ما بعد الفجيرة حان رحيل الامريكان و”شرق اوسط” من دون” اسرائيل”..!

 عمران نت / 14 / 5 / 2019م

// مقالات // محمد صادق الحسيني

ان عملية ضرب الناقلات النفطية في بحر العرب قبالة ميناء الفجيرة بهذا التاريخ وبهذا المكان بالتحديد – اياً يكن الذي دبرها- انما تحمل دلالة واحدة لاغير :
لقد حان رحيل الامريكي من خليج فارس وغرب آسيا مرة واحدة والى الابد …!
وان انتهاء الوجود العسكري الاميركي الجوي والبحري في “الشرق الأوسط” استراتيجياً قد حسم امره و يجب ان يتحول من الان فصاعداً الى اجراءات عملية وآليات تنفيذ وجدول اعمال ينبغي الاتفاق عليه بين القوى الاقليمية والدولية الفاعلة حقاً والتي رسمت فعلياً قواعد التوازن الدولية الجديدة في منطقتنا..!
ثمة امر كبير جداً في طريقه للتشكل والتبلور شيئاً فشيئا بعد كل سنوات المخاض التي مرت بنا ، وتأتي محطة تفجيرات بحر العرب لترسم بعض صورة ما ينتظر منطقتنا العربية والاسلامية خلال السنوات القادمة..!
ولما كان الامريكي هو المعني الاساس بالرسالة ننقل بعض ما قاله لنخلص بعد ذلك الى الدلالات :
تعليقا على عمليات التفجيرات الضخمه التي حصلت في الفجيرة فجر يوم لأحد ١٢/٥/٢٠١٩ ، قال مستشار ترامب السابق للامن القومي ، الجنرال هيربرت ريموند ماك ماستر H.R.McMaster ، في حديث له مع صحيفة جروساليم بوست الاسرائيليه ، نشرته على موقعها الالكتروني اليوم ، قال :
هناك طريقتان لمحاربة الولايات المتحده : الاولى هي الحرب غير المتكافئه ، وهو يعني هنا حرب العصابات ، والثانية طريقه غبيه ، وهو يعني ان تدخل ايران في حرب كلاسيكية مع الولايات المتحده .
من هنا ، يتابع الجنرال ماك ماستر ، الذي شارك في حرب العراق الاولى والثانية ، يتابع قائلا :
لذلك فأن ارسال المجموعة القتاليه البحريه الاميركيه المكونة من حاملة الطائرات ابراهام لينكولن والقوه المرافقة لها ، ليس الا لارسال رسالة الى ايران فقط لا غير…!

إذن فان الوضع في منطقة الخليج خاصة ، وفِي منطقة “الشرق الأوسط” عامة ورغم كل الصخب والضجيج والتهديد والوعيد والكم الهائل من تقاذف التصريحات النارية ، ثمة ما يؤسس له على غير صورة قرقعة السلاح الخارجية يقطع فيها العالمون بخبايا الامور بانه ليس فقط بانه لا توجه ابداً لحرب كبرى ولا مواجهة مرتقبة بين الولايات المتحده الاميركيه وايران ، بل وان ثمة قراءة جديدة تتبلور لدى الامريكان تقول بما يلي :

1. هنالك عدم رغبة قاطعة لدى الولايات المتحده بشكل عام ، البنتاغون والاجهزه الامنيه او ما يسمى الدوله العميقه هناك ، والرئيس دونالد ترامب بشكل خاص ، الدخول في حروب جديده في الشرق الأوسط ، تؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحده الاستراتيجيه على الصعيد الدولي ، سواء في القاره الآسيوية او في اميركا الجنوبيه .
أي ان الصراع الاستراتيجي بين القوى العظمى لم يعد يدور على “الشرق الأوسط “وانما على الدور المستقبلي للصين واقتصادها النامي صاروخيا ، وبالتالي الدور السياسي والعسكري الذي ينتظر الصين على صعيد قيادة العالم .

