اعترافاتٌ وتحقيقاتٌ دولية ومعلوماتٌ رسمية في مِلف العلاقة الفاضحة بين العدوان و”القاعدة وداعش”

كيف وظّف تحالفُ العدوان التكفيريين في اليمن: أبرز محطات التعاون المشترك

عمران نت / 24 / 8 / 2020

// صحافة //

قدَّمت العمليةُ النوعيةُ الأخيرة التي نفّذتها قواتُ الجيش والأمن واللجان الشعبيّة في محافظة البيضاء، دلائلَ واضحةً على العلاقة الوثيقة بين “داعش والقاعدة” وتحالف العدوان (بما يتضمنه من إدارة أمريكية وأدوات إقليمية ومحلية)، حيث قاتل التكفيريون في قيفة ويكلا وغيرهما من المناطق؛ باعتبَارهم جُزءاً رئيسياً من قوات هذا “التحالف”، وقام الأخيرُ بمساندتهم بالغارات الجوية وفقاً لهذا الاعتبار، ولا يوجد تفسير آخر لتلك المساندة، ومع ذلك، فإن ما كشفته العملية العسكرية والأمنية الأخيرة لم يكن سوى جزء من سلسلة براهين متنوعة أثبتت، أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، عمق هذه العلاقة وبشكل لم تعد تجدي معه أية محاولات للفصل بين تحالف العدوان والتنظيمات التكفيرية.

فيما يلي تتبع صحيفة المسيرة أبرز المحطات التي ظهرت فيها ملامح الارتباط بين العدوان والتكفيريين على أكثر من مستوى.

 

“القاعدةُ” جزءٌ رئيسيٌّ من “قوات التحالف”

بعد بداية العدوان بحوالي ثلاثة أشهر، أعلن ما يسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” أنه يشارك في 11 جبهة قتالية في اليمن إلى جانب قوات حكومة الفارّ هادي، ومع أن تحالف العدوان حاول إبقاء تلك المشاركة طي الكتمان، إلا أن التنظيم نفسه ظل يجاهر بوجوده، وكان حريصاً على رفع راياته وشعاراته داخل المواقع والجبهات التابعة للعدوان في أكثرَ من محافظة.

وبعد عام من العدوان، فجّرت شبكة “بي بي سي” البريطانية، أثبتت بالصوت والصورة وجود التنظيم التكفيري داخل مواقع العدوان ومرتزِقته، حيث بثت وثائقياً من داخل معسكرات قوات حكومة الفارّ هادي في محافظة تعز، وظهر في الوثائقي عدد من عناصر التنظيم، أكّـد أحد المرتزِقة أنهم يقاتلون معا في الجبهات، وقالت الشبكة حينها إنها حصلت على أدلة تؤكّـد مشاركة قوات من “التحالف” إلى جانب مسلحي “القاعدة” في “إحدى المعارك الكبيرة” ضد قوات الجيش واللجان الشعبيّة.

بعدَها بفترة قصيرة، نشر ما يسمى تنظيم “أنصار الشريعة” التابع للقاعدة، فيديو بعنوان “معاركَ متفرقةً في ولاية تعز” تضمن مشاهد وثقت مشاركة التكفيريين في القتال ضد الجيش واللجان الشعبيّة في عدة جبهات داخل المحافظة.

لم يكن الأمر مقتصراً على جبهة محافظة تعز، فلاحقاً، نشر “تنظيمُ القاعدة” فيديو لأحد قياداته يدعى “أبو عبد الله الضالعي” كشف أن عناصرَ التنظيم تشارك في القتال إلى جانب قوات حكومة المرتزِقة في محافظة مأرب، مؤكّـداً أن مسؤول التنظيم هناك “أبو فوّاز” يحظى بترحيب ودعم كبيرَين من قبل سلطات الفارّ هادي، ويتجول داخل معسكراتها.

وكشف “الضالعي” عن نوعين من مشاركة التنظيم في القتال إلى جانب قوات حكومة المرتزِقة، الأول، تبقى فيه العناصر التكفيرية كقوات دعم وإسناد، يتم استدعائها عند الحاجة، والثاني، تتواجد فيه العناصر التكفيرية في جبهات مستقلة مجاورة لجبهات المرتزِقة، ويحدث ذلك في مختلف محاور القتال، من مأرب إلى البيضاء إلى تعز إلى الحدود.

 

الدعمُ الأمريكي للتكفيريين في اليمن

لم يتوقف تنظيم “القاعدة” أبداً عن تأكيد وجوده كأداة عسكرية رئيسية من أدوات تحالف العدوان في اليمن، بل إن التكفيري “قاسم الريمي” زعيم التنظيم أكّـد أن القتال ضد الجيش واللجان مثل فرصةً مناسبة لاستقطاب عناصر إلى التنظيم، الأمر الذي يؤكّـد أن تحالف العدوان لم يكتفِ فقط باستخدام التكفيريين للقتال، بل سعى أَيْـضاً لمساعدتهم على التوسع.

