(نص)كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 5 شعبان 1445هـ 15 فبراير 2024م

الخميس 5 شعبان 1445هـ 15فبراير 2024م

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في الأسبوع التاسع عشر على التوالي، وفي الشهر الخامس، يستمر العدوان الإسرائيلي الهمجي الغاشم على قطاع غزة، مرتكباً أبشع وأفظع وأسوأ الجرائم بحق الأهالي، ويقتل الآلاف من الأطفال والنساء، ويدمر مساكن أهالي قطاع غزة بشكل شاملٍ، ويتفنن في ارتكاب الجرائم الفظيعة والشنيعة، وَتُسَخِّر قوى الشر من إمكاناتها وقدراتها العسكرية أفتك وأحدث وسائل التدمير والقتل، وتزوِّد بها العدو الإسرائيلي؛ ليرتكب جرائمه تلك لحق الشعب الفلسطيني في غزة.

تقوم أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الغربية بتقديم أفتك وأخطر ما تمتلكه، وما تصنعه من القنابل، ومن الصواريخ، ومن القذائف والذخائر بمختلف أنواعها، وتقدِّمه للعدو الإسرائيلي، تلك القنابل المدمرة، وتلك الصواريخ، وتلك القذائف، التي هي آخر ما وصلت إليه تقنياتهم، وإمكانياتهم، وابتكاراتهم، وصناعاتهم في مستوى قوتها، وشدتها، وتأثيرها في القصف والتدمير والقتل، والتي من المعتاد أن يتم تصنيعها، ثم يكون استخدامها في مواجهة الجيوش المتكافئة في القوة والعتاد والإمكانات، وفي مواجهة الدول التي تمتلك قواعد عسكرية عملاقة، وإمكانات ضخمة.

تلك القنابل الشديدة الانفجار، والقوية التدمير على مستوى هائل، والقوية في مستوى انتشارها، والمساحة التي تغطيها لإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار والقتل، هي لمواجهة جيوش تمتلك قواعد عسكرية، وتمتلك دبابات وعتاد عسكري ضخم، هذا هو المعتاد، ولمثل ذلك تصنع تلك الأنواع من الأسلحة، لكن للنزعة العدوانية والإجرامية لدى اللوبي الصهيوني وأذرعه، لدى الأمريكي، ولدى الإسرائيلي، ولدى البريطاني، فتلك القنابل، والصواريخ، والقذائف، والذخائر، تصب بكل أنواعها، وبمستوى تدميرها وقتلها، على رؤوس الأطفال والنساء في غزة، وعلى السكان والأهالي في قطاع غزة، أبناء الشعب الفلسطيني، على منازلهم، على مساجدهم، على مستشفياتهم ومراكزهم الصحية، على منشآتهم المدنية، تستهدف منازلهم، وتستهدف مزارعهم، وتستهدف مساجدهم ومستشفياتهم، تستهدف أسواقهم ومحلاتهم التجارية، بدلاً من أن تستخدم كما هو يفترض بها.

ذلك المستوى من الدمار الهائل في قطاع غزة، وذلك المستوى من الإجرام الفظيع، في القتل الجماعي للآلاف من الأهالي في قطاع غزة، الآلاف من الأطفال والنساء، الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، والاستمرار بهذه الوتيرة العالية والمرتفعة جدّاً من الإجرام، والقتل، والتدمير، كله يعود إلى الأمريكي؛ لأنَّه يفوق القدرات الإسرائيلية وإن كان لا يفوق الحقد لدى العدو الإسرائيلي.

الإسرائيلي مع أن إمكانياته العسكرية ضخمة، وما كان معه في مخزونه العسكري من القنابل، والقذائف، والصواريخ، هو هائل، كميات ضخمة، وما كان يصنعه، وما كان يحصل عليه من الأمريكيين بالمقام الأول وفي المستوى الأول، ومن البريطانيين، ومن غيرهم، لكنه بكله لم يكن ليلحق بقطاع غزة ما ألحقه العدو الإسرائيلي، باستناده إلى الدعم الأمريكي، من تدمير شامل، من قتل، من جرائم رهيبة جدّاً؛ أمَّا الحقد الإسرائيلي فهو فعلاً حقد كبير جدّاً، يفوق ما كان يمتلكه من إمكانات، وما قد فعله إلى الآن من جرائم.

فأن يكون حجم الدمار والقتل والإجرام بهذا المستوى، وأن يستمر كل هذه الفترة، ونحن في الشهر الخامس، وفي الأسبوع التاسع عشر على التوالي، كل هذا يعود إلى المشاركة الأمريكية، والدعم الأمريكي المفتوح؛ فالأمريكي بما يشارك به، وبما يقدمه من دعم، هو المسؤول الأول عن أن يكون الدمار والإجرام بهذا المستوى، وأن يستمر كل هذه الفترة.

خلال هذا الأسبوع أعلن الأمريكي عن حزمة جديدة من الدعم المالي للعدو الإسرائيلي، تبلغ (أربعة عشر مليار دولار)، حزمة كبيرة، ودعم كبير، لماذا؟ ليستمر العدو الإسرائيلي في قتل الأطفال في غزة، وقتل النساء في غزة، وقتل الأهالي من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، تمويل ضخم، لجرائم رهيبة وشنيعة وبشعة للغاية.

  • منذ بدء العدوان على غزة أعلن الأمريكي، أو اتخذ الأمريكي قراراً، بل وفعَّل حتى أحكام الطوارئ لمرتين- وكأن الإسرائيل جزءٌ من الجيش الأمريكي، وجزءٌ من الأمريكيين- فعَّل أحكام الطوارئ مرتين، لشحن عشرات الآلاف من قذائف المدفعية وغيرها من الذخائر للعدو الإسرائيلي، وقام بتجديد المخزون العسكري للعدو الإسرائيلي، وفعل ذلك بشكلٍ طارئ، وحتى دون انتظار موافقة من الكونغرس. قدَّم وهو يختار لدعم العدو الإسرائيلي أفتك القنابل والصواريخ، فشحن ونقل للعدو الإسرائيلي (أكثر من خمسةٍ وعشرين ألف طن)، كلها لقتل من؟ لقتل الأطفال والنساء في غزة، لقتل أهالي غزة، لتدمير مساكنهم وقتلهم.
  • إضافةً إلى أنه يشارك بشكلٍ مباشر في الطيران التجسسي والاستطلاعي؛ لتقديم كل المعلومات، والتي تبنى عليها الخطط والعمليات، ويشارك بالخبراء العسكريين، ويشارك في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي؛ لأنه شريك في العملية، شريك في العدوان بشكل مباشر على قطاع غزة؛ ولذلك يشارك في مجلس الحرب الإسرائيلي.
  • كما يقدِّم الحماية على المستوى الإقليمي: يضغط على الدول، ويشجِّع بعض من الدول الأخرى لاتخاذ مواقف سلبية تجاه أهالي غزة، تجاه الشعب الفلسطيني، ومواقف يستفيد منها العدو الإسرائيلي، بين من يتخاذل، بين من يقدِّم الدعم السري للعدو الإسرائيلي، بين من يسهم في إضعاف الموقف الإسلامي والعربي بشكلٍ عام في مساندة القضية الفلسطينية، وهكذا من دور إلى دور سلبي آخر.
  • وفي مواجهة القوى الحُرَّة، التي تساند الشعب الفلسطيني في غزة، ومن ذلك العدوان على بلدنا اليمن.
  • يُقَدِّم أيضاً الدعم السياسي في مجلس الآمن، ويستخدم الفيتو لنقض أي قرار إنساني لصالح سكان غزة، أي قرار يقضي بوقف المجازر الرهيبة بحق أهالي غزة، أو لإيصال الغذاء والدواء إلى كل أهالي غزة، أو غير ذلك من القرارات الإنسانية. يتحرك في الساحة الدولية بشكل عام.
  • يقدِّم الدعم الإعلامي المفتوح أيضاً.