2. ان ايران لم تعد تشكل بالنسبة للدولة الامريكية العميقة وترامب بشكل خاص خطراً استراتيجياً داهماً على مصالح الولايات المتحده ، لا في الشرق الأوسط ولا في بقية انحاء العالم ، حتى لو امتلكت اسلحة نووية وحتى لو أوصلت حلفاؤها ، حزب الله اللبناني والمقاومه الشعبيه في سورية والحشد الشعبي العراقي والمقاومه الفلسطينيه في الضفة ( في حال نشوب حرب )، الى القدره على شن هجوم على اسرائيل واقتلاعها من الوجود …!
حيث ان طبيعة اسرائيل كما طبيعة اكثر من نظام عربي تم تشكيله بداية القرن العشرين ، هي طبيعة وظيفيه تنتهي بانتهاء الوظيفه ، التي كانت تقدمها للمصالح الاميركيه والغربيه ، هذه الدولة او تلك .
لقد تمثلت وظيفة اسرائيل في تامين تفتيت العالم العربي واضعاف دوله حماية للمصالح النفطية للدول الغربيه بشكل خاص.
اما الان وقد اضمحل الاعتماد الاميركي ، خاصة ، على نفط الشرق الأوسط وبروز منافسة او حرب اقتصاديه وجودية بين واشنطن وبكين فان التوجه الاستراتيجي الاميركي ، للدولة العميقة وللرئيس ترامب ، هو نحو الشرق الاقصى وبالتالي تجنب إشعال حريق في الشرق الأوسط قد يقضي على ما تبقى من المصالح الاميركيه والغربيه في هذه المنطقة من العالم .

3. من هنا فان عملية الفجيرة – وبغض النظر عمن نفذها – سوف تؤدي الى تحول استراتيجي في الشرق الأوسط والعالم . تحول سوف يخدم قبل كل شيء المصالح الاميركيه في المنطقه المعنيه وذلك لان مفاعيل هذه العمليه ستؤسس ، في نهاية المطاف ، لانسحاب الاساطيل الجويه والبحريه الاميركيه وغيرها من منطقة الخليج والاتفاق مع أطراف اقليميه ، على رأسها ايران ، ودوليه ، على رأسها روسيا ، التي لها مصالح واستثمارات كبرى في منطقة الخليج ، سواء في السعوديه او الامارات او قطر او غيرها .
مما يعني ضرورة البدء بمفاوضات متعددة الاطراف ، وبمشاركة أساسيه لايران ، حول اقامة نظام امن إقليمي لحماية منطقة الخليج بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام ، دون الحاجة للتدخل العسكري المباشر للقوى العظمى وأساطيلها .

4. وهذا يعني اقامة نظام امني اقليمي ، يحافظ على مصالح الجميع ، من قوى إقليمية ودولية وبدون اسرائيل ، وبغض النظر عن احتمالية زوالها عن الوجود او تفكيكها خلال السنتين القادمتين بسبب انتهاء وظيفتها ، والذي يؤدي الى اعفاء الولايات المتحده من اعباء التواجد العسكري الكثيف في الشرق الأوسط وما يترتب عليه من اعباء ماليه واتاحة المجال لاستخدام هذه الاموال في تنمية الاقتصاد الاميركي وهو الهدف الذي يعمل عليه ترامب من اجل ضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسيه القادمه في الولايات المتحده . اذ ان السياسة الداخليه وليست الخارجيه هي ما تؤثر بشكل كبير في مواقف الناخب الاميركي .
5. قلنا ذلك ونكرر ان الولايات المتحده والرئيس ترامب لن يخوض حربا بتأثير من نتن ياهو او بن سلمان وذلك لان مصالح الدوائر الامريكية العليا فوق الجميع . ولنتذكر معا شعار ترامب الانتخابي : اميركا اولا ….!
بعد صدور تقرير المحقق الاميركي الخاص ، موللير ، بشأن علاقة ترامب بالروس قبيل وخلال حملته الانتخابيه ، وتبرئته من تلك التهم نهائيا ، اصبح ترامب اكثر حرية في التنسيق والتعاون مع الروس ، خاصة في الشرق الأوسط الذي سبق له وأعلن قراره بسحب قواته منه .
ما يعني استبعادا لسيناريوهات الحرب في الشرق الأوسط، لا بل الموافقة على استحداث نظام امن إقليمي في المنطقه ، كما أشرنا سالفا . وهو الامر الذي عبر عنه وزراء خارجية الدول الاوروبيه اليوم ، في تصريحات صحفيه اعقبت اجتماعهم مع وزير الخارجيه الاميركي في بروكسل ، والذي سيغادرها الى موسكو للاجتماع
بالرئيس بوتين ووزير خارجيته .

