
الملف الأسود .. السيطرة السعودية على المناطق النفطية اليمنية ونهبها بتواطؤ مع سلطة عفاش
تقرير / طارق الحمامي
تعد الثروات النفطية في اليمن من بين الأصول الاقتصادية الاستراتيجية التي كانت تحيط بها التحديات السياسية والاقتصادية على مدار عقود، منذ بداية حكم ’’عفاش’’ وحتى عدوان التحالف الأمريكي السعودي العسكري في عام 2015، كانت اليمن تواجه ضغوطات معقدة تخص إدارة مواردها الطبيعية، على رأس هذه القضايا كان النفط اليمني، الذي شكل نقطة تصارع بين القوى الإقليمية والدولية على مدى سنوات، كان هذا القطاع أحد الأسباب الرئيسية وراء العدوان السعودي في شؤون اليمن، حيث سعت الرياض للسيطرة على منابع النفط والغاز، وبالتوازي، ساعدت سلطات عفاش في تمكين الشركات الأجنبية من نهب هذه الثروات عبر صفقات مشبوهة، مما أضعف اقتصاد البلاد وأدى إلى حرمان الشعب اليمني من الاستفادة من هذه الثروات.
السيطرة السعودية على النفط اليمني .. دوافع وأهداف استراتيجية
منذ بداية العدوان الأمريكي _ السعودي على اليمن في عام 2015، كان ملف النفط واحدًا من أبرز الدوافع التي تقف وراء تدخل المملكة في هذا الصراع، فقد كانت المناطق اليمنية الغنية بالثروات النفطية، مثل شبوة وحضرموت ومأرب والجوف، تشكل حجر الزاوية في هذا الصراع الإقليمي، حيث سعت السعودية إلى فرض سيطرتها على هذه المناطق بغية الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.
على الرغم من أن السعودية كانت قد اتخذت من الحساسية الحدودية مع اليمن حجة لرفض التفاهمات حول الحدود مع سلطة عفاش، إلا أن هذه الحجة لم تكن سوى غطاء لإخفاء الطموحات السعودية في استحواذ أكبر على الثروات النفطية في المناطق الجنوبية الشرقية من اليمن.
تسعى السعودية إلى أن تظل تلك المناطق خارج دائرة سيطرة الحكومة اليمنية، وتمنع أي مسار يمني يهدف إلى التحرر من الوصاية الإقليمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستفادة من الثروات النفطية التي يمكن أن تعزز استقلالية اليمن الاقتصادية والسياسية.
التواطؤ بين سلطة عفاش والشركات الأجنبية
إحدى أبرز السمات التي تميزت بها فترة حكم ’’عفاش’’ كانت الصفقات النفطية المشبوهة مع الشركات الأجنبية، والتي لم تكن تصب في مصلحة الشعب اليمني، فقد تم منح العديد من الشركات النفطية العالمية امتيازات واسعة لاستخراج النفط في مناطق غنية بالثروات، ولكن ذلك تم بتكاليف باهظة على مستوى الموارد البشرية والاقتصادية في البلاد.
تمثلت الممارسات التآمرية في غموض شروط الاتفاقيات، حيث كانت معظمها تفتقر إلى الشفافية، ولا تعكس التوازن في توزيع العائدات، نظام المشاركة في الإنتاج الذي تم اتباعه لم يكن سوى وسيلة لتمكين الشركات الأجنبية من استعادة تكاليفها بسرعة، بينما كانت سلطة عفاش تتسلم حصتها متأخرة وبنسب أقل من المتفق عليها.
بالإضافة إلى ذلك، كان يتم التلاعب بتكاليف التشغيل لتقليص حصص الحكومة اليمنية من الأرباح، وفتح المجال أمام الشركات الأجنبية للتحكم في عمليات الإنتاج بشكل غير مباشر، عبر شبكات اقتصادية وعسكرية تخدم مصالحهم دون مراعاة لمصالح الشعب اليمني.
