عملية “طُوفان الأقصى”: نهايةُ حلم الكيبوتس وانبعاثُ روح المقاومة الفلسطينية

حسام باشا

في يوم مبارك من أَيَّـام الله، 7 أُكتوبر 2023م، كتب التاريخ صفحة مجيدة من صفحات البطولة والفداء، حَيثُ حقّقت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة انتصاراً عظيماً على العدوّ الصهيوني، الذي كان يتباهى بأنه أقوى جيش في المنطقة، ولم يكن هذا الانتصار مُجَـرّد رد على الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة وحسب، بل مثل ضربة موجعة لمشروع الاستيطان الصهيوني، الذي اقتحم أرض فلسطين وطرد أهلها وسرق مقدساتها.

 

 

 

ما هو الكيبوتس؟

 

لندرك أهميّة ما حدث في يوم 7 أُكتوبر، علينا أن نعرف ما هو الكيبوتس، وما دوره في تشكيل الكيان الصهيوني، الكيبوتس هو مصطلح يطلق على المستوطنة اليهودية التي تعتمد على المشاركة والتعاون في العمل والدفاع والمعيشة، بدأت فكرة الكيبوتس في أوائل القرن العشرين، عندما هاجر بعض اليهود من أُورُوبا وأمريكا إلى فلسطين، بدعم من القوى الاستعمارية، واستولوا على أراضي الفلسطينيين، وأنشأوا مستوطنات تعبر عن رؤيتهم القومية اليهودية والاجتماعية والاقتصادية، وكانت هذه المستوطنات هي الأَسَاس لإعلان قيام هذا الكيان الغاصب عام 1948م باسم “إسرائيل”، والتي ادّعت أنها دولة لليهود من كُـلّ أنحاء العالم، وأنها تعيدهم إلى أرض وعدت لهم من قبل الله تعالى، ولكن هذا الادِّعاء الزائف لم يكن إلا ذريعة للاستيلاء على أرض عربية وإبادة شعبها الأصيل، الذي عانى من النكبة والنكسة والقمع والحصار والحرمان من حقوقه الإنسانية والوطنية.

 

ومنذ ذلك الحين، والكيان الصهيوني يواصل سياسة الاحتلال والتوسع في الأراضي الفلسطينية، ويحاول تغيير معالمها وتاريخها وهُــوِيَّتها، وتحويلها إلى أرض يهودية بامتيَاز، ولهذا الغرض، يستخدم هذا الكيان جميع الوسائل والأساليب، سواءً العسكرية أَو السياسية أَو الاقتصادية أَو الإعلامية أَو الثقافية، لتحقيق هدفه الاستعماري، وتعتبر المستوطنات اليهودية التي تنتشر في كُـلّ أنحاء الأراضي الفلسطينية، وخُصُوصاً في الضفة الغربية والقدس والمحاذية لقطاع غزة، هي أحد أهم ركائز هذه السياسة، وأحد أخطر التهديدات على وجود الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه.

 

 

 

ماذا حدث في يوم 7 أُكتوبر؟

 

في يوم 7 أُكتوبر، حدث ما لم يكن في الحسبان، المقاومة الفلسطينية في غزة نفذت عملية “طُوفان الأقصى”، وهي عملية هجومية مفاجئة على فرقة غزة، وهي فرقة عسكرية تابعة للجيش الصهيوني، تأسست بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005م، وتمركزت على الحدود مع قطاع غزة، وكانت مسؤولة عن حماية 50 مستوطنة تقع على طول 40 كيلو متراً من الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة، المقاومة الفلسطينية تمكّنت من سحق هذه الفرقة، وقتلت أكثر من ألف جندي صهيوني في ثلاث ساعات فقط، باستخدام مزيج من الأسلحة والتكتيكات العسكرية، مثل الصواريخ والقذائف والطائرات المسيَّرة، بالإضافة إلى شن هجوم بري مباغت، نجحت من خلاله من اقتحام المستوطنات الصهيونية، وعدد كبير من المواقع والقواعد العسكرية والأمنية، والعودة إلى غزة، وفي قبضتها غنائم وأسرى صهاينة، في إنجاز عسكري لم تشهدْ مثله المنطقة من قبل.

 

 

 

ما هي آثار عملية “طُوفان الأقصى”؟

 

هذا الهجوم الذي أَدَّى إلى ترك هذه المستوطنات المحاذية لغزة، والتي تسمى بغلاف غزة، بدون أية حماية عسكرية، كان كالصاعقة على مشروع الكيبوتس، الذي كان يمثل النموذج الأيديولوجي والاجتماعي والاقتصادي للكيان الصهيوني، فما بناه الصهاينة على مدار 70 عاماً، انهار في ثلاث ساعات.