ان وزراء الخارجيه الأوربيون لا يمكن ان تكون تصريحاتهم حول ايران بهذه الايجابيه لولا الضوء الأخضر الاميركي .والا لأقدم هؤلاء على اتهام ايران بعملية الفجيرة وبدأوا مشاوراتهم لنقل الموضوع الى مجلس الامن الدولي …

6. من هنا فاننا على يقين بان من نفذ عملية الفجيرة ، وبغض النظر علن الجوانب الفنية فيها ، وعن طبيعة الاسلحه المستخدمة او الجهة التي تقف وراء ذلك ، فان من اهم تداعيات العمليه تمثل في إرسال رسالة الى من يهمه الامر تنص على ما يلي :
ان الولايات المتحده ليست بحاجة ولا بصدد خوض حرب ضد ايران ، من اجل ضمان مصالحها وان التعاون الإيجابي مع ايران هو الكفيل بذلك . كما ان بنية دول الخليج الهشة لا تحتمل حربا في المنطقه وان الحرب ان اشتعلت فلن يبقى بعدها شيئاً اسمه دول خليجيه .
والأهم من ذلك ان الرسالة قد وصلت الى عنوان المرسل اليه وان ما يدور من اتصالات واجتماعات ، بين الولايات المتحده والدول الاوروبيه وروسيا ، يشير فقط الى ان البحث يدور حول التوافق على آليات امنيه تلغي التصعيد القائم وتؤسس لمرحلة جديده من التعاون الدولي ، خاصة في مجال مشروع الحزام والطريق الصيني العملاق .
اما الدليل على وصول الرسالة الى من يلزم وصولها اليه فهو ما يعبر عنه الصمت الخليجي الذي يشبه حالة ابتلاع الموسى واستثناء دول الخليج كافة من اَي نوع من هذه الاتصالات ، على الرغم من حصول عملية التفجير على اراضي مشيخة الفجيرة الاماراتيه ، بعكس ايران التي اكدت تصريحات وزراء خارجية الدول الاوروبيه العظمى اليوم ، ومعهم وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني ، بعيد اجتماعهم مع وزير الخارجيه الاميركي في بروكسل ، على ضرورة استمرارها وعلى ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي معها .
اذن فالرسالة وصلت والهدف التكتيكي تحقق ايضا ، فيما الهدف الاستراتيجي على الطريق .
وهي حالة تشبه تماما ما حصل في بيروت ، عام ١٩٨٣ عندما تم تفجير مقر المارينز الامريكي ، حيث اجبر يومها الجيش الاميركي على الانسحاب من لبنان ، مما ادى الى وقف مشروع السيطرة الاميركيه المباشرة على المنطقه انطلاقا من لبنان …!
ونعني بذلك ان الانسحاب الاميركي ، من منطقة الخليج وبقية انحاء الشرق الأوسط ، ستتم بهدوء وبشكل سلس وآمن ، وليس تحت النيران ، مما يحافظ على ماء وجه الولايات المتحده ويخلق انطباعا بان الانسحاب قد تم بعد تحقيق الاهداف .
ولا بأس من ذلك لان هذا الانسحاب سيفرز تغيرا استراتيجيا مزلزلاً لن تبقى بعده أنظمة الدول الخليجيه ومعها نتن ياهو و”دكانته” فوق الارض ….!
اتى امر الله فلا تستعجلوه
بعدنا طيبين قولوا الله

مقالات ذات صلة