حيث تكره)).

وقد وصف الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة إقدام الإمام زيد (ع)، فقال: (لمَّا أقبل عليه جنود أهل الشام من تلقاء الحيرة حمل عليهم كأنه الليث المغضب، فقتل منهم أكثر من ألفي قتيل بين الحيرة والكوفة).

 

??إمام المذهب الزيدي??

تعتزي الزيدية في مذهبها إلى الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما السلام، والذي يمثل مدرسة أهل البيت وعميدهم وكبيرهم، وقد كان كبار أهل البيت في زمانه وبعده كالإمام الباقر وجعفر الصادق والكامل عبدالله بن الحسن وأولاده محمد وإبراهيم وجميع أئمة أهل البيت منذ زمان الإمام زيد إلى زماننا وإلى أن تقوم الساعة كلهم مجمعون على أن الإمام زيداً إمامهم، وأنهم متبعون له مقتفون أثره.

وكل من ينتمون إلى الإمام زيد لم يحملهم على ذلك هوى أو عصبية أو رغبة دنيوية، بل أجبرتهم الأدلة القرآنية والنبوية التي توجب اتباع أهل البيت عليهم السلام، ولذلك تعتبر الزيدية منهجاً تقيد بتوجيهات كتاب الله وسنة رسوله في أهل البيت الطاهر اعتمتداً على الحجة والدليل.

تختلف الزيدية عن غيرها من المذاهب والطوائف المنتشرة في الساحة الإسلامية في انتمائها إلى الإمام زيد؛ فلم يكن انتماؤها كانتماء غيرها كالشافعية للإمام الشافعي والحنفية للإمام أبي حنيفة، يوضح ذلك الإمام مجد الدين المؤيدي رضوان الله عليه فيقول: ((.. فإنهم إنما سموا زيدية لموافقتهم الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام في أصول الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على الظلمة، لا التقليد في المسائل الفروعية، كيف والتقليد محرم على أهل الاجتهاد بالإجماع، ..إلخ)). وعليه فالاعتزاء إلى الإمام زيد عليه السلام هو اعتزاء فكري إلى مسائل هي في الأساس قطعية ويجب أن تكون محل اتفاق بين جميع المسلمين، وهي أساس الإسلام الذي لا يجوز الخلاف حوله، وعليه فالدعوة إلى المذهب الزيدي ليس دعوة مذهبية تزيد من تفرق الأمة وتشظيها، بل هي الأرضية التي تنهض عليها الوحدة الإسلامية.

مقالات ذات صلة