التنمية لا تقوم إلا على أساس من هدي الله سبحانه وتعالى، من أجل الحفاظ على كرامة الأمة

إن التنمية لا تقوم إلا على أساس هدي الله سبحانه وتعالى، أليسوا يقولون هم مقولة اقتصادية: [إن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها]؟ الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها. لا بأس، هذه حقيقة، فإذا ما كان هذا الإنسان يسير على هدي الله سبحانه وتعالى، إذا ما كانت نفسه زاكية، إذا ما كانت روحه صالحة، ستنمو الحياة، وتعمر بشكل صحيح.

نحن نسمع كلمة [التنمية] كل سنة، وكل أسبوع، وكل يوم [تنمية، تنمية] ونحن نرى نمو الأسعار، أليس كذلك؟ ما الذي يحصل؟ هل هناك نمو فيما يتعلق بالبنى التحتية الاقتصادية، أو أن هناك نمواً في الأسعار؟ أليس هناك غلاء؟ أليس هناك انحطاط في النفوس والقيم؟ ليس هناك تنمية لا في واقع النفوس، ولا في واقع الحياة، وإن كانت تنمية فهي مقابل أحمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن.

التنمية من منظار الآخرين هي: تحويلنا إلى أيدٍ عاملة لمنتجاتهم، وفي مصانعهم، تحويل الأمة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم، ألا يرى أحد من الناس نفسه قادراً على أن يستغني عنهم؛ قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم، هل هذه تنمية؟

فنحن نقول: نريد التنمية التي تحفظ لنا كرامتنا، نريد نمو الإنسان المسلم في نفسه، وهو الذي سيبني الحياة، هو الذي سيعرف كيف يعمل، هو الذي سيعرف كيف يبني اقتصاده بالشكل الذي يراه اقتصاداً يمكن أن يهيئ له حريته واستقلاله، فيملك قراره الاقتصادي، يستطيع أن يقف الموقف اللائق به، يستطيع أن يعمل العمل المسئول أمام الله عنه.

الآن أليس الناس كلهم يخافون من أن يعملوا شيئاً ضد أمريكا أو ضد إسرائيل؟ بل يخافون متى ما سمعوا أن هناك تهديداً لشعب آخر؛ لأنه ربما يحدث غلاء فيما يتعلق بالحبوب، وفيما يتعلق بالحاجيات الأخرى فيسارعون إلى اقتناء الحبوب بكميات كبيرة، أليس هذا هو الذي يحصل؟

نرى أنفسنا أننا لا نستطيع أن نقف المواقف التي يجب علينا أن نقفها؛ لأننا نعرف أن حاجياتنا كلها هي من عند أعدائنا، أليس هذا هو الذي يحصل؟ ومن الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة؟ هم أولئك الذين يعدوننا بالتنمية، يعدوننا بالتنمية كل يوم، كل يوم.

ولكن عندما نقول: يجب أن نعمل، نحن نريد أن نعرض أنفسنا لرحمة الله سبحانه وتعالى الذي يقول: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن:16) نحن الذين يجب أن نبدأ, أن نعمل وإن تعبنا، وأن نعلن عن وحدة كلمتنا في مواجهة أعداء الله من اليهود وأوليائهم، وأن نقول ما يجب علينا أن نقوله، وأن نعمل ما بإمكاننا أن نعمله في سبيل الحفاظ على ديننا وكرامتنا، في سبيل أداء مسئوليتنا التي أوجبها الله علينا في كتابه الكريم، وهناك سيبدأ الله سبحانه وتعالى برحمته لنا {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} لقد وصلنا إلى وضعية لا بد في طريق التخلص منها أن نسير وأن نبدأ نحن ولو تعبنا، إن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11).

فلا نتصور أنه – إذاً – إذا كان الله يريد منا أن نعمل عملاً ما، إذاً فليبدأ هو: لينزل علينا الأمطار، ويسبغ علينا النعم، فنرى أنفسنا نملك غذاءنا، ونرى بين أيدينا الحاجيات الضرورية من داخل بلادنا، ثم إذاً نحن مستعدون أن نعمل. لا.

