البحثُ عن صورة النصر المفقود!!

دينا الرميمة

انتهت الهُدنة وعادت الحربُ على غزة بحثاً عن صورة نصرٍ مفقود بين ركامات المنازل المدمّـرة وسيل الدم المراق على أرضها، التي تلقفت ما يقارب الأربعين ألف طن من المتفجرات، وَنيران حرب أشعل فتيلها الكيان الصهيوني ليعيد بها ماء وجهه التي ذهب بها الطوفان الفلسطيني.

قرابة ستين يوماً من الحرب دون أن يحقّقوا نصراً يذكر بينما تمضي غزة وَطوفانها بين معارج النصر، على الرغم من كثافة النيران والعدد الكبير للضحايا وبشاعة المجازر، التي أظهرت للعالم حقيقة الكيان الصهيوني، الذي يحاول بالقوة إقامة دولته على أنقاض دولة عمرها آلاف السنين، وبدعم أمريكي وغربي هم اليوم شركاء في هذه الحرب.

 

وعلى الرغم من حجم الدعم الكبير للجيش الصهيوني وَتأييد الأنظمة لحكومته إلا أنه خسر فيها الكثير من شعبيته وتهاوت سمعته تحت أقدام الشعوب الذين خرجوا بمسيرات كبرى تنادي بالحرية لغزة وفلسطين!!

 

أضف إلى أن هذه الحرب أفشلت مشاريع التطبيع، وأظهرت حجم الانقسام الكبير داخل الكيان وحكومته في وقتٍ هم راهنوا على انقسام فصائل المقاومة فبدت أكثر وحدةً ودعماً لبعضها، وُصُـولاً إلى صورة جيشهم الهشة التي أظهرتها العملية البرية بعد أن زجوا بهم لاجتياح غزة محملين بكل وسائل القتل والحماية وَالسند الجوي والبري، في عمليةٍ ظاهرها القضاء على حماس وأنفاقها وَإعادة الرهائن الصهاينة، الذي لقى البعض منهم حتفه إما قتيلاً بصواريخ أسياده أَو ميتاً خوفاً منها، وباطنها نكبة جديدة لفلسطين باحتلال غزة وَتهجير شعبها!!

 

فصاروا بذلك أكثر قرباً من صياديهم بعد أن اتحدت الأرض مع أصحابها ثائرين على أُولئك الملوثة أيديهم بجرم الحرب على غزة، وتحولت تلك الركامات وَالمباني المدمّـرة إلى حصونٍ ومتارس من مسافة صفر تبتلع جنود الاحتلال مع مدرعاتهم وآلياتهم المحترقة على رأسها الميركافا الدبابة الأكثر تطوراً في عالم التكنولوجيا.

قرابة الشهر من عمر الاجتياح البري دون أن يحرّروا رهينة أَو يصلوا إلى نفق لطالما حاولوا أن يجدوا لهُ أثرًا تحت مباني المستشفيات وَالمدارس، بما فيها تلك التي تحمل العلامة الزرقاء للأمم المتحدة، التي لم تجد بنداً من بنودها للسلام يحميها مع أُولئك اللاجئون إليها، ولم تجد بنداً من بنودها يجرم الاعتداء على الطواقم الطبية مع مرضاهم!!

 

هو فشل عسكري صاحبه انهيار كبير في الاقتصاد الصهيوني إثر هذه الحرب، خَاصَّةً مع إعلان اليمن باب المندب منطقة محرمة على السفن الإسرائيلية وكلّ سفينة ترتبط بالكيان ما دامت الحرب قائمة على غزة، مؤكّـدةً تهديداتها بالسيطرة على سفينة جلاكسي ليدر ما جعلهم يتعاملون مع التهديد اليمني بشكل جدي وَحرفوا مسار سفنهم إلى طريق رأس الرجاء الصالح ما تسبب برفع سعر شحن السفن إلى ١٤٪؛ الأمر الذي سيسبب بزيادة الأزمة الاقتصادية داخل الكيان الصهيوني، الذي لكالما اعترف بخوفه من تنامي قوة اليمن التي لم تستخدم يوماً ورقة الممر المائي لفك الحصار عليها خلال سنوات، اليوم الحرب عليها لكنها اليوم جعلت منه ورقة تساوم؛ لأجل غزة!!

 

وعلى إثر هذه الهزائم المتوالية لم تجد حكومة الكيان من نصرٍ تقدمه للشارع الصهيوني الضاغط عليها بشأن استعادة الرهائن إلا الدخول في مفاوضات عبر هدنة وضعت حماس شروطها، وَانتزعت فيها حرية عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين وعمت الفرحة أوساط المدن الفلسطينية بهذا النصر، وإن كان ممزوجاً بألم على الحرب على غزة، التي لم تلبث أن تنفست الصعداء خلال أَيَّـام التهدئة حتى عاودتها الحرب التي وضعوا لائمتها بظهر حماس متناسين تلك التصريحات للقادة الصهاينة باستئناف الحرب فور انتهاء الهدنة.

 

ربما كان عليهم اغتنامها كفرصة للخروج من هذه الحرب وإيقاف سيل الهزائم التي ما زالت تلاحقهم والتي أثبتت لهم، أن النصر لا يأتي على ظهر دبابة ميركافا أَو طائرة 35، إنما النصر دائماً حليف الشجعان وأصحاب الإرادَة والحق.

 

مقالات ذات صلة