وبهذا وصل العدوان الإسرائيلي إلى ما وصل إليه، بما يفوق- كما قلنا- القدرات الإسرائيلية، عندما نأتي إلى حجم الغارات وآثار الدمار على قطاع غزة، بحسب الإحصاءات المعلنة: بلغ إجمالي الغارات الجوية التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة: (أكثر من ستة وأربعين ألف غارة)، تخيلوا كل هذا العدد على مساحة جغرافية محدودة، ليس على دولة كبيرة شاسعة مترامية الأطراف والأنحاء، على قطاع غزة، في نطاق جغرافي محدود، مقتض بالسكان والمنازل، (أكثر من ستة وأربعين ألف غارة)، ويستخدم فيها القذائف والصواريخ التي يقدر وزنها بنحو (ستة وستين ألف طِن من المتفجرات)، التي أطلقها العدو الإسرائيلي على رؤوس الأطفال والنساء والأهالي في منازلهم، وفي مساكنهم، هذا العدد الضخم جدّاً، وهذه الكمية الهائلة من المتفجرات، هي تعادل من حيث كمية المتفجرات (أكثر من أربع قنابل ذرية)، من تلك التي ألقتها أمريكا على (مدينة هيروشيما اليابانية).

في التاريخ، ومن النقاط السوداء في تاريخ الأمريكي: تلك الجريمة الرهيبة الهائلة، التي بفعل إلقائه قنبلة ذرية على (هيروشيما اليابانية) كم أحدثت من ضحايا، من قتل، من دمار، وبسلاح محرم دولياً، سلاح فتاك، يقتل الأطفال والنساء، يقتل الناس بشكلٍ جماعي دون تمييز، وأكثر ضحاياه هم المدنيون.

فالذي ألقاه العدو الإسرائيلي على قطاع غزة هو: ما يعادل من حيث كمية المتفجرات (أكثر من أربع قنابل ذرية)، من تلك التي ألقتها أمريكا على (مدينة هيروشيما اليابانية).

خلال الشهرين الأولين فقط، اعترف مسؤولون أمريكيون أن العدو الإسرائيلي أسقط (تسعةً وعشرين ألف قنبلة) على غزة، من بينها قنابل يصل وزنها إلى (ألفي رطل)، قرابة (تسعمائة كيلو جرام)، وهي قنابل أمريكية الصنع، قدمتها أمريكا للاحتلال (للعدو الإسرائيلي) مع بدء العدوان على غزة، بعض التقارير الأمريكية تشير إلى تقديم (ثلاثة آلاف قنبلة) من هذا النوع، إضافة إلى أعداد كبيرة من أنواع أخرى من القنابل، ويتم استخدام تلك القنابل الشديدة الانفجار، والهائلة التدمير، لماذا؟ لتدمير دبابات، ومعدات حربية، وقواعد عسكرية، أم ماذا؟ لارتكاب الإبادة الجماعية، لقتل الأطفال والنساء في غزة، لقتل الأهالي، وانفجارها في مكان مفتوح يعني: القتل لأي شخص على بعد (حوالي ثلاثين متراً)، ويمكن أن تمتد الشظايا المميتة إلى مسافة تصل إلى (ثلاثمائة وخمسةٍ وستين متراً)، في بعض الأحيان كان العدو الإسرائيلي يلقي عدداً من تلك القنابل، وربما شاهدها أكثر المشاهدين والمتابعين للأحداث، كيف أحياناً يستخدمها لتدمير حيٍ بأكمله، أو منطقة سكانية بأكملها، مشاهد للتدمير الهائل، تلك هي قنابل أمريكية، وقدمتها أمريكا للعدو الإسرائيلي؛ ليقتل بها أطفال ونساء غزة، وليدمر مساكن المواطنين، مساكن الأهالي، مساكن المجتمع الفلسطيني، والشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة.

تم أيضاً من قبل العدو الإسرائيلي استخدام قنابل الفوسفور الأبيض، وهو مادة سامة قابلة للاشتعال، تصل درجة احتراقها إلى (ثمانمائة درجة مئوية)، هذه استخدمها في غزة، واستخدمها أيضاً في جنوب لبنان.

إضافة إلى الغارات الجوية هناك القصف المكثف بالمدفعية، قذائف المدفعية بأعداد كبيرة، لا يمكن إحصاء ذلك؛ لكثافته، اعترف الاحتلال رسمياً أنه خلال خمسين يوم فقط من العدوان أطلق على غزة (أكثر من تسعين ألف قذيفة وصاروخ مدفعي).

أمَّا على مستوى التدمير الشامل الناتجة عن ذلك: فهناك (تسعة وسبعين ألف ومائتين وحدة سكنية) دمَّرها الاحتلال بشكل كلي، و(أكثر من مائتين وتسعين ألف وحدة سكنية) تدمرت بشكلٍ جزئي، وهي غير صالحة للسكن، يعني: أن أكثر من (70%) من المساكن في قطاع غزة دُمِّرت ولم تعد صالحة للسكن، أكثر من نسبة (70%) من المباني بشكل عام في قطاع غزة:

  • تم تدمير (ثلاثمائة وخمسة وتسعين مدرسة) بشكلٍ كلي أو جزئي.
  • و(أكثر من أربعمائة وخمسين مسجدّاً)، والعدو الإسرائيلي يُرَكِّز على تدمير المساجد، حتى في بعض الأحياء عندما يرى مسجدّاً سلم من القصف الجوي يقوم بتفجيره
  • و(مائة واثنين وأربعين مقراً حكومياً).
  • المستشفيات: تم إخراج (ثلاثين مستشفى) عن الخدمة.
  • و(ثلاثة وخمسين مركز صحي).
  • واستهداف نحو (مائة وخمسين مؤسسة صحية).
  • و(مائة وثلاثة وعشرين سيارة إسعاف).
  • و(مائتين موقع أثري)؛ بهدف مسح التاريخ، والجغرافية الفلسطينية.
  • تم تدمير عدد كبير من المنشآت والمعامل الاقتصادية.

كمية الأنقاض الناتجة عن تدمير الوحدات السكنية تستغرق إزالتها فيما بعد أكثر من ثلاث سنوات؛ لحجمها الكبير.

  • تجريف الأراضي الزراعية، واقتلاع أشجار الزيتون، وإغراق الحقول بالمياه؛ لتدمير معظم الأراضي الزراعية، وذلك هدف واضح.
  • إضافة إلى استخدام القنابل الفوسفورية أيضاً في المزارع؛ من أجل تدمير التربة.

كل هذا- كما صرَّح مسؤولون إسرائيليون- هدفه هو: جعل غزة غير صالحة للحياة، العدو الإسرائيلي يريد أن يحقق هذا الهدف: أن يحوِّل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، وأن يفرض التهجير القسري والإجباري من قطاع غزة.

الخسائر اليومية للمزارعين في قطاع غزة بشكل كبير جدّاً، وتجاوزت الخسائر التقديرية الأولية المباشرة لذلك العدوان الوحشي على قطاع غزة بشكلٍ عام: (أكثر من خمسة عشر مليار دولار)، يعني: خسائر كبيرة جدّاً.

هذا على مستوى التدمير الشامل، الذي يهدف- كما صرَّح الأعداء الإسرائيليون- إلى جعل غزة غير صالحة للحياة.

