الحضارةُ المتوحِّشة ودماءُ الأبرياء

د. شعفل علي عمير

كثيرٌ من قاصري الوعي مَن كان يتغنى بإنسانية الغرب وما تُمثِّلهُ من قِيَمٍ إلى درجة اهتمامه بحِقوق الحيوان، فكان البعض ممّن لا يعي حقيقة إنسانية أمريكا والغرب عُمُـومًا ينعت أمتهُ العربية والإسلامية بأنها لا ترتقي بحضارتِها ورُقيها إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمِة مِن حضارة ارتقت في قيمها إلى أن لامَسَت احتياجات وحقوق الحيوان فأصبح للحيوان حقوق كما للإنسان حقوق.

 

لا يوجد تقدم ورقي حضاري بمعَزل عن الجانب الإنساني وإن وجدت مظاهر للحضارة المادًية كما هو حاصل في عصرنا هذا إن لم يواكبْها رقيُّ الإنسان في إنسانيته وقيمه فتصبح الحضارة مُجَـرّدةً كالجسد بلا روح، تصبِح كيانًا ماديًّا فقط، لا يرتكزُ على أُسُسٍ من القِيَم الإنسانية؛ فتكون هذه الحضارة متوحشة وإن أضفوا عليها مُسمّيات إنسانية وحقوقية.

 

السؤال الذي يطرح نفسَه: لماذا تُصبِحُ بعضُ الحضارات متوحشة؟ ولماذا يتضح زيف إنسانيتهم الزائفة بشكل سريع؟!! كُـلّ العالم يعرف بأنه لو لم يكُن هناك غزوٌ وظُلمٌ وقهرٌ ونهبٌ لشعوب أُخرى لَمَا قامت تلك الحضارات الغربية والأمريكية، بمعنى أن هذه الحَضَارات لم ترتكز في مقوماتها على الجوانب الإنسانية، بل إنها اعتمدت على نهب وقهر الشعوب الأُخرى، لتبني حضارتها على معاناة غيرها من الشعوب، كما هو حاصِل في نهب ثروات بعض دول أفريقيا وغيرها من قبل فرنسا وغيرها من