لماذا فشلت خطة الانقلاب السعودي في قطر ؟

عمران نت/ 16 سبتمبر 2017م
كان ما حدث في يونيو/حزيران 2017 هو انقلاب قصر بالفعل عندما أقال الملك «سلمان» ولي عهده «محمد بن نايف»، وصعد بدلا عنه ابنه «محمد بن سلمان»، إلى المنصب.

وهذه العملية قد لا يسهل تكرارها في قطر، وبعد أكثر من 3 أشهر من الأزمة السعودية القطرية، لم تنجح الرياض في زعزعة استقرار دولة قطر وتحويلها إلى دولة منبوذة، ونتيجة لذلك، يلجأ «سلمان» وابنه إلى المؤامرات القبلية القديمة وإلى الاستفادة من الانقسامات القطرية الداخلية.

استخدم السعوديون الحج كذريعة، إنها سياسة تشبه إلى حد كبير السياسة الاستعمارية البريطانية القديمة في الخليج، والتي غالبا ما أدت إلى إقالة أي شيخ صعب المراس عبر استبداله بذكاء، وبدلا من ذلك وجد السعوديون شيخا قطريا غامضا، مع علاقات تجارية وعلاقات زواج في السعودية، لمتابعة الاستراتيجية القديمة لخلق قيادة بديلة تتحدى أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني».

وكان الملك «سلمان» قد استدعى الشيخ «عبدالله بن علي بن جاسم آل ثاني»، وهو عضو معروف في البيت الحاكم في قطر، إلى طنجة لعقد اجتماع معه، وأعلنت وكالات الأنباء السعودية أن «عبد الله» هو سليل من فرع الأسرة الحاكمة التي كانت في السلطة لعقود حتى عام 1972، وأن شقيقه «أحمد»، تمت الإطاحة به في عام 1972 من قبل جد «تميم».

وفجأة، تم تقديم «عبد الله» وبشكل افتراضي أيضا على «تويتر» على أنه «صوت العقل» الذي سيقدم الخلاص إلى الإمارة الصغيرة المحاصرة، وحاول أن يبدو أنه هو من أنقذ المؤمنين القطريين الذين يريدون أداء الحج وسط العقوبات والحصار.

ويرجع السعوديون الفضل إلى الشيخ الجديد في تيسير المفاوضات مع الملك السعودي نيابة عن الحجاج القطريين الذين يريدون رحلة سلسة إلى مكة، وإن كان ذلك غير مصرح به من قبل الدوحة، وبدا أن الرياض تحاول خلق صدع بين «تميم» وشعبه من خلال الترويج لعضو آخر من أسرة آل ثاني باعتباره الشخص الرئيسي في هذه المفاوضات.

ولكن هذا لم يحدث، وبدلا من ذلك، استخدم القطريون وسائل التواصل الاجتماعي لتجديد ولائهم لشيخهم الشاب، وإذا كان لدى «عبد الله» أي آمال أو تخيلات لاستبدال «تميم»، فإنها يجب أن كون تبخرت الآن، وإن أي استطلاع سريع للعالم الافتراضي، حيث تحدث معظم الأشياء الخليجية، يقود المرء إلى إدراك أن الانقلاب السعودي قد أجهض بسهولة، وقد فقد «عبد الله» على الفور مصداقيته عندما بدأ بالثناء على الملك السعودي.

الغيرة السعودية
وقد استجاب القطريون ببساطة من خلال فيضان على شبكة الإنترنت محمل بالثناء على أميرهم، الذي يعد فرع الأسرة المسؤولة عن الازدهار الذي جعل الجيران السعوديين غيورين جدا.

وعندما ضاعف والد «تميم» رواتب موظفيه، وبنى مدنا ترتكز على التعليم، ووفر رفاهية سخية، شعر أفراد العائلة المالكة السعوديون بعدم الارتياح إزاء عدم توفير موارد مكافئة لمواطنيهم، وكان السعوديون وما زالوا يعانون من نقص في المساكن وارتفاع في الأسعار وتقلص في حالة الرفاهية، وقبل الأزمة، كان الكثير من الخريجين السعوديين وحتى المعلمات يطمحن إلى إيجاد وظائف في الدوحة بدلا من الرياض، وكان «علي الظفيري»، وهو صحفي سعودي، ناجحا وقديرا جدا كوجه سعودي على قناة الجزيرة حتى استقال في الأيام الأولى من الأزمة وعاد إلى دياره.

قد تكون الطريقة القديمة للقيادة السعودية لتقسيم الأسرة الحاكمة القطرية قد نفعت منذ مئة عام، ولكن ليس من المؤكد أنها ستنفع الآن.

وتطلع العديد من المحاضرين والمعلمات السعوديين للانتقال إلى قطر، ومن هؤلاء «هاتون الفاسي»، وهي متخصصة في علم الآثار العربي القديم، تدرس في جامعة قطر لعدة سنوات و«محمد الأحمري»، أحد الكتاب الأكثر غزارة، الذين كتبوا عن الإسلام والديمقراطية بحثا جيدا وقدموا بعناية، ومن الذين تخلوا عن جنسيتهم السعودية وأصبحوا قطريين منذ عدة سنوات، والآن يشغل «الأحمري» مدير مركز أبحاث في الدوحة.

يوجد العديد من الصحفيين والمفكرين السعوديين الشباب الذين كانوا يكتبون في وسائل الإعلام التي يرعاها القطريون، والمواقع الإلكترونية والعديد من المنتديات البحثية، ويأمل الخريجون السعوديون في العثور على عمل في العديد من مؤسسات التعليم العالي القطرية، خاصة معهد الدوحة للدراسات العليا.

