ماذا أقولُ عن الحسين؟

عبدالكريم الرازحي*

مع الحسين -عليه السلام- كُـلُّ هزيمة انتصار، وبدون الحسين -عليه السلام- كُـلّ انتصار هزيمة؛ لأن قصة عاشوراء لم تكتمل فصولها، فإن كلَّ يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء.

 

 

 

اعتمد الحسين -عليه السلام- على قوّة المنطق، واعتمد عدوُّه على منطق القوة، ولما سقطت قوة عدوه، انتصر منطق الحسين، وكان انتصاره أبدياً

 

 

 

قبل عاشوراء، كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة، أما بعد عاشوراء فقد أصبحت عنواناً لحضارة شاملة.

 

 

 

تمزقت رايته ولم تنكس، وتمزقت أشلاؤه ولم يركع، وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه ولم يهن.

 

 

 

إنها عزة الإيمان في أعظم تجلياتها، كان ما فعله الحسين -عليه السلام- وأصحابه صعباً عليهم: أن يقاتلوا أَو يقتلوا، ولكنهم لو لم يفعلوا ما صنعوا لكان عليهم أصعب.

 

 

 

الحسين -عليه السلام- ليس شخصاً، بل هو مشروع، وليس فرداً بل هو منهج، وليس كلمة بل هو راية..

 

 

 

لو شاء الحسين -عليه السلام- أن يعتذر عن الجهاد، لوجد كُـلَّ الأعذار التي يتوسل ببعضها الناسُ للتقاعس عنه، وجدها مجتمعة، لكنه رأى الموت له عادة وكرامته من الله الشهادة، فأعلن الجهاد، وكان ذلك من أعظم إنجازاته.

 

 

 

مهما قلنا عن الحسين -عليه السلام-، ومهما كتبنا عنه، فلن نتجاوز فيه ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وآله-: (مكتوب على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

 

 

 

كلما حاولت أن أعبّر عن الحسين -عليه السلام- بالكلمات، وجدت أن الكلمة عاجزة عن التعبير عن نفسها فيه، قلت عنه إنه الحق، قلت إنه الكوثر، وقلت إنه الفضيلة، فوجدته أكثرَ من ذلك.

 

 

 

فرجوت الله تعالى أن يلهمني كلمة يعبر عن حقيقة الحسين -عليه السلام-، فألهمني أن أقول إن الحسين -عليه السلام- هو الحسين -عليه السلام- وكفى!!

 

 

 

تتميّز ثورةُ الإمام الحسين -عليه السلام- عن باقي الثورات بأنها كانت ثورة إصلاح وهداية لكل البشرية دون استثناء، حيث سعى الإمام -عليه السلام- إلى بناء مجتمع إسلامي وإنساني متكامل، تسود فيه الأخلاقُ الفاضلة والقيم النبيلة وتتحقّق فيه العدالة والأخوة والحرية والمساواة وباقي القيم الإنسانية التي تحفظ حقوق وكرامة الإنسان؛ لذا فقد أكّـد المؤرخون وكما نقلت بعض المصادر، أن ثورة الإمام الحسين -عليه السلام-، هي أعظم ثورة إصلاحية عرفها التاريخ البشري على سطح الكرة الأرضية؛ لأنها أحيت المبادئ والقيم المقدسة في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة، وأعطت الدروس المشرقة عن التضحية في سبيل القيم الإسلامية والإنسانية، وقد تأثر عظماء البشرية ومفكروها وسياسيوها بشخصية الإمام الحسين -عليه السلام- وسيرته العطرة؛ لأنهم وجدوا في ثورة الإمام الحسين الرفض المطلق للظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعرقي والقبلي والمناطقي، ولمسوا في حركته التحرّرية الكرامة الإنسانية، والحرية الفكرية، والعدالة الاجتماعية، والتسامح الديني، والوفاء للقيم الإنسانية، التي تتجدد بشكل دائم مع حلول شهر محرم الحرام وأيام عاشوراء.

 

 

 

هيا بنا لنخوض معركة كربلاء، ونبدأها من البداية:

 

 

 

في مثل هذا اليوم وقعت فاجعة عظيمة ومأساة كبرى في تاريخ هذه الأُمَّــة التي دينها الإسلام وسماها الله ونبيُّها المسلمين، تلك الفاجعة كان المفترض ألَّا يقع مثلها إلَّا في تلك العصور المظلمة في عصر الجاهلية أَو في عصر الشرك في عصر الظلمات، كان المفترض والطبيعي لحادثة مثل هذه ألَّا تكون في عصر الإسلام وفي ساحة الإسلام وعلى يد من يسمون أنفسهم مسلمين ويحسبون على الإسلام، فما الذي حصل؟

 

 

 

من ضد من؟ ومن قتل من؟ وفي أي مكان وقعت؟ ومتى وقعت؟

 

 

 

إنها أكبرُ فاجعة في تاريخ الإسلام القديم، وبعد خمسين عاماً فقط من موت الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وآِله وسلم-، حادثة فاجعة كربلاء فهل تعرفون من المقتول في هذه المعركة، إنه الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بسيد الشهداء والمكنى بأبي عبدالله، فمن هو الحسين؟؟

 

 

 

هو الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، تولّى أمر الإمامة بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن -عليه السلام- لعشر سنين حتى استشهاده في واقعة الطف يوم العاشر من محرم سنة 61هـ، وهو ثاني أبناء الإمام علي -عليه السلام- وفاطمة الزهراء، كما أنه السبط الثاني للرسول محمد -صلى الله عليه وآله-.

 

 

 

أسماه النبي -صلى الله عليه وآله- حسيناً بعد ولادته، وأخبر أنه سوف يُقتل على يد مجموعة من أمته، وكان النبي -صلى الله عليه وآله- يحبُّ الحسن والحسين -عليهما السلام- حباً شديداً، ويدعو الآخرين لحبهما أَيْـضاً.

 

 

 

ويُعدّ الإمام الحسين -عليه السلام- أحد أصحاب الكساء الذين نزلت في حقهم آيةُ التطهير وآية المباهلة، ووردت روايات كثيرة عن جدّه -صلى الله عليه وآله- في فضله -عليه السلام-، منها: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، كان سنداً لأبيه أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- من بعد موت الرسول وحتى تولى والده الخلافة سنة خمس وثلاثين من الهجرة النبوية، وشارك في جميع مشاهد تلك الحقبة.

 

 

 

ووقف مسانداً لأخيه الحسن -عليه السلام- في الصلح مع معاوية، وبعد استشهاد الحسن -عليه السلام- بقي ملتزماً بالصلح، وقد تزامن عهد إمامة الحسين بن علي -عليه السلام- مع حكومة معاوية، وبناءً على ما ورد في بعض المصادر التاريخية، أنّ الإمام الحسين -عليه السلام- كان له موقف معارض لحكم معاوية، فمنه توجيه رسالة تدين معاوية على قتل حُجر بن عَدِي، كما أنه -عليه السلام- في مُجريات مساعي معاوية لاستخلاف ولده يزيد استنكر ذلك على معاوية وأبى مبايعته، ففي مجلس حضره معاوية وآخرون، عارض فيه علانية بيعة يزيد وبيّن بعض صفات يزيد التي تدلُّ على فسقه وانغماسه في الملذات، وأكّـد للحاضرين على مكانته وحقه -عليه السلام- بالخلافة والإمامة..

 

 

 

بقي الحسين -عليه السلام- على موقفه الرافض لبيعة يزيد حتى بعد هلاك معاوية واعتبرها غير شرعية، فبعدما أصدر يزيد أمراً بأخذ البيعة من الحسين -عليه السلام- وقتله في حالة امتناعه عنها، خرج الحسين -عليه السلام- مع أهل بيته من المدينة في اليوم الـ28 من رجب سنة 60هـ متجهاً إلى مكة.

 

 

 

وفي فترة إقامته بمكة، استلم رسائل كثيرة من أهل الكوفة تدعوه فيها بالقدوم إليهم حتى يبايعوه، وأن يسمعوا له ويطيعوه، فأرسل لهم ابن عمه مسلم بن عقيل سفيراً عنه ليعرف مدى مصداقية دعواتهم له، فلما أرسل مسلم رسالةً يخبر الإمام الحسين -عليه السلام- بصدق دعوات الكوفيين والبيعة له غادر الحسين -عليه السلام- مكّة متّجهاً إلى الكوفة في الـ8 من ذي الحجّـة، وذلك قبل أن يطّلع على نبأ نكث الكوفيين عهودهم واستشهاد مسلم بن عقيل على يد عبيدالله بن زياد.

 

 

 

كان ابنُ زياد والياً على الكوفة عندما كان الحسين -عليه السلام- قادماً إليها، فلما وصل هذا الخبر إلى ابن زياد أمر بجيش يمنع الحسين -عليه السلام- عن مسيرة تقدمه نحو الكوفة، فأجبر الحرّ بن يزيد -وهو على رأس ألف فارس- الحسينَ -عليه السلام- أن يعدل عن الطريق، ثم النزول بأرض كربلاء، فلمّا تجمّعت الجيوش بقيادة عمر بن سعد محاصرة ركب الحسين -عليه السلام- دارت حرب غير متكافئة في يوم عاشوراء بين معسكر الحسين -عليه السلام- الذي كان يضم (72 رجلاً) فقط، وجيش ابن سعد الذي كان قوامه أكثر من خمسة آلاف مقاتل، مما أَدَّت إلى استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام- وأصحابه جميعاً، ثم أُخذت النساء والأطفال ومعهم الإمام السجاد -عليه السلام- الذي كان وقتها مريضاً أُخذوا سبايا، وأرسلوا إلى الكوفة ومنها إلى الشام إلى قصر يزيد بن معاوية، وبقيت أجساد الشهداء على صعيد الأرض حتى دفنهم بنو أسد في 13 محرم.

 

 

 

فاستشهاد الحسين بن علي -عليه السلام- ترك أثراً عميقاً في نفوس المسلمين والشيعة بالخصوص، واستلهمت من حركة الحسين -عليه السلام- حركات مناهضة للسلطة، مما أَدَّت إلى توالي الثورات ضد الحكومة والسلطات الحاكمة المتعاقبة.

 

 

 

ارتكبت المجزرةُ بحقِّ الحسين-عليه السلام- وأهل بيته وأصحابه في معركة غير متكافئة وبشروط مهينة ومذلة، لم يقبلها الحسين-عليه السلام-، ولن يقبلها أيُّ حر في العالم، وهي إما الاستسلام والبيعة ليزيد أَو الموت، فقال الإمام الحسين-عليه السلام- كلمته المشهورة التي يتوارثها الأجيالُ جيلاً بعد جيل: (إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون).

 

 

 

* مدير إذاعة صوت الثورة

مقالات ذات صلة