وفي هذا السياق أَيْـضاً، يأتي الحديث عن الدعم اللوجستي الذي تلقته الجماعات التكفيرية من قبل تحالف العدوان، وهو دعم كشفته العديد من وسائل الإعلام الدولية، حيث أثبت تحقيق لشبكة “سي إن إن” الأمريكية عام 2019، أن “جماعات مرتبطة بالقاعدة” تمتلك أسلحة أمريكية، ووثّق التحقيقُ صورَ عددٍ من المدرعات التي يقودها عناصر التكفيري “أبو العباس” في تعز، بعد أن كانت واشنطن نفسها قد وضعته على “قائمة الإرهاب”.

قبلها بأشهر، كانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قد نقلت عن “أبو العباس” قوله إنه لا زال يتلقى أسلحة بملايين الدولارات ودعماً مالياً كَبيراً من دول “التحالف” بالرغم من وجود اسمه على “قائمة الإرهاب” ولا زال ذلك مستمراً حتى اليوم.

وأفادت مصادر استخباراتية لصحيفة المسيرة مؤخّراً بأن ما يسمى “تنظيم القاعدة” اتفق مع حزب الإصلاح (حكومة المرتزِقة) في يوليو الفائت، على أن يحصلَ عناصرُ التنظيم على أكثر من 40% من الذخائر والأسلحة التي يقدمها تحالف العدوان لأتباعه في مأرب، مقابل تعزيز وجود التنظيم في المحافظة (تحسباً لتوسع المواجهات مع قوات الجيش واللجان) وفتح جبهات في البيضاء لتخفيف الضغط عن مأرب.

 

صفقاتٌ بين تحالف العدوان و”القاعدة”

في 2018، فجّرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية فضيحةً من العيار الثقيل في مِلف العلاقات بين تحالف العدوان والتنظيمات التكفيرية، حيث كشفت في تحقيق مطوَّلٍ عن عدة صفقات أبرمها “التحالف” مع تنظيم “القاعدة” بالذات.

تضمنت تلك الصفقات اتّفاقاً بين “القاعدة” وتحالف العدوان، في 2016، على سحب مقاتلي التنظيم من المكلا، وتأمين خروجهم مع أسلحة وأموال وصلت إلى (100 مليون دولار) مقابل تقديم هذا الانسحاب كانتصار لـ”جهود التحالف في مواجهة الإرهاب” (أعلن تحالف العدوان نفسه في البداية أن لم يتدخل في اليمن؛ مِن أجلِ مواجهة داعش والقاعدة بل لدعم حكومة الفارّ هادي ولكنه لجأ لاحقاً إلى استخدام هذه الحيلة بعد فشله في حسم المعركة).

وذكر تحقيق “اسوشيتد برس” أن اتّفاقاً آخرَ عُقد بين “القاعدة” وتحالف العدوان لتنفيذ عملية انسحاب شكلية من زنجبار وعدة مدن كان تحت سيطرة التكفيريين في القاعدة، وإعادة توزيعهم ضمن قوات ما يسمى “الحزام الأمني” التابعة للإمارات، وقالت الوكالة أن “القاعدة” استمرت بنقل عتادها لمدة أسبوع كامل، دون أن تتعرَّضَ لأي تهديد من قبل طائرات تحالف العدوان والطائرات الأمريكية بدون طيار على حَــدٍّ سواء.

وكشف التحقيقُ عن اتّفاقٍ ثالثٍ بين القوات الإماراتية وتنظيم “القاعدة” في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة، وتضمن هذا الاتّفاق إعطاءَ مقاتلي التنظيم مبالغ مالية وصلت إلى 100 ألف ريال سعودي، وتوزيعهم ضمن قوات ما يسمى “النخبة”، مقابل أن “تقومَ القواتُ الإماراتية بإعلان نجاح ما أسمته عمليةَ السهم الحاسم لمواجهة الإرهاب في المحافظة والاحتفال بذلك أمام كاميرات التلفزيون”، حسب تعبير الوكالة.

“اسوشيتد برس” نقلت يومها عن أحد الخبراء من مؤسّسة “جيمس تاون” الأمريكية، قوله: إن “الجيش الأمريكي يدرك بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وإن “جزءاً كبيراً من الحرب على تنظيم القاعدة من قبل الإمارات والمليشيات المتحالفة معها هو تمثيلية؛ لأَنَّه من شبه المستحيل الآن التمييز وفك الارتباط بين من هو من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومن ليس كذلك”.