غياب الرقابة والتواطؤ الرسمي مع الشركات الأجنبية
السلطة اليمنية، تحت قيادة عفاش، كانت تغض الطرف عن المخالفات الكبيرة في عمليات استخراج النفط، سواء من خلال التواطؤ مع الشركات الأجنبية أو عن طريق السماح لهم بالتلاعب في عمليات التصدير والإنتاج.
بالنسبة للعديد من المناطق اليمنية الغنية بالنفط مثل شبوة وحضرموت، كانت الرقابة الحكومية شبه غائبة، مما سمح للشركات الأجنبية بممارسة نشاطها بحرية كاملة، حيث كانت المخزونات النفطية اليمنية تُنهب تحت غطاء من الصفقات السرية.
تأثير الفساد على الاقتصاد اليمني
إن نهب الثروات النفطية وتواطؤ السلطات مع الشركات الأجنبية كان له تأثير مباشر على الاقتصاد اليمني، حيث حرمت الصفقات المشبوهة البلاد من عوائد مالية ضخمة كان يمكن أن تساعد في تنمية القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، بل إن الفساد في القطاع النفطي جعل من اليمن دولة تعتمد بشكل متزايد على الدعم الخارجي، مما قلل من قدرتها على تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة المواطنين.
تم توجيه جزء من هذه العوائد إلى حسابات خاصة لشخصيات سياسية نافذة ، بينما كان المواطن اليمني يعاني من الفقر والبطالة، في الوقت الذي كانت البلاد تزخر بثروات طبيعية هائلة، ويعد ذلك جزءًا من مخطط إفقار اليمن الذي ساهم في تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
التدخل السعودي .. تعزيز الهيمنة الاقتصادية على النفط اليمني
كان العدوان العسكري الأمريكي السعودي على اليمن يحمل في طياته أهدافًا اقتصادية استراتيجية تتعلق بالسيطرة على المناطق الغنية بالنفط، فقد سعت الرياض إلى منع أي تحرك يمني نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي من خلال منع استغلال هذه الثروات لصالح الشعب اليمني.
تمثل هذا التدخل في السيطرة على المنشآت النفطية في مناطق مثل الجوف وشبوة وحضرموت، وفرض النفوذ السعودي عبر الدعم العسكري والسياسي لفصائل محلية موالية لها، سواء كان ذلك في الشمال أو الجنوب، وكانت الرياض تستغل هذا الوضع من أجل حماية مصالحها النفطية وضمان وصول النفط اليمني إلى الأسواق العالمية عبر الطرق التي تتحكم فيها.
المهرة .. نقطة توتر جديدة في الصراع النفطي
من بين المناطق التي تبرز أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للسعودية هي المهرة، التي تعتبر نقطة تماس بحرية وبرية حيوية. هذه المنطقة، إلى جانب كونها ذات أهمية استراتيجية في مجال التجارة البحرية، تحتوي على ثروات نفطية وغازية مخفية لم تُستكشف بالكامل بعد، كانت السعودية قد عززت وجودها العسكري في المهرة ضمن خطة شاملة للسيطرة على هذا الطريق الحيوي، بينما كانت سلطة عفاش غير قادرة على التدخل بشكل فعال بسبب ضعف سيطرتها على المنطقة.
تواطؤ داخلي وإقليمي لنهب ثروات اليمن
تبقى الثروة النفطية اليمنية أحد الأبعاد المعقدة التي تفسر لماذا على مدى سنوات طويلة، سعت السعودية من خلال الضغط العسكري والاقتصادي إلى الحفاظ على نفوذها في المناطق الغنية بالنفط، منعًا لتنامي أي استقلال اقتصادي يمني، في الوقت ذاته، كانت الشركات الأجنبية تستفيد من غياب الرقابة والمشاركة غير المتكافئة في توزيع الثروات، بينما كان الفساد الرسمي يضفي شرعية على عمليات النهب.
هذا الوضع خلق تواطؤًا داخليًا وإقليميًا كان له تأثير عميق على مستقبل الاقتصاد اليمني، حيث أضاع فرصًا كبيرة للتنمية وجعل اليمن في حالة تبعية اقتصادية لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها حتى اليوم.
نقلا عن موقع يمانيون