على مستوى الشهداء والجرحى: وصل عدد الشهداء والمفقودين، ومصطلح المفقودين يعني: بالدرجة الأولى الذين لا يزالون تحت الأنقاض، وهناك أيضاً خارج هذه الإحصائية من لم يتم إحصاؤهم: (أكثر من خمسة وثلاثين ألف شهيد ومفقود)، و(أكثر من ثمانية وستين ألف جريح)، وعدد المجازر: (ألفين وأربعمائة وأربعة وسبعين) مجزرة إبادة جماعية. هذه الإحصائية إلى نهار الأربعاء.

في الوضع الإنساني لسكان قطاع غزة: هناك (95%) من الأهالي صاروا نازحين؛ بفعل الإجرام الإسرائيلي، هذه نسبة عالية جدّاً، يعني: لم يبق إلَّا عدد قليل من السكان في مناطقهم، في أحيائهم، وهي مدمرة بشكلٍ هائل ومتضررة، وهم في حالة خطر؛ بفعل القصف المستمر من جهة العدو الإسرائيلي، (95%) من الأهالي صاروا نازحين.

 وشهدت الأيام الماضية ذروة في المجاعة، لا سيَّما في شمال القطاع، شمال القطاع يعيش فيه نحو (ثلاثمائة ألف فلسطيني)، نشر مواطنون فلسطينيون، صحفيون وناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، مشاهد مؤلمة، وصور قاسية تُعبِّر عن المجاعة الشديدة، حتى أعلاف الحيوانات التي كان قد لجأ إليها سكان الشمال قطاع غزة نفدت، وبات الناس أمام خطر الموت جوعاً، بل تم توثيق حالات وفيات لأطفال من الجوع، البعض من أبناء غزة المجاورين والقريبين من الساحل، حاولوا الذهاب إلى البحر للاصطياد، مع حجم الخطر؛ لأنهم مستهدفون على الساحل، ومستهدفون في كل مكان، حتى في البحر، في ظل تمركز سفن وزوارق العدو الإسرائيلي الحربية التي تستهدفهم بشكلٍ مباشر، لكن البعض منهم فضل أن يحظى بالشهادة بدل أن يموت جوعاً، حتى الذين يسكنون في مدارس تابعة لـ(الاونروا) غالبيتهم إمَّا ينامون على البلاط، أو الحصير، ويتجرعون معاناة الجوع، والنزوح، والمرض.

الوضع الصحي كارثي جدّاً، في ظل تلك الظروف الصعبة، التي تتهيأ فيها انتشار الأوبئة بأنواعها، تنعدم فيها الوسائل الصحية، والأدوية، والمياه النظيفة، إضافةً إلى تدمير العدو الإسرائيلي للمؤسسات الصحية، لسيارات الإسعاف، خروج (ثلاثين مستشفى) عن الخدمة من ضمن (ستة وثلاثين مستشفى)، يعني: لم يبق إلَّا القليل من المستشفيات، تعطلت خدمات بقية المراكز الصحية، استشهد الكثير من الطواقم الطبية، واعتقل أيضاً الكثير من أفراد الطواقم الطبية، بقية المستشفيات القليلة جدّاً المتبقية: إمَّا محاصر، كما هو حال مجمع ناصر الطبي، والذي يصنع العدو فيه مأساة جديدة للشعب الفلسطيني، للكادر الطبي المتواجد هناك (الكادر الصحي)، وأيضاً للمرضى والجرحى، والنازحين الذين هم بالآلاف، هناك أيضاً في ظل ذلك الوضع الصحي (إحدى عشر ألف جريح) بحاجة للسفر للعلاج؛ لإنقاذ حياتهم، وعشرة آلاف مريض سراطان يواجهون الموت؛ بسبب استهداف المستشفى الوحيد لعلاج أمراض السراطان، هذه هي أمريكا وإسرائيل، والحضارة الغربية، والقيم الليبرالية، تستهدف المستشفى الوحيد لعلاج مرضى السراطان، ونحو (سبعمائة ألف مواطن) مصابون بالأمراض المعدية؛ نتيجة النزوح وانعدام المياه النظيفة، هناك حوالي (ستين ألف امرأة حامل) معرضة للخطر؛ لعدم توفر الرعاية الطبية. 

الوضع المأساوي في مجمع ناصر الطبي وصل إلى درجة: أن العدو الإسرائيلي قد هدم السور الشمالي لمجمع ناصر الطبي، يستهدف المدارس المحيطة بالمجمع، وأشعل النار فيها، وصلت النيران إلى مخزن الأجهزة الطبية، واحترق بالكامل، ومخزن المهمات الطبية، واحترق معظمه، مياه الصرف الصحي تغمر قسم الطوارئ بمجمع ناصر الطبي، والنفايات تتكدس في أقسام المجمع، الكل هناك في دائرة الخطر والقتل والاستهداف: المرضى، والمرافقين، والكوادر الصحية، والعدو يطلق النار على النازحين، وحتى عندما يخرجون، ليحاولوا أن يخرجوا من المكان المستهدف والمحاصر، وهو المجمع الطبي، يستهدفهم العدو، ويوجد شهداء وإصابات، كما لا يستطيع العاملون في مجمع ناصر الطبي نقل الشهداء، ولا الموتى من المرضى، إلى ثلاجة الموتى؛ بسبب الخطر الشديد. كل أنواع الجرائم، العدو يتفنن في الإجرام هناك.

أيضاً من الممارسات الإجرامية، والاعتداءات التي يمارسها العدو الإسرائيلي، هي: سرقة منازل المواطنين، البعض من المنازل التي لم يصل إليها القصف ويطالها القصف، عندما يصل إليها جنود العدو الإسرائيلي يقومون بنهبها، وفي مناطق أخرى كذلك حتى من يطلق عليهم المستوطنون يقومون بممارسة السرقة والنهب لأموال الفلسطينيين، وحتى في الحواجز يقومون بنهب الفلسطينيين، وأخذ أموالهم، وأخذ ما يمتلكونه، وفي بعض الحالات سطو مسلع المنازل والمحال التجارية، ومحالات صرف العمولات، كما يحصل في الضفة بشكل كبير.

جرائم أيضاً أخرى متنوعة، من أهمها، ومن أسوأها، ومن أقساها: الجرائم بحق الفلسطينيين الأسرى: من ضمن ذلك ما تم توثيقه من شهادات عن ممارسات وانتهاكات مروِّعة، تمس بالكرامة الإنسانية للأسيرات الفلسطينيات، حيث يتم تعريتهن أمام المعتقلين الآخرين، وقص شعرهن، وإذا تدخل أحد لسترهن من المعتقلين، يقوم جنود الاحتلال بتعذيبه.

الأسرى من الرجال أيضاً يتعرضون لمعاملات قاسية، وقد أفاد البعض من الأسرى الذين خرجوا فيما بعد: أنه تم استدعاء المستوطنين لتصويرهم بشكلٍ مضحك، يعني: العدو يعمل مثل تلك اللعب والمهازل والتصرفات السيئة جدّاً، التي تجمع بين الإمعان في الإجرام والظلم، والاستخفاء بالكرامة الإنسانية، ما بين الجنود والمستوطنين، يحضرون البعض من الفلسطينيين في السجون، ويقومون بتصويرهم بشكلٍ مضحك، بينما جنود العدو الإسرائيلي يعتدون عليهم بالضرب، بالهراوات المعدنية، والعصي الكهربائية، وسكب الماء الساخن على رؤوسهم، وتسليط الكلاب عليهم، والمستوطنون يتلذذون بتلك المشاهد من التعذيب، والاضطهاد، والظلم، والانتهاك للكرامة الإنسانية.