أنتم من فرطتم، الأمة من فرطت، ولا يأتي فرج إلا بعد شدة، ولو كانت الشدة هي عملية النقلة للخطوة الأولى، وقد يكون أبرز شدائد الدنيا في هذا العصر هو ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فنحن قلنا: يجب أن نعمل، وأن نتحدث، وأن نكشف الحقائق، وأن نعلن عن وحدة كلمتنا، وأن نعلن أنه لا بد أن نحيي القرآن في أنفسنا، وفي واقع حياتنا قبل أن يتحول إلى كتاب إرهابي يغيب من بين أيدينا، ومن مساجدنا وبيوتنا، أو أن هذا غير محتمل؟ لقد غاب في بلدان الاتحاد السوفيتي أيام كان يحكمها اليهود باسم الحزب الشيوعي الذي كان أعضاء اللجنة المركزية فيه معظمهم من اليهود، استطاعوا أن يغيبوا القرآن في بلدان واسعة هي أوسع من البلاد العربية بكلها فغيبوه.

والآن عنوان [إرهاب] سيتجهون إلى القرآن، ويتجهون إلى كل كلمة فيها حديث عن اليهود، أو لعن للظالمين أو للفاسقين، أو للمجرمين، وحينها – ولن يصل الأمر إلى هذه الحالة إلا بعد أن نكون قد خذلنا من قبل الله سبحانه وتعالى كما أعتقد – وحينها لا نستطيع أن نعمل شيئاً.

فيجب قبل أن نسمع – وأكرر كما كررت في الجلسة السابقة – أن نحيي في أنفسنا, وفي واقع حياتنا ما يمسح أن تترسخ كلمة [إرهاب] في داخل نفوس الناس في بلادنا, وفي أي بلاد يمكن أن يصل إليها صوتنا، وأن نعلن أننا الآن اتجهنا بجدية إلى القرآن الكريم؛ لنحيي القرآن في نفوسنا وفي واقعنا. ومن الذي يستطيع أن يحول بيننا وبين القرآن إلا بعد أن نكون قد شهدنا على أنفسنا بالكفر.

نحن نريد أن نثقف أنفسنا بثقافة القرآن الكريم، وأن تتسع أعمالنا في الدنيا بسعة المجالات التي تناولها القرآن الكريم، فمن يمنعنا ممن يحمل اسم إسلام فليس بمسلم، من يعمل ضدنا ونحن نتحرك لنثقف أنفسنا بثقافة القرآن قبل أن يثقفنا اليهود – أكثر مما قد حصل – بثقافتهم، فإنه من أولياء اليهود, من يحاول أن يحول بيننا وبين ذلك.

أو نقول لأنفسنا من الآن بأننا غير مستعدين أن نكون جادين في هذه المسألة، هل أحد منا مستطيع أن يقول: لا. أنا لست معكم؟

أنتم – أيها الإخوة – في هذه القاعة هل أحد مستعد أن يقول: أنا لست جادا معكم في هذا، ولا أريد أن أتثقف بثقافة القرآن، أنا سأبحث لي عن مكان آخر، أو وسيلة أخرى، أو سأنطلق انطلاقة أخرى؟ كلنا نقول: لا. كلنا نقول: لا. ويجب أن نقول: لا. وإلا فماذا وراءنا؟ بالله عليكم ماذا وراءنا؟

أليس الحديث عن جهنم هو ما ملأ صفحات القرآن الكريم؟ أليس الحديث عن الذلة والشقاء وظنك المعيشة في الدنيا هو ما امتلأت به آيات القرآن الكريم؟ ليعِد من يعرضون عن ذكره، من ينبذون كتابه وراء ظهورهم، أليس هذا هو ما نعرفه في القرآن الكريم؟ إذاً لا مجال من أن ننطلق لنثقف أنفسنا بالقرآن الكريم قبل أن يثقفنا الآخرون.

ونحن نثقف بهذه المفسدة الرهيبة مسألة: [الإشتراء بآيات الله ثمنا قليلاً] أسألُ أيَّ واحد منكم (الذي يتساءلون بأنه لا يلمس أن هناك نفوذاً لليهود داخل نفسه): عندما زار المسئول الأمريكي اليمن وسمعته يعد الرئيس بأن تسهم أمريكا في مجال التنمية، هل تبادر إلى ذهنك أن هذا هو من الإشتراءبآيات الله ثمنا قليلاً؟ لا.