ومن غير المرجح أن تنجح السعودية في محاولة انقلابها ويبدو أنه في غياب أي معارضة حقيقية للأمير القطري الحالي، فإن الترويج لمعارضة أخرى ليس بهذه البساطة، حيث تتمتع قطر بأحد أفضل المعجزات التي يمكن أن تضمنها وهي ثروة النفط والغاز، وقد أثبت السكان ذوو الثروات الهائلة مقاومة هذا النوع من المؤامرات التي رسمها السعوديون في الرياض.

البطاقة القبلية
إن الصراع السعودي مع قطر لا يتعلق ببساطة بالشروط الـ13 التي يجب على قطر أن تحققها قبل أن تعود إلى حضن الخليج.

إن رعاية الإرهاب ودعم الإسلاميين وتشجيع الأخبار المثيرة للجدل على قناة الجزيرة ليست هي القصة الكاملة وراء الحملة السعودية لإعادة قطر إلى مكانها الصغير، فخلال الخمسينات والستينات، حاولت مصر «ناصر» زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية باستخدام الخطاب المناهض للإمبريالية والقومية العربية، ولكن لم ينجح أي من المسارين في الإطاحة بالنظام في الرياض.

إن قطر مختلفة، ومن أجل زعزعة استقرار الدوحة، لم يكن للسعودية سوى «عبد الله»، وفي الوقت نفسه، تمتلك الإمارة الصغيرة العديد من العصي لزعزعة الفناء الخلفي السعودي، فلديها خليط من الإسلاميين الساخطين إلى القوميين العرب الجدد الشباب الذين يشيرون إلى أنفسهم على أنهم «القوميون العرب الجدد»، حيث ترعى قطر العديد من الاتجاهات السياسية السعودية الحديثة، بما في ذلك المثقفون الشباب والناشطون الراغبون في العثور على منتدى ومخرج لأفكارهم، ويمكن لقطر أن تستمر بسهولة في الارتجال كما فعلت دوما.

والأهم من ذلك، يمكن أن تلعب قطر أيضا لعبة القبائل التي بدأها السعوديون بالفعل، وتقريبا فإن جميع القبائل العربية الرئيسية في عجمان، شمر، مطير وعتيبة لها أبناء عمومة وعائلات ممتدة على جانبي الحدود.

على سبيل المثال، شمر، التي كانت تحكم من حائل في شمال السعودية إلى سنجار في العراق، تعد ممثلة تمثيلا جيدا في قطر، وهناك قد وجدوا وظائف ورواتب أفضل من أبناء عمومتهم في الحرس الوطني السعودي أو أولئك الذين يعملون كمزارعين غير ناجحين في صحراء النافود وحول مدينتهم التاريخية في شمال البلاد.

وينطبق الشيء نفسه على المجموعات القبلية الأخرى، ولاسيما تلك التي لا تزال تحتفظ بمعارضين ضد نظام الرياض لاستبعادهم من أي مناصب حكومية هامة، فالعديد من الجماعات القبلية ليس لها تقارب جدي مع آل سعود ويمكنها أن تتحول بسهولة كما كانت تفعل في الماضي.

وهناك العديد من قادة القبائل الطموحين، وهي جهات فاعلة سياسية براغماتية تسعى خلف مصالحها الخاصة وكثيرون منهم استاءوا من حقيقة أنهم كانوا قد استخدموا لتأسيس المملكة كمحاربين موحدين لكنه تم القضاء عليهم وفصلهم فور انتهاء المهمة.

وتعتقد الحكومة السعودية خطأ بأنها مملكة قبلية، وفي الواقع، فقد همشت جميع الجماعات القبلية وألغت قيادتها المزعجة، وضمت القبائل في الحرس الوطني لكنها فشلت في دمجها في الحكومة والقيادة، وفي هذا الجزء من العالم، يعد التاريخ مهما جدا، على الرغم من أن خطابهم يؤكد على ثبات قانون القبائل، ولكن يمكن لأي مؤرخ تتبع تأرجح الولاءات ومناوراتها الداهية.

وتعد القبال في المقام الأول، عناصر سياسية نجت من الماضي الاستعماري ومن هجمة الدول القومية، وقد يعبرون عن أنفسهم في شعر قديم ويحتفلون بالجمال وأواني القهوة والفروسية من حقبة ماضية ولكنهم يظلون قوة نائمة يمكن للحكومات أن تعبئها إذا ما احتاجت إليها.

وهم الآن متعلمون ومستعدون لتبديل الخطابات القديمة حول التضامن القبلي والمجد بأفكار سياسية جديدة، ويعتبر المشرع والناشط الشهير في الكويت «مسلم البراك» الذي كان في السجن وخرج منه لتحدي عائلة الصباح الحاكمة مثالا صارخا على «القبلية الحديثة» التي تستطيع التعبئة عبر الانقسامات القبلية، ويمكن لقطر بسهولة العثور على النسخة السعودية التي ستكون من دون شك مشكلة للرياض.

من خلال محاولة التدخل في سياسات العائلة القطرية الحاكمة فإن السعوديون يلعبون بالنار ويخاطرون بإحراق أصابعهم، إن محاولتهم اليائسة لتعزيز قيادة قطرية بديلة هي استدعاء محرج للماضي الذي فشل حتى الآن في تحقيق أهدافه.

الخليج الجديد

مقالات ذات صلة