بل وصل الحال أيضاً إلى مستوى غريب ووحشي وعجيب، في الوحشية، والدناءة، والإجرام، هناك إحصائية لـ(ألفين قبر من قبور الفلسطينيين) قام العدو الإسرائيلي بنبشها بشكلٍ متعمد، وأقدم العدو الإسرائيلي على سرقة أكثر من ثلاثمائة جثمان من جثامين الموتى والشهداء، وسرقة أعضاء حيوية منها، لم يكتفوا بأنهم يسيطرون على الأرض، ويغتصبون الأرض، ويأخذون المساكن، ويأخذون المزارع، وينهبون كل شيء على الشعب الفلسطيني، حتى لحقوا الموتى والشهداء، وسرقوا منهم أعضاء حيوية، يلحق ليسرق قلب ذلك الشهيد، وكلية ذلك الشهيد إن بقيت سليمة، إذا كانوا شهداء ممن استشهدوا بإطلاق الرصاص عليهم، أو قتلهم بطريقة غير القنابل المدمرة والحارقة، فيلحقون ليسرقوا أعضاءهم الحيوية، ليسرق القلب، أو الكبد، أو الكليتين، وتدمير (ثلاثة عشر مقبرة) في محافظات قطاع غزة، وتعرضت الكثير للاعتداء والاقتحام من قِبَل المدرعات الإسرائيلية، وتعمَّد العدو الإسرائيلي العبث بها بواسطة الجرافات والمجنزرات.

لاحظوا، تلك الوحشية، والإجرام، والطغيان، والاستكبار! ووصل الحال بالجنود الإسرائيليين، والمجندات الإسرائيليات، إلى الافتخار والتباهي، بقتل الأطفال الفلسطينيين، مجندة تفتخر بأنها قامت بإعدام أطفال فلسطينيين، جنود آخرون يفتخرون، ويتباهون، ويقدمون ذلك وكأنها بطولات يسجلونها للتاريخ، قتل الأطفال الفلسطينيين، وقتل الشعب الفلسطيني!

ثم عندما نتأمل في حجم الشهداء والجرحى، الذين لم يعد بالإمكان إلَّا أن يكونوا في مقابر جماعية، المقابر الجماعية هي تشهد على مدى الإجرام والعدوان الصهيوني الإسرائيلي، مع كل ذلك يأتي العدو الإسرائيلي، الذي هو بكل هذه الوحشية، بكل هذا الإجرام، بكل هذا الإفلاس الإنساني والأخلاقي، بكل هذا التجرد من أي ذرة من القيم الإنسانية، ليصف الشعب الفلسطيني بالحيوانات، ويقول بأنهم ليسوا بشراً، وأنهم حيوانات. من هو المتجرد من أي ذرة من القيم الإنسانية، والمشاعر الإنسانية، والأخلاق الفطرية للمجتمع البشري؟ أليسوا هم الصهاينة؟ أليس العدو الإسرائيلي هو المتجرد حتى من أي ذرة من المشاعر الإنسانية، والقيم الإنسانية؟

نقول للصهاينة: أنتم الذين لم يبق لكم من الجانب البشري، من بشريتكم إلَّا الهياكل والأشكال؛ أمَّا نفسياتكم فهي متوحشة وإجرامية أنتم الذين مسخ الله منكم في تاريخكم قردةً وخنازير، أنتم الذين تعملون بقانون الغاب، ولا تلتزمون لا بشريعة، ولا بقيم إلهية، ولا بقيم فطرية إنسانية، ولا بقوانين إنسانية، ولا قانون دولي، ولا أخلاق، ولا حقوق… ولا أي شيء، تلك الممارسات التي ذكرنا نماذج منها، وهي بحجم أكبر، وعلى نطاق واسع، هي تشهد على الإفلاس والتجرد من أي ذرة من المشاعر الإنسانية، نحن أمام عدو خطر، يشكِّل خطورة على كل المجتمع البشري، وعدو متنكر لكل القيم، والأخلاق، والحقوق، والقوانين، ويجب أن تبقى هذه النظرة راسخة إليه، نرى ما وصفهم الله به في القرآن الكريم: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: من الآية62]، عدوانيون إلى حدود تفوق أي خيال، وأي وصف، وفوق مستوى أي تعبير، ويجب أن تبقى النظرة إليهم هكذا، ليسوا مجرد خصوم نختلف معهم اختلافات عادية، ويمكن أن تحل، وأن يكون هناك تطبيع وسلام، وحلول سلمية، هم أعداء حاقدون لدرجة لا يتخيلها إنسان، ومع حقدهم الشديد يتجردون عن كل القيم والأخلاق، ولا يلتزمون بأي ضوابط، ولا يعطون اعتباراً لأي شيء: لا لشرعٍ إلهي، ولا لقيم إلهية وفطرية، ولا لقوانين، ولا لحقوق إنسان، ويرتكبون أبشع الجرائم، وأفظع الانتهاكات، التي لا مثيل لها.

في مقابل ذلك الإجرام الرهيب والشنيع، هناك صمود عظيم بكل ما تعنيه الكلمة، للمجاهدين في قطاع غزة، وللأهالي، والإخوة المجاهدون في قطاع غزة يقومون بالتنكيل المستمر بالعدو الإسرائيلي، يشتبكون مع جنوده من مسافة صفر، ويواصلون التدمير لدباباته، هذا الصمود واضح ومستمر في شمال القطاع، وفي جنوب القطاع، وفي وسط القطاع، في كل أنحاء القطاع، وهناك عمليات جريئة، وشجاعة، وموفقة للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، يقتلون فيها الجنود (جنود العدو الإسرائيلي)، ويلحقون بهم أيضاً الإصابات الكثيرة، والعدد يتزايد في القتلى والجرحى من جنود العدو الإسرائيلي، ويحطمون الروح المعنوية للعدو الإسرائيلي، وهناك مئات من الجنود الإسرائيلي ممن أصبحوا مرضى نفسانيين، أُصيبوا بالأمراض النفسية، وتحطمت روحهم المعنوية من المواجهات والقتال وهناك، تهرُّب من الكثير منهم أيضاً من المشاركة في القتال، هناك تماسك واضح للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، وفشل واضح للعدو، بالرغم من حجم الدمار، وحجم الإجرام، الذي يسعى الإسرائيلي من خلاله إلى كسر الإرادة، والعزيمة، والتماسك في وسط الإخوة المجاهدين، والشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

فشل العدو الإسرائيلي في موضوع الأسرى، وتباهى أكبر التباهي، وقدَّم ما يقول عنه هو أنه استعاد لأسيرين، والله أعلم بمدى صحة هذه المقولة! والبعض يقول أنهما كانا لدى أسرة فلسطينية، قدَّم ذلك كإنجاز عملاق، ونحن في الشهر الخامس من عدوانه، بعد كل ذلك الإجرام، والدمار، والقتل، والحصار، والتجويع، يُقَدِّم هذا كإنجاز عملاق، ليس إنجازاً بالمرة؛ بل إن العدو الإسرائيلي أصبح يقتل هو بعض أسراه لدى الإخوة المجاهدين في فلسطين؛ نتيجةً لقصفه الهمجي، وتدميره الشامل.

يتحول الآن في فصلٍ جديد من عدوانه في المؤامرة على رفح، وهذا لن يعوِّض فشله؛ إنما ليرتكب المزيد من الجرائم، كما لوحظ ذلك في عمليات القصف الجوي على رفح، والمفروض تجاه ذلك التحرك من الجميع: من الدول العربية، الدول الإسلامية بشكلٍ عام، على مستوى المجتمع الدولي، يجب أن يكون هناك تحرك، وصوت مسموع وقوي، ضد هذه المؤامرة من الإجرام الصهيوني، ومن واجب جمهورية مِصر العربية أن تكون في الصدارة في هذا الموقف، فيما يتعلق بقطاع غزة بشكلٍ عام، والشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وفيما يتعلق برفح على وجه الخصوص، هذا يهدد أمنها القومي، وتصريحات القادة في العدو الإسرائيلي، وتصريحات البعض من ضباطه وقادته هي تكشف أطماع العدو الإسرائيلي في سيناء، وتركيزه على سيناء، ولا شك أن المؤامرة على رفح هي تشكل خطراً على الأمن القومي المصري.