وإنه لمن أشهر وأعظم المصاديق لهذه الآية، وإنها النفس اليهودية التي نفذت إلى كبيرنا وصغيرنا، حتى ربما قد يكون بعضنا يفرح، بماذا يمكن أن تفرح؟ أنت تنسى في الوقت نفسه أن الله قال لك عن اليهود: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (البقرة: من ال آية105). فهذه التنمية التي تسمع عنها، تنمية، هل تعتقد أنها تنمية حقيقية؟ هم يحذرون من أن يعطوك تنمية حقيقية تعطيك بنية اقتصادية حقيقية تقف على قدميك فوق بنيانها أبداً.

لا تخرج تنميتهم عن استراتيجية أن تبقى الشعوب مستهلكة، ومتى ما نمت فلتتحول إلى أيد عاملة داخل مصانعهم في بلداننا، لإنتاج ماركاتهم داخل بلداننا، ونمنحها عناوين وطنية [إنتاج محلي] والمصنع أمريكي، المصنع يهودي، والمواد الأولية من عندهم، وحتى الأغلفة من عندهم. التنمية لهم هنا، وفروا على أنفسهم كثيراً من المبالغ لأن الأيدي العاملة هنا أرخص من الأيدي العاملة لديهم في بلدان أوربا وأمريكا وغيرها من البلدان الصناعية، إذاً فلتكن [السجائر] هنا منتجاً محلياً [صنع في اليمن] [صابون كذا صنع في اليمن]، لكن بترخيص من شركة من؟ زر المصنع وانظر أين يصنَّع حتى الغلاف، وانظر من أين تأتي المواد الأولية، لترى في الأخير من يعمل الجميع معه؟ إنهم يعملون مع اليهود والنصارى، هل هذه تنمية؟!

عد إلى واقع الحياة، أين التنمية الزراعية؟ أين الزراعة؟ أين قوت الناس الضروري؟ ألم يكن قد غاب؟ ألم يغب نهائياً؟ لقد غاب فعلاً، هل يملك اليمن الآن ما يكفيه شهراً واحداً من إنتاج أرضه، من قوته من الحبوب؟ لا يوجد. هم يعملون أشياء أخرى ولكن لن تجد نفسك أكثر من متجول في سوق كبيرة تستهلك منتجاتهم، ولن تجد نفسك تتجول داخل مصانع هي تتحرك، والأيدي العاملة تتحرك وتحركها، كلها تعمل معهم، ليس هناك تنمية.

القروض التي يعطوننا قروضا منهكة، مثقلة. وهل تعتقدون أن القروض تسجل على الدولة الفلانية، أو على الرئيس الفلاني، أوعلى رئيس الوزراء الفلاني؟ إنها تسجل على الشعب، وهي في الأخير من ستدفع من أجساد الشعب نفسه في حالة التقشف التي مرت بها بلدان أخرى أنهكتها القروض، يفرضون حالة من التقشف، ألسنا متقشفين؟ ستفرض حالات أسوأ مما نحن فيها تحت عناوين أخرى، ستدفع أنت ثمن تلك القروض من شحمك ولحمك أنت وأبناؤك، تذبل أجسامنا من سوء التغذية، فندفع تلك الفوائد الربوية، من أين؟ من شحمنا ولحمنا ودمائنا، ألستم تسمعون بأن هناك بلدانا كالبرازيل وبلداً كتركيا أصبحت الآن مشرفة على أن تعلن عن حالة التقشف؟ واليمن ألستم تسمعون كل شهر قروضاً؟

قروض بعد قروض، كنا في مجلس النواب لا يكاد يمر أسبوع واحد ليس فيه قروض، وهم يصادقون عليها، قروض بالملايين من الدولارات، قروض شهراً بعد شهر، سنة بعد سنة، قروض [للتنمية، للتنمية] نَمَوا هم، أما نحن فما نزال جائعين، أليس كذلك؟ المسئولون هم من نمَوا، هم من غلظت أجسامهم، وعلت بيوتهم وقصورهم، هم من نَموا، ونمت شركاتهم، من نما أولادهم، من نمت أرصدتهم في البنوك، والشعب هو من سيدفع ثمن ذلك كله؛ لأنه كله من القروض.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ملزمة (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلا)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.

بتاريخ: 11من ذي القعدة 1422هـ

الموافق:24/ 1/2002م

اليمن – صعدة.

مقالات ذات صلة