
نزع وتدمير السلاح اليمني .. كيف أسقطت ثورة الــ 21 من سبتمبر المؤامرة؟
تقرير / طارق الحمامي
في خضم تحولات سياسية وعسكرية عاشها اليمن خلال العقود الماضية، تكشفت خيوط مؤامرة عميقة استهدفت تقويض قدراته الدفاعية، بدءًا من تدمير منظومات الدفاع الجوي، مرورًا بتعطيل سلاح الجو، ووصولًا إلى تفجير وتصفية المخزون الصاروخي الاستراتيجي، وذلك بأوامر مباشرة من واشنطن ونفذها النظام السابق .
غير أن ثورة 21 سبتمبر 2014 جاءت لتعيد رسم ملامح المشهد العسكري اليمني، عبر إطلاق مشروع وطني طموح هدفه بناء جيش وطني قوي ومستقل، يعتمد على التصنيع العسكري المحلي ويستعيد للجيش مكانته كحامٍ للسيادة لا كأداة تابعة للخارج.
تدمير الدفاع الجوي .. شراكة بثمن السيادة
منذ مطلع الألفية الجديدة، سعت الولايات المتحدة إلى تقليص قدرات الدفاع الجوي اليمني تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” و”ضمان أمن المنطقة”، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
فقد تم تفكيك وتعطيل عدد كبير من منظومات الدفاع الجوي والصواريخ أرض _ جو، دون أن تكون هناك مبررات عسكرية أو ميدانية لذلك، تمت العملية عبر اتفاقات سرية بين النظام السابق والجانب الأمريكي، نتج عنها إفراغ الساحة اليمنية من أحد أهم عناصر التوازن العسكري.
تفجير وتعطيل الطائرات اليمنية .. سلاح الجو في مرمى التآمر
لم يتوقف المسار عند الدفاعات الجوية، بل شمل استهدافًا ممنهجًا لسلاح الجو اليمني، ونفذت حوادث تفجير داخل القواعد الجوية، وخارجها صنّفت رسميًا كـ”أخطاء فنية”، رغم أنها استهدفت طائرات بعينها، وتعطيل الطائرات الصالحة للخدمة عبر حرمانها من الصيانة وقطع الغيار، وترك الطائرات المتهالكة فقط في الخدمة، وتم إقصاء الطيارين الأكفاء وحرمان الأجيال الجديدة من التدريب والتأهيل.
وأكدت تقارير أن كل هذه الإجراءات تمت بتنسيق استخباراتي أمريكي، ضمن خطة لتحييد اليمن جويًا وإبقائه عاجزًا عن الرد على أي عدوان خارجي.
تدمير المخزون الصاروخي الاستراتيجي .. بأوامر أمريكية
واحدة من أخطر حلقات هذه المؤامرة تمثلت في إصدار رئيس النظام السابق ’’عفاش’’، بتوجيه مباشر من الأمريكيين، أوامر لقادة ألوية الصواريخ بتدمير كل المخزون الاستراتيجي من الصواريخ الباليستية، وكشفت تقارير أنه تم تفجير مخازن صواريخ سكود ومنظومات بعيدة المدى في مواقع متعددة، وتم التعتيم على الوثائق والمعلومات المتعلقة بالمخزون ومنع أي رقابة وطنية أو مؤسسية على العملية، وأُقصي ضباط كبار مختصون في هذا المجال وجرى التضييق عليهم أو نقلهم إلى مواقع غير فعالة.
هذا الإجراء مثّل ضربة قاصمة للسيادة العسكرية اليمنية، وحوّل البلاد إلى هدف مكشوف أمام أي عدوان محتمل دون أي قدرة على الرد.
ثورة 21 سبتمبر تكشف الأدلة بالصوت والصورة
لم تكتفِ ثورة 21 سبتمبر بإطلاق مشروع وطني لبناء القوة العسكرية، بل قامت بفضح المؤامرة على المؤسسة الدفاعية اليمنية بالأدلة الدامغة، فقد تم، عبر وسائل الإعلام الرسمية والوثائقية، نشر تسجيلات مصوّرة لاجتماعات رسمية بين قيادات عسكرية في النظام السابق ومندوبين أمريكيين، يظهر فيها بوضوح التخطيط والإشراف على عملية تدمير منظومات الدفاع الجوي والصواريخ أرض-جو، وتضمنت المواد المنشورة، مشاهد من عمليات تفكيك فعلية تمت بإشراف مباشر من ضباط يمنيين وأجانب، وتسجيلات صوتية تؤكد صدور الأوامر العليا من النظام السابق بناءً على رغبة أمريكية صريحة، ووثائق سرية تُظهر كيف تم تجميد أوامر الصيانة والدعم اللوجستي لمنظومات الدفاع الجوية.
هذه الحقائق مثلت دليلًا قاطعًا على حجم التآمر والتفريط بالسيادة اليمنية، وساهمت في كشف خلفيات انهيار المؤسسة العسكرية قبل الثورة.
ثورة 21 سبتمبر .. نهضة عسكرية وبناء ذاتي للقدرات
في مواجهة هذا الانهيار الممنهج، جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014 لتعلن ميلاد مرحلة جديدة عنوانها “الاستقلال العسكري والسيادة الوطنية”، ومن أبرز ما حققته الثورة، إطلاق مشروع البناء الذاتي العسكري، عبر تصنيع الطائرات المسيّرة، الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، بأساليب محلية خالصة، وبناء منظومة ردع فعّالة تعتمد على التكنولوجيا الوطنية، أثبتت قدرتها في ميادين القتال ضد العدوان الخارجي، وتأسيس جيش وطني مستقل القرار بعقيدة إيمانية وطنية، يحمي البلاد ومكتسبات الشعب، ولا يخضع لهيمنة السفارات أو الإملاءات الخارجية.
من الانهيار إلى الاستقلال .. درس اليمن للعالم
ما جرى في اليمن خلال العقود الماضية يكشف كيف يمكن للهيمنة الخارجية أن تُفكك جيشًا كاملًا من الداخل، عبر أدوات داخلية خانعة، لكن تجربة ثورة 21 سبتمبر، رغم الحصار والعدوان، تُثبت أن بناء القوة لا يحتاج إلى دعم أجنبي بقدر ما يحتاج إلى إرادة وطنية، وقدرة على تحويل التحديات إلى فرص للنهضة.
اليمن اليوم لم يعد كما كان بالأمس، والجيش اليمني لم يعد ذلك الذي يُقاد بالتوجيهات من الخارج، بل أصبح قوة حقيقية تُحسب لها الحسابات، في معادلات الردع والسيادة والتحرر.