استمرار العدوان على القطاع بشكلٍ عام، والمؤامرة على رفح كذلك، هي تستدعي تحركاً من الجميع، وفي ظل استمرار الإجرام الصهيوني، بمشاركة أمريكية وبريطانية، ودعم غربي، ومواصلة الدعم، يعني: هذه الحزمة الجديدة التي أعلن عنها الأمريكي: (أربعة عشر مليار دولار) على مستوى المال، في المقابل أين هو الدعم العربي؟ أين هي المليارات يا أصحاب المليارات؟ الدول التي لديها إمكانات مالية ضخمة، أين هو في المقابل ما تقدمه للشعب الفلسطيني ولمجاهديه؟ دول عربية عندها ميزانيات ضخمة، تُنفق أموالاً هائلة على أمور عبثية وتافهة، أين هو الدعم في محله؟ لماذا- كما قلنا في أول يوم بعد العدوان، أو في مقدمة العدوان على غزة من جهة العدو الإسرائيلي- لماذا لا تقف أمتنا الإسلامية مع المظلوم منها، كما يقف الأعداء مع الظالم منهم؟ الشعب الفلسطيني الذي هو بحاجة إلى المساعدة والمساندة، ويستحق ذلك، وذلك أيضاً بحساب الالتزامات الإيمانية، والأخلاقية، والدينية، والإنسانية، والمصلحة القومية، وبكل الاعتبارات، هو لازمٌ على أمتنا، من واجباتها، من التزاماتها بكل الاعتبارات. الكثير يقفون موقف المتخاذل، والبعض موقف المتواطئ مع العدو، والمساعد للعدو في الخفاء، وغير ذلك.

هناك الجبهات المساندة لغزة هي مستمرة، في وسطٍ واسع من التخاذل والمواقف الضعيفة، هناك الجبهات التي تساند غزة:

جبهة حزب الله في لبنان، وهي تتصاعد بشكلٍ مستمر، وتنكل بالعدو الإسرائيلي. المجاهدون في العراق أيضاً لم يرضخوا، ولم يتراجعوا، رغم الاستهداف الأمريكي.

جبهتنا أيضاً في اليمن هي مستمرة، وهي فاعلة ومؤثرة، بالرغم من العدوان الأمريكي والبريطاني المساند للعدو الإسرائيلي، وهو عدوانٌ فاشلٌ في تحقيق أهدافه، باعتراف الأعداء أنفسهم، على أعداء (الأمريكيون، والبريطانيون) معترفون بتأثير جبهة اليمن في إسناد غزة، تأثيرها الكبير على العدو الإسرائيلي، وعلى اقتصاده، وثم تلى ذلك تأثيرها على الأمريكي نفسه، وعلى البريطاني نفسه، لمَّا ورَّطوا أنفسهم وهم يحاولون أن يسندوا العدو الإسرائيلي بالعدوان على بلدنا؛ فأدخلوا أنفسهم في ورطة، هم معترفون في أنهم فشلوا في فرض استراتيجية ردع، لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، ولا استراتيجية إجبار لبلدنا لوقف مساندته لغزة، ولا لوقف عملياته، ولا أيضاً في الحد من العمليات التي هي فاعلة ومؤثرة، العمليات في البحر وصلت تأثيرها إلى منع حركة السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وتكاد تصل إلى نقطة الصفر في حركتها من هناك، ثم تأثيرها الكبير أيضاً على الأمريكي وعلى البريطاني.

فشل استراتيجي وتحوّل استراتيجي في واقع المنطقة، بالنسبة للنفوذ الأمريكي والسيطرة الأمريكية. الأمريكي الذي اعتاد عندما يستهدف أي بلد عربي، أو أي بلد إسلامي، أن يتخاذل الجميع، أن يهدد كل الدول العربية والإسلامية، ثم تبقى لتتفرج على ذلك البلد العربي، أو ذلك البلد الإسلامي هنا أو هناك، دون أن تُقَدِّم شيئاً، لماذا؟ لأن الأمريكي تهدد، وتوعد، ومنع، فالكل يتفرجون.

انتهت هذه المعادلة التي كان يفرضها، تلاشى ذلك النفوذ الذي كان إلى هذه الدرجة، اليوم هناك من لا يخنع لأمريكا، من لا يخضع للتهديدات الأمريكية، من لا يستسلم للإرادة الأمريكية، هناك من يقف بجد وبصدق، بموقفٍ صادقٍ، وموقفٍ فاعلٍ ومؤثر، ولا يخنع للأمريكيين؛ ليساند أبناء أمته، ليساند الشعب الفلسطيني، وهذا بالنسبة للعدو الأمريكي فشل كبير، وبالنسبة لواقع المنطقة بشكل عام تحوّل استراتيجي، ومعادلات جديدة طرأت على الساحة هي لصالح كل أمتنا الإسلامية، ولصالح العرب جميعاً في المقدمة، ونأمل- إن شاء الله- في يوم من الأيام أن تتشجع بلدان أخرى، لتتجه هذا التوجه الحر، الذي تحتاج إليه أمتنا، وتحتاج إليه شعوبنا.

الأمريكي كان في الماضي قد حقق نفوذاً يفوق ما يحلم به، حالة الخنوع التام، والاستسلام التام، والرضوخ التام، في كل الدول العربية، وفي العالم الإسلامي بشكلٍ عام، وهو ينفرد هو، أو الإسرائيلي- ويدعم الإسرائيلي- ببلدٍ هنا أو بلدٍ هناك، يشن العدوان عليه، يرتكب أبشع الجرائم، يحتل، يسيطر، يفعل ما يفعل، والآخرون يتفرجون، كان يريد أن تستمر هذه الحالة، بل وأسوأ منها، يريد أن يُجَيِّش أبناء الأمة معه، وليس فقط على مستوى التخاذل، بل على مستوى أن يُجَيِّش أبناء الأمة معه بكل قدراتهم: العسكرية، والمالية، والإعلامية؛ ليكونوا جنداً مجندين له، يكفي أن يتهم هذا البلد أو ذلك البلد بتهمة معينة، ثم يعلن الحرب الشاملة عليها، ثم تتحرك معه تلك الدول العربية، وتلك الدول من العالم الإسلامي، ضد ذلك البلد أو ذاك، والباقون يتنكرون، تنتهي كل الروابط، وكل المصالح المشتركة، وكل الروابط التي هي روابط الدين، وروابط المصلحة، وكل الروابط والعناوين، تتقطع كل الأسباب، هناك تغير له أهمية كبيرة واستراتيجية في هذا الجانب.

موقف بلدنا أسقط أهدافاً للأمريكي، وصنع تحولاً، وصنع معادلات جديدة، وصنع متغيرات مهمة جدّاً، والعمليات الفاعلة أوقفت على العدو الإسرائيلي حركته في باب المندب والبحر الأحمر؛ بينما كان في مصاف أكبر المستفيدين من ذلك، العدو الإسرائيلي كان من أكبر المستفيدين من الحركة التجارية ضمن البحر الأحمر وباب المندب، لم يكن على مستوى محدود، يستفيد شيئاً بسيطاً كان من أكبر المستفيدين من الحركة الملاحية في البحر الأحمر وباب المندب، في حساب الوارد والصادر إليه، الوارد منه، والصادر إليه.