 

هنا دخل الكيان في حالةٍ من الفزع والغضب غير المسبوقين، وبدأ يقصف غزة بلا رحمة، مستهدفاً الأطفال والنساء والمدنيين؛ بهَدفِ الانتقام من المقاومة التي أهانته، وحولت فرقة غزة المزودة بالسلاح والمعدات الحديثة من صائد إلى صيد، وهدمت مشروعه الاستيطاني من جهة، وإلى التغطية على الانتصار الكبير الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية في يوم 7 أُكتوبر من جهةٍ أُخرى، فالعالم عندما يرى صور الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا بوحشية في غزة، وإلى حجم الدمار الكبير في القطاع، لن ينتبه إلى صور جثث جنود فرقة غزة المتراصة فوق بعضها، ولن يلاحظ صور المستوطنات التي خلت من سكانها في ثلاث ساعات، ولذلك كان على هذا الكيان الصهيوني الإجرامي أن يحاول لفت انتباه الإعلام نحو موضوع مؤلم جِـدًّا، خَاصَّةً في عيون الشعوب العربية، للتستر على الهزيمة الحقيقية التي لحقت به إزاء انهيار الفكرة الأَسَاسية لوجوده، فلم يعد أي يهودي في أُورُوبا أَو أمريكا اليوم لديه رغبة في الهجرة إلى الكيان الصهيوني والعيش في مستوطنة.

 

 

 

ما هي رسائل عملية “طُوفان الأقصى”؟

 

بلا شك أن عملية “طُوفان الأقصى” تحمل رسائل قوية وصريحة إلى العالم كله، فالمقاومة في غزة لم تكن تهدف فقط إلى تحقيق انتصار عسكري على العدوّ الصهيوني، أَو نسف فكرة الكيبوتس وحسب، بل هدفت أَيْـضاً إلى توجيه رسائل عدة منها:

 

إثبات أن الشعب الفلسطيني لا يرضخ للاحتلال والاستيطان، ومستعد للتضحية بكل شيء؛ مِن أجل تحرير أرضه وكرامته وحقوقه، وأن المقاومة هي الخيار الوحيد والفعال لمواجهة الاحتلال الصهيوني، والقادرة على تغيير موازين القوى وإلحاق الهزائم بالصهاينة، فهي تناضل؛ مِن أجل قضية عادلة ومشروعة ومشهودة.

 

إظهار أن مستقبل هذا الكيان هو الموت والزوال، فلا يمكنه البقاء على أرض لا تريده ولا تقبله، ولا يمكنه الاستمرار في سياسة الاحتلال والتوسع والقمع، أَو الاعتماد على الدعم الخارجي والتطبيع العربي لتنفيذ سياسته الشيطانية في أرض فلسطين، وألا مفر لديه للهروب من العدالة الإلهية والتاريخية.

 

إن الحكام العرب الذين يتآمرون مع الصهيونية، ويطعنون القضية الفلسطينية، ويبيعون الأقصى والقدس والمقدسات، ليسوا إلا حكام خونة وعملاء ومنبوذون، لا يمثلون شعوبهم، وسيحاسبون على خيانتهم وجرائمهم.

 

في ختام الحديث، لا يمكن إنكار أهميّة وعظمة عملية “طُوفان الأقصى” التي تمثل منعطفاً تاريخيًّا في الصراع العربي الإسرائيلي، فهذه العملية لم تكن مُجَـرّد عمل عسكري ناجح، بل كانت رسالة قوية وواضحة إلى العالم أجمع عن إرادَة الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والكرامة والعيش على أرضه، وقد أضاءت هذه العملية شمعة الأمل والتفاؤل في قلوب الأُمَّــة العربية والإسلامية، وأعادت إليها الثقة بنفسها وبقدرتها على تحقيق النصر والتغيير، وليس هذا فحسب، بل إن هذه العملية تدعونا إلى الاستفادة من دروسها وعبرها، وإلى الاستمرار في النضال والمقاومة والتطوير، فهي تذكرنا بأن الله سبحانه وتعالى هو الناصر والمعين، وأن النصر من عنده وإليه، فلنستلهم من هذه العملية مثالاً في الصبر والثبات والإبداع والتضحية، ولنجعلها حافزاً لنا للمزيد من العمل والعطاء.

 

 

مقالات ذات صلة