 

قياداتٌ تكفيرية داخل حكومة المرتزقة

إن كانت الارتباطات والصفقات سالفة الذكر من العلاقة بين تحالف العدوان والتنظيمات التكفيرية قد حملت صفةَ “السرية” لفترة معينة، فإن هناك أَيْـضاً جانباً معلناً من هذه العلاقة، لا يحتاج للكثير من التقصي، فحكومة المرتزِقة ضمت في هيكلها الكثير من الروابط الرسمية المتصلة مباشرة بالتكفيريين، من خلال المناصب التي تحتلها قياداتٌ تكفيرية، بعضُها مطلوب بشكل رسمي في قوائم “الإرهاب”.

تبدأ هذه الروابط من رأس هرم سلطة المرتزِقة، حيث يحتل الفارّ “علي محسن الأحمر” منصب نائب الفارّ هادي، بالرغم من أن سُمعة علاقته بالتنظيمات التكفيرية معروفة محلياً ودوليًّا، وقد أعطته صحيفة “ليبراسون” الفرنسية هذا العام لقبَ “بابا القاعدة في اليمن”، وهناك توجيهاتٌ خطيةٌ منه صدرت عام 2011 يدعو فيها “اللواءَ 37 مشاة” في أبين لتسليم أسلحته إلى القاعدة.

وبالرغم من أن وزارة الخزانة الأمريكية أدرجت التكفيري “نايف القيسي” ضمنَ قوائم الإرهاب، وصنّفته كقيادي في “القاعدة” إلا أنه استمر لقرابة عام في منصبه كمحافظٍ لمحافظة البيضاء في سلطة الفارّ هادي.

كما أن التكفيري “صالح الشاجري” يشغل منصباً قيادياً في قوات حكومة الفارّ هادي، رغم أنه أميرَ ما يسمى “ولاية البيضاء” في تنظيم “القاعدة.

وقام الفارُّ هادي أَيْـضاً بتعيين التكفيري “عبد الوهَّـاب الحميقاني” ضمنَ فريق المفاوضات، وهو مدرجٌ من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في قوائم “الإرهاب”.

ومثلُه التكفيري “الحسن أبكر” القيادي في حزب الإصلاح، والذي أدرجته الولايات المتحدة في قوائم ممولي “التنظيمات الإرهابية” لكن الفارّ هادي قام بتعيينه قائد لواء، وقائدا لما يسمى “محور الجوف”.

ويقودُ التكفيري “عبدُالله الأهدل” مليشيات ما تسمى “المقاومة” المدعومة من قبل تحالف العدوان في حضرموت، بالرغم من أن الولايات المتحدة تعتبره من “ممولي التنظيمات التكفيرية” أَيْـضاً.

وعيّن الفارّ هادي التكفيريَّ “علي بن محمد القوسي” محافظاً لمحافظة ذمار، بالرغم من سُمعته المعروفة بالارتباط مع “أمير ولاية ذمار” لدى تنظيم القاعدة التكفيري “محسن القادري”.

كما قام الفارُّ هادي بتعيين التكفيري “هاني بن بريك” وزيراً، برغم ارتباطه المكشوف بالتنظيمات التكفيرية، ولا زال “بن بريك” يشغل منصب نائب رئيس ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات.

وسبقت الإشارة إلى التكفيري “أبو العباس” الذي تم تعيينه قائداً عسكريًّا في قوات الفارّ هادي بمحافظة تعز، فيما أدرجته الولاياتُ المتحدة ضمن “قوائم الإرهاب”.

كانت هذه مُجَـرّد نبذة عن بعض المناصب القيادية التي يشغلها التكفيريون المشهورون والمعترَفُ بهم رسميًّا في حكومة الفارّ هادي، لكن القائمةَ تطول في بقية المستويات الوظيفية، وخَاصَّة في الجانب العسكري، الذي لم يعد أحد يستطيع أن يفرق فيه بين المنتمين للقاعدة وغير المنتمين لها، بحسب تعبير مؤسّسة “جيمس تاون” الأمريكية.

إجمالاً، بات من الواضح جِـدًّا أن الارتباطَ بين تحالُفِ العدوان والتنظيمات التكفيرية يغطي كافةَ جوانب العلاقات الرسمية منها وغير الرسمية؛ باعتبَار هذه التنظيمات جزءاً رئيسياً من الأدوات المستخدمة في خدمة مشروع “التحالف”، ومحاولات الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وحكومة المرتزِقة للتملص من هذا الارتباط أَو إنكاره، في ظِلِّ كُـلّ هذه الحقائق، ليست سوى تضليلٍ مكشوفٍ إلى حَــدِّ الفضيحة.

 

صحيفة المسيرة

مقالات ذات صلة