ولذلك فالآثار المباشرة للعمليات الحربية اليمنية على العدو الإسرائيلي هي كبيرة، آثار مهمة جدّاً، العدو الإسرائيلي كان من أكبر المستفيدين من البحر الأحمر وباب المندب، وكانت الواردات الإسرائيلية والصادرات وفق إحصائيات العدو الإسرائيلي للعام 2020م تصل نحو (مائة وثلاثة وثلاثين مليار دولار) عبر هذا الممر المائي والملاحي الهام، لاحظوا حجم ما كان يستفيده العدو الإسرائيلي؛ لتلحظوا مستوى خسارته، وحجم خسارته على المستوى الاقتصادي، ومنذ إعلان صنعاء قرار منع مرور السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، تضاعفت خسائر اقتصاد العدو الإسرائيلي، وأدت إلى التالي:

  • أولاً: باعتراف العدو الإسرائيلي: أدت عمليات القوات المسلحة اليمنية إلى إغلاق شبه كامل لميناء أم الرشراش، الذي كان يستقبل نحو (سبعة ملايين طِن من السلع والمنتجات)، ومنه أيضاً تُصَدِّر إسرائيل كميات كبيرة من صادراتها.
  • ثانياً: توقفت كافة سلاسل الإمدادات الغذائية للعدو، والتي كانت تمر من البحر الأحمر ومضيق باب المندب بنسبة (70%)، يعني: تخيلوا حجم ما كان يمر إليه مما يحتاجه: (70%) من احتياجه كان يمر عبر البحر الأحمر، واضطر العدو الإسرائيلي إلى تحويل مسارها عبر الرجاء الصالح؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلاع والمنتجات في أسواق العدو الإسرائيلي بنسبة (من 30%، إلى 50%)، وتتضاعف مع الوقت أكثر فأكثر، ارتفاع الأسعار في أسواق العدو الإسرائيلي ارتفاع مستمر ومتزايد.
  • ثالثاً: اعترفت وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية الأحد الماضي: بأن عمليات البحر الأحمر أضرت بنحوٍ كبير بالعلاقات التجارية بين العدو الإسرائيلي وأربعة عشر دولة، ونجم عن ذلك: تراجع اجمالي واردات الكيان من المنتجات بنسبة (25%) خلال الأشهر الماضية، و(21%) من واردات مواد الإنتاج التي تحتاجها المصانع الإسرائيلية.

اعترف العدو الإسرائيلي: بأنه فقد القدرة التنافسية للصادرات الإسرائيلية. هذا تراجع كبير في اقتصاده وإمكاناته الاقتصادية.

وأكّد العدو الإسرائيلي أن الدول الرئيسية التي تتعرض التجارة الإسرائيلية معها للتهديد، بسبب الوضع في البحر الأحمر هي: (أستراليا، والهند، وهونج كونج، والفلبين، وفيتنام، وتايوان، واليابان، وماليزيا، والصين، وسنغافورة، وسريلانكا، وكوريا الجنوبية، وتايلند)، كل هذه الدول كان نشاطه معها بشكل كبير يعتمد على الحركة عبر البحر الأحمر وباب المندب، وبسبب تعطيل الممرات الملاحية في البحر الأحمر على العدو الإسرائيلي، عزفت الشركات الملاحية الدولية عن التعامل مع العدو الإسرائيلي، يعني: كثير من الدول والشركات لم يعودوا يتعاملون معه، ولم يعودوا كذلك يستجيبون له في أن ينقلوا بضائعه؛ حتى لا تستهدف سفنهم.

يضاف إلى أن شركات التأمين على السفن الدولية رفضت التأمين على السفن المتجهة نحو موانئ فلسطين المحتلة، لصالح العدو الإسرائيلي ومعظم الشركات التي توافق على التأمين، تشترط على السفن الإسرائيلية والأمريكية دفع مبالغ إضافية تصل إلى (50%)، وهو ما يصل إلى نسبة من قيمة السفينة نفسها.

ولذلك كان لهذا تأثير على مسألة تصنيف قوة اقتصاد العدو الإسرائيلي، أصبحت قابلة لأن تنخفض؛ بينما كانت في الماضي واحدة من ضمن (أكبر خمسة عشر اقتصاد قوي في العالم)، لكن انهيارها الكبير في عدوانها على غزة، وفي عمليات البحر الأحمر، أدى إلى أن يتراجع هذا التصنيف. فالعمليات لها تأثير كبير على العدو، وهذه نعمة كبيرة، وهذا نجاح مهم، وانتصار حقيقي، وإسناد فاعل ومؤثر لصالح الشعب الفلسطيني في غزة.

أمَّا التأثير على الأمريكي والبريطاني، وكلٌّ منهما ورّط نفسه؛ من أجل حماية الإجرام الصهيوني، لمساندة العدو الإسرائيلي في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني؛ فكان لذلك آثار مباشرة على اقتصادهما، لدرجة أنه في أمريكا اشتكى (اتحاد تجار التجزئة الأمريكي) من تفاقم المشكلة في البحر الأحمر، وتسببها بتأخير الشحنات، إضافة إلى زيادة الكلفة المالية، وهذا له آثار كبيرة عليهم في وضعهم الاقتصادي، بل بلغ تأثير ذلك على البريطانيين والذين ورَّطوا أنفسهم بتبعيتهم للوبي الصهيوني، وخضوعهم للأمريكي، البريطاني هو تابع ذليل للأمريكي، وصلوا إلى درجة أن يؤثر ذلك حتى على مستوى النقص في بعض أنواع الشاي، أحد المشروبات المفضلة لديهم، يعني: نقص عليهم حتى في أمور بسيطة، في أمور عادية، مثل مسألة الشاي، فما بالك بغيره، هناك تحذير من صناعة المتاجر الكبرى من مخاطر تعطل الإمدادات عليهم؛ نتيجةً للعمليات في البحر الأحمر، هناك تأثير حقيقي عليهم، وهم يخسرون لعدوانهم الفاشل، الذي له ارتدادات وتبعات عليهم.

أمَّا على مستوى وضعهم العسكري في البحر الأحمر، فهم عجزوا بشكلٍ تام عن حماية السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وهم عجزوا- باعترافهم- عن تحقيق أهدافهم من عملياتهم العدوانية على شعبنا اليمني، التي يساندون بها العدو الإسرائيلي؛ ليستمر في إجرامه ضد الشعب الفلسطيني، هم يستمرون في عمليات بدون تحقيق أهداف، بدون وصول إلى نتائج، يعني: هم في حالة فشل مستمر، وإصرار على الاستمرار في الفشل، الذي يكبِّدهم الخسائر على المستوى المباشر، فيما يقومون به من إطلاق صواريخ باهظة التكاليف والثمن: في كلفة التحرك العسكري في البحر، وفي عدم نجاحهم وتأثيرهم لا للحد من العمليات العسكرية التي هي مستمرة، واستهدفت في هذا الأسبوع سفناً مرتبطة بالأمريكي، وسفينة أيضاً مرتبطة بالعدو الإسرائيلي من حيث الملك، من حيث أنه يملك نسبةً منها؛ فهم فاشلون، ويستمرون في عمليات فاشلة، بدون نتيجة، ولا تحقيق للأهداف باعترافهم؛ ولذلك هم في خسران حقيقي، وورطة حقيقية، وعمل لا جدوى منه؛ إنما له تبعاته عليهم، وآثاره السلبية عليهم.

أمَّا غاراتهم خلال هذا الأسبوع على بلدنا، والتي وصلت إلى (أربعين غارة)، وفي هذا الأسبوع كان معظمها على محافظة الحديدة، والبعض منها على محافظة صعدة، وحصيلتها، نتيجتها وإنجازها العملاق في محافظة صعدة، كان ماذا؟ استهداف سيارة مزارع تحمل أنابيب بلاستيكية، هذا هو الإنجاز العملاق لأمريكا وبريطانيا العظمى، في عدوانهم بصواريخهم، وتقنياتهم الضخمة، وإمكاناتهم العسكرية الضخمة: استهداف سيارة مزارع في محافظة صعدة تحمل أنابيب بلاستيكية! هذه هي الحصيلة، هذا يعبِّر عن فشلهم الكبير، ولن يصلوا إلى نتيجة.

الحل الوحيد هو: وقف العدوان على غزة، إيصال الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية إلى سكان غزة، ووقف جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، هذا هو الحل، والذي يفيد، الذي يفيد.

أمَّا استمرار عمليات الأمريكي والبريطاني المساندة للعدو الإسرائيلي، التي هي بهدف أن يستمر الإسرائيلي في قتل الأطفال والنساء في غزة، بهدف أن يستمر الإسرائيلي في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة من مدينة إلى أخرى، ومن بلدة إلى أخرى، فهي إمعانٌ في الإجرام، ليس لها نتائج مهمة؛ إنما هي تسجِّل المزيد والمزيد من رصيدٍ إجراميٍ يشتركون فيه جميعاً: (العدو الإسرائيلي، والأمريكي، والبريطاني).

بقية الدول التي تحاول أمريكا أن تورِّطها معها؛ من أجل خدمة العدو الإسرائيلي، من أجل الاشتراك في جرائم العدو الإسرائيلي البشعة، والشنيعة، والسيئة، والإجرامية الرهيبة جدًّا، فينبغي أن يكونوا حذرين.

الدول الأوروبية، طالما أكدنا لها أنها ليست مستهدفةً بالعمليات في البحر الأحمر، هي عمليات لإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، هي عمليات تهدف إلى الضغط لإدخال المواد الغذائية والطبية، وإيصال الدواء والاحتياجات الإنسانية إلى أهالي غزة، هذا مطلب إنساني محق، لا يتعامى عنه ويتجاهله ويتنكر له إلَّا من لم يبق في قلبه مثقال ذرة من المشاعر الإنسانية، من يتنكر للحقوق المعترف بها في كل العالم: حقوق الإنسان، حقوق الشعوب، حقوق البلدان، الحق للأطفال في أن يصل إليهم الحليب والغذاء الضروري، أطفال يموتون في قطاع غزة، يمنع عنهم العدو الإسرائيلي حتى الحليب، فينبغي للدول الأوروبية ألَّا تصغي للأمريكي، ولا للبريطاني، ألَّا تورط نفسها فيما لا يعنيها، ولا يؤثر عليها؛ وإنما هو لمصلحة العدو الأمريكي والإسرائيلي، ونحن أكَّدنا للكل، أنَّ الهدف هو ما أعلنا عنه منذ البداية: إسناد الشعب الفلسطيني في غزة، والضغط على العدو الإسرائيلي في مطالب إنسانية محقة وعادلة.

ولذلك نحن في هذا السياق نقول لكل الدول: اتركوا البريطاني وهو التابع الذليل للأمريكي، اتركوه لوحده، واتركوا الأمريكي لوحده، ونحن هنا في هذا المقام نشيد أولاً بالدول المطلة على البحر الأحمر، التي لم تتورط مع الأمريكي، مع أنه سعى إلى توريطها، وهي على المستوى العلني لم تتورط ولم تقبل بأن تشترك معه في عدوانه لإسناد الإسرائيلي، عدوانه على اليمن لإسناد الإسرائيلي.

كما نشيد أيضاً بكل الدول في العالم التي لها صوت واضح، يشهد بأنَّ العمليات في البحر الأحمر مرتبطة بالوضع في غزة، وأنَّ الحل هو إيصال الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، ووقف جرائم الإبادة الجماعية، هذا الصوت نسمعه من كثير من الدول، ونحن نأمل من كثيرٍ من الدول أن تتحرر، ينبغي لكل الدول أن تتحرر من السيطرة الأمريكية، من الهمجية الأمريكية؛ لأن أمريكا تسعى إلى توريط كل الدول فيما هو إجرام، فيما هو عدوان، فيما هو بغي، فيما هو متنافٍ تماماً مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية، لتأييد إجرام العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قضية واضحة لكل العالم، واضحة لكل الناس، فينبغي أن يتحرر الجميع من التبعية للموقف الأمريكي، سواءً الموقف على المستوى السياسي أو الإعلامي، أو المواقف في الاتجاه العسكري؛ لأن أمريكا تعتمد استراتيجية توريط الآخرين معها، وابتزاز الآخرين؛ لتخف عليها هي كلفة وتبعات مواقفها العدوانية والسيئة.

فنحن نشيد بكل الدول التي لم تخضع للأمريكي، ولم تنجر لخطواته الشيطانية العدوانية، التي هدفها الوحيد: حماية الإجرام الصهيوني، وفي المقدِّمة الدول المطلة على البحر الأحمر، والدول أيضاً التي رفضت استخدام أراضيها للاعتداء على الشعب اليمني، إسناداً من الأمريكي للإسرائيلي، ونحن في هذا المقام نوجه أيضاً التحية للرئيس الجيبوتي، الذي أعلن رفضه لاستخدام بلده لشن غارات واعتداءات على اليمن، وأعلن أيضاً موقفه الواضح والصريح في دعمه لمظلومية الشعب الفلسطيني، وأنَّ الحل هو وقف العدوان على غزة، وإيصال وإدخال الغذاء والدواء إلى أهالي غزة، ووقف الجرائم بحق أهالي غزة.

كل الدول التي ترعى حرمة الجوار، وتعترف بمظلومية غزة، وتتفاعل مع هذه المظلومية بشكلٍ أو بآخر، مواقفها جيدة، والأمريكي عندما يرى نفسه أنه فشل حتى في هذه الطريقة التي يعتمد عليها: استراتيجية توريط الآخرين، هذا سيكون أيضاً جزءاً مهما من فشله، يفشل في اتجاهات متعددة: يفشل في توريط الناس معه، وهي استراتيجية يعتمد عليها دائماً في كل المواقف، في سياسته العدوانية الهمجية التي يستهدف بها الشعوب، وهذه المرة يستخدمها لصالح العدو الإسرائيلي، في الإجرام ضد الشعب الفلسطيني، استخدام سيء للغاية، وتخيلوا يسعى لتوريط العرب والمسلمين، يسعى لتوريطهم في دعم الإجرام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني! ويسعى لتوريط بقية الدول.

كما عملياتنا العسكرية مستمرة، طالما استمر العدوان الإسرائيلي والحصار الإسرائيلي على غزة، فكذلك كل الأنشطة في بلدنا (الأنشطة الأخرى) ستستمر: التعبئة والتدريب العسكري، والتأهيل العسكري… وبقية الفعاليات والأنشطة والمظاهرات، والخروج المليوني الأسبوعي لشعبنا العزيز، الذي سجَّل لشعبنا العزيز صفحةً بيضاء في تاريخه، وفي سجله الإنساني ورصيده العظيم، من المواقف المشرِّفة.

ميزة الموقف هي في الثبات، وفي الاستمرار، ميزة موقف بلدنا هو: الثبات على هذا الموقف، لا يؤثر على ذلك لا العدوان الأمريكي والبريطاني، ولا- كذلك- وسائل وأساليب الضغط الأخرى، التي حاولوا أيضاً أن يمارسوها ضد شعبنا العزيز، ومنها: مسألة المساعدات الإنسانية، التي جعلوا منها أيضاً وسيلةً أخرى من وسائل العدوان على بلدنا، في منع المساعدات الإنسانية عن الملايين من أبناء هذا الشعب، الذين يعانون من الجوع والبؤس والفقر، فالأمريكي يمنع المساعدات الإنسانية عنهم؛ نصرةً منه للعدو الإسرائيلي، وإمعاناً في حماية الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

شعبنا مستمرٌ في ثباته على موقفه، العدوان الإسرائيلي طالما هو مستمر، والدم الفلسطيني مسفوك، والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني مستمرة، طالما والعدو الإسرائيلي يقتل أطفال فلسطين ليلاً ونهاراً، ويجوِّع الشعب الفلسطيني في غزة، ويمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في غزة، فشعبنا مستمرٌ في كل أنشطته، ثابتٌ عليها.

الثبات والاستمرار ميزة مهمة في الموقف، تعبِّر عن مدى الإيمان، عن مدى الوعي، عن مستوى الشعور بالمسؤولية، هي مسألة مهمة جدًّا، تعبِّر عن الضمير الحي، عن التحدي للأعداء، الذين حاولوا أن يكسروا إرادة هذا الشعب، وأن يرهبوه، وأن يخيفوه، حاولوا عبر التهديد، عبر أبواقهم الإعلامية، لكنهم فشلوا؛ ولذلك كل إنسان منا معنيٌ بهذا الثبات، وبالتعبير عن هذا الثبات، من خلال الحضور المليوني، الذي يشهد على هذا الثبات، ويترجم هذا الثبات في موقفٍ عملي.

الخروج في إطار موقف شعبنا المتكامل: من إطلاق الصواريخ، إلى الخروج في المظاهرات… وغير ذلك من الأعمال والأنشطة، هو يعبِّر عن الرجولة والشرف، وعدم الانكسار؛ لأن العدو يريد أن يكسر إرادة هذا الشعب، ليتراجع عن مواقفه، عن حضوره، عن تفاعله، هو يحسب التراجع عن الحضور، حتى على مستوى المظاهرات، يحسبه انكساراً، وتراجعاً، وضعفاً.

الحضور يعبِّر عن الشعور بالمسؤولية، يظهر العافية والسلامة الأخلاقية، أننا شعب يتمسك بأخلاقه، بقيمه، بمشاعره الإنسانية، شعب يتفاعل مع قضايا أمته، مع قضايا دينه، مع مسؤولياته الإيمانية والأخلاقية، والحضور المليوني الأسبوعي هو عائق أمام الأعداء تجاه مؤامرات كثيرة، وخطط كثيرة، لو لحظ الأعداء أنَّ هناك ضعفاً في التفاعل الشعبي، كانوا سيعلِّقون على ذلك بعض الآمال، ويتحرَّكون في بعض الخطط والمؤامرات؛ لكن الحضور المليوني له أهمية قصوى في إفشال كثير من مؤامرات الأعداء، ومن خططهم.

ولذلك عندما يكون لهذا الحضور المليوني الأسبوعي هذا التأثير على الأعداء، وهذا الإسناد للموقف في كل مساراته: على المستوى العسكري، وعلى مستوى التعبئة العسكرية، وعلى المستوى السياسي، وثقل هذا الموقف؛ لأنه موقف يعبِّر عن الشعب، بكل هذا الحضور الكبير الذي يحضر فيه مختلف أبناء هذا الشعب، هذه نعمة، أن يكون حضورك- أخي العزيز- عندما يكون حضورك في الساحة، حضورك في يومٍ في الأسبوع في المظاهرات، له هذه القيمة، هذه الأهمية، هذا التأثير، هو جزءٌ من جهادك في سبيل الله، من مسؤوليتك الإنسانية والإيمانية والأخلاقية، أنت تعبِّر بذلك عن إيمانك، عن وفائك، عن رجولتك، عن شجاعتك، أنت تخرج في ميدان السبعين، تخرج في أي محافظة من المحافظات، لتتحدى (أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل)، تخرج لتعبِّر عن ثباتك، عن استمرارك، عن قوة إرادتك، عن قوة إرادتك، عن إيمانك، عن شعورك بالمسؤولية، عن أخلاقك وقيمك، عن ضميرك الحي، عن مشاعرك الإنسانية، وإحساسك الإنساني، تخرج لتقول أنك لست ممن يصمُّ أذنه، أو يتعامى بعينه عمَّا يحدث في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية، ومجازر وحشية، وجرائم رهيبة، لست ممن يتجاهل ذلك المشهد المؤلم لدموع الثكالى واليتامى، وصرخات وتأوهات وأوجاع أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تحضر إلى الساحة؛ لأنك حي، وضميرك حي، وإيمانك حي، وشعورك حي؛ لأنك لا زلت إنساناً، تحمل المشاعر الإنسانية، وتفيض بهذه المشاعر في وجدانك وفي شعورك، تخرج لهذا السبب، لهذا الاعتبار، ليس خروجاً عادياً.

الخروج في هذه المرحلة التاريخية، في إطار هذا الموقف المهم لشعبنا العزيز، له معنى كبير، له أهمية كبيرة، هو خروج يعبِّر عن الوفاء، عن الإيمان، عن القيم، عن الشجاعة، عن الحُريَّة، عن الكرامة، هو خروج لنصرة شعبٍ مظلوم، الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، كي لا نسكت مع الساكتين، كي لا تلحق بنا لعنة الله على المتخاذلين، والذين يخذلون الشعب الفلسطيني، ولا يفعلون معه أي شيء، وليس لهم معه أي صوت، ولا أي موقف، ولا أي تحرك بأي مستوى من المستويات.

نخرج لنترجم هويتنا الإيمانية، لنترجم ما يعنيه قول رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، هذا الخروج المليوني الأسبوعي حتى بين المطر، يعبِّر عن هذا التعبير، هو من مصاديق وشواهد هذا الحديث النبوي، هو استجابةٌ لله، واستجابةٌ لرسول الله، واستجابةٌ لمقتضى الانتماء الإيماني، استجابة للضمير الإنساني، وخروج في غاية الأهمية، وهو متيسِّر، ومتاح، ومقدور، لا ينبغي الملل أمامه، إنَّ الله يقول لنا في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200].

إخوتنا المجاهدون في غزة يصبرون تحت وابل القصف، من القنابل، والصواريخ، والقذائف المدمرة والقاتلة، وفي حالةٍ من الجوع والظمأ وكل أشكال المعاناة، أفلا يصبر الإنسان ليخرج في يومٍ من الأسبوع إلى ساحةٍ من الساحات، ليعبِّر بحضوره هذا عن تأييده لموقفٍ شاملٍ كامل، من إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، إلى بقية التفاصيل في هذا الموقف الشامل؟! أفلا يخرج ليعرف العالم أجمع أنَّ هناك من يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، هناك صوتٌ عالٍ يوم سكتت الكثير من الدول، يوم سكتت الكثير من الشعوب، هناك صوتٌ مسموع، وصوتٌ معه موقف، صوتٌ يحمل السلاح، يحمل البندقية، صوتٌ حاضر للعطاء والموقف بكل مستوياته.

ولذلك أتوجه إلى شعبنا العزيز:

إخوتي الأعزاء، يا كل يمنيٍ حر، يا كل رجلٍ يمنيٍ يعرف معنى الوفاء: أدعوكم بدعوة الله تعالى، بدعوة الإيمان، بداعي الإنسانية، وأناديكم بنداء الأقصى الشريف، بنداء مظلومية الشعب الفلسطيني، وصرخات أطفاله، ودموع الثكالى واليتامى، للخروج المليوني يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وبحسب الترتيبات المعتمدة، واصلوا، واستمروا، لا تَكِلُّوا، ولا تَمِلُّوا، ولا تفتروا، ولا تهنوا، طالما والعدوان مستمرٌ على الشعب الفلسطيني، خروجكم وموقفكم استجابةً لله، هو جزءٌ من جهادكم في سبيل الله، هو تعبيرٌ عن وفائكم، عن نخوتكم، عن شرفكم، عن قبيلتكم، عن ضميركم الحي.

أَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَن الشَّعْبِ الفَلَسطِينِي المَظلُوم، وَأَنْ يَنصُرَهُ النَّصرَ العَاجِل، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات ذات صلة