مجزرة تنومة.. الأسبابُ والمبرّرات

أُمَّـة الرزاق جحاف

في كُـلّ عام وفي مثل هذا الوقت تتدفَّقُ سيلٌ من الكتابات والمنشورات التي تتحدث عن مجزرة تنومة والتي ذهب ضحيتها ثلاثة آلاف حاج يمني بريءٍ سُفكت دماؤهم البريئة وأزهقت أرواحهم الطاهرة بوحشية، لكن دون أن تتناول تلك الكتابات العاطفية مَـا هِي الأسباب والدوافع الخفية والمعلنة خلف تلك المجزرة الدموية التي حدثت منذ مِئة عام وعام حتى قرأت البحث الذي أعده الدكتور حمود الهنومي والذي يعودُ إليه فضلُ فضح تلك الجريمة والمجزرة المنسية وتسليط الضوء عليها بعدَ ما بذل السعوديّون كُـلَّ ما في وسعهم لطمس آثارها ومعرفة ودوافعها، وهو ما دفعني للكتابة في ضوء معلوماته القيمة

 

 

 

الأسباب السياسية:

 

1- احتلال بريطانيا وهي الحليف الرئيسي لآل سعود لجنوب اليمن وعدم رضا الإمام يحيى عن هذا الاحتلال ومطالبته أكثرَ من مرة لبريطانيا بالرحيل، وكان يعد العُدة لقتالها فأرادت بريطانيا معاقبته خَاصَّة وأنه كان الحاكم العربي الوحيد الذي رفض أن يتسلمَ منها أية مرتبات مالية ولا معونات، كما أن بريطانيا كانت قد عرضت على الإمام يحيى أن تتحالف معه ضد بن سعود فرفض وقال قولته الشهيرة (لو نازعني بن سعود على عمامتي ما استعنت عليه بالنصارى)، لذلك كان هذا الإمام المتمرد يشكل حالة من القلق والإزعاج الكبير لبريطانيا، وكان لا بد من تأديبِه بواسطة تكليف بن سعود بالمهمة؛ كونه الذي لا يستطيع أن يرفُضَ لبريطانيا طلباً كما اعترف هو بخط يده في الرسالة التي تنازل فيها عن فلسطين لصالح اليهود.

 

2- السياسةُ الشهيرةُ التي تعودت بريطانيا أن تستخدمها لإخضاع الشعوب وهي سياسة “فَـــرِّقْ تَسُــدْ”، من خلال خلق المشاكل بين الشعوب وخَاصَّة الثارات، فبعد مجزرة تنومة أصبح لكل الأسر اليمنية ثارات لدى آل سعود، وما استمرار المجازر منذ تنومة وحتى الآن- سواءٌ أكانت بأوامرَ أمريكية أَو سعوديّة- إلا دليل على أنهم يريدون أن يبقى الشعبان الجاران في حالة اقتال مُستمرٍّ.

 

 

 

الأسباب الاقتصادية:

 

من المعروف أن الحجَّ هو موسمٌ أَيْـضاً لتبادل السلع التجارية بين الحجاج القادمين من كُـلّ أنحاء العالم، وكان اليمنيون المشهورون بالتجارة لديهم الكثير مما يبيعونه وينافسون فيه وينتظر قدومهم الآخرون لأجله مثل البُن اليمني والعسل والزبيب والعقيق والبرود اليمانية والأعشاب الدوائية وفي كُـلّ قافلة للحج يحشدون كُـلّ ما لديهم من بضاعة، مستغلين فرصة الموسم، وعندما أصدر محمد بن سعود توجيهاتِه إلى جنوده بقتل الحجاج أباح لهم الاستيلاءَ على كُـلّ أموالهم وسلاحهم كغنائم حرب.

 

 

 

الأسباب العقائدية:

 

من المعروف أن إحدى الدعائم التي قامت عليها الدولة السعوديّة هي العقيدة الوهَّـابية التكفيرية التي تنظر إلى كُـلّ المسلمين على أنهم كفارٌ لا بُـدَّ من محاربتهم وقتلهم، وهي سياسة بريطانية صهيونية تقوم دائماً على مبدأ من ليس معي فهو عدوي، وقد جاء في مذكرات مستر هنفر، الجاسوس البريطاني، العلاقة الوطيدة بين بريطانيا ومؤسّس الوهَّـابية في شرح تفصيلي لتبنّي بريطانيا رعاية المذهب الوهَّـابي واستخدامه للقضاء على كُـلّ المخالفين لهم، فهُم عندما كانوا يطلقون الرصاصَ على الحجاج كانوا يفعلون ذلك بكل حماس؛ لأَنَّهم يعتقدون أنهم يخدمون الدينَ وكانوا يعاودون تفقد مَن قد أطلقوا عليهم النار فيقومون مرة أُخرى بطعنهم وفصل رؤوسهم عن أجسادهم بنفس الوحشية التي تقوم بها داعش الآن في قتل من يختلفون معهم.

 

ونلاحظ أن سكوت اليمنيين عما حدث لحجاجهم في تنومة قبل مِئة عام وعام واستمرار الأنظمة السابقة في علاقتها مع السعوديّة وكأن شيئاً لم يكن حتى على مستوى تناولها كحدث تاريخي تم طمسه لدرجة أنه نشأ لدينا جيلٌ كاملٌ لا يعرف شيئاً عن تنومة ولا حتى كمُجَـرّد اسم، هذا التساهل هو الذي جعل السعوديّين يطمعون في كُـلّ مرة إلى تحقيق المزيد من المكاسب السياسية ونهب المزيد من الثروات وممارسة المزيد من سياسة الإذلال فتم توقيعُ اتّفاقية الحدود عام 2000 وفقاً لما يريدونه هم، وتم الاستيلاء على المزيد من مساحة الأرض اليمنية حتى على مستوى التعيينات الوظيفية لم نكن نجرؤ كحكومة ونظام حكم حتى على تعيين وزير إلا إذَا كانت السعوديّة راضيةً عنه.

 

وعندما لم يعد الشعب اليمني قادراً على الاستمرار في تأدية دور الجار الذليل المطيع الذي لا يجرؤ حتى على الاستفادة من خيرات بلاده؛ لأَنَّ السعوديّة لا تسمح له بذلك.

 

كان الشعب اليمني -وهو شعب كريم عزيز يملك هُــوِيَّة تاريخية إيمانية- قد وصل إلى مرحلة التمرد على الوصاية السعوديّة فهو من حقه أن يمتلك قراره السيادي والاستقلالي وهُــوِيَّته اليمانية.

 

فاستعاد السعوديّون تاريخَهم الدموي الإجرامي ومبرّراتهم التكفيرية الظالمة التي قتلوا بها حجاج تنومة وهم يصرخون: اقتلوا المشركين.. واستبدلوها بعد مِئة عام وعام بـ: اقتلوا المجوس الروافض الحوثيين.. وما زالت المجازر مُستمرّة.

مقالات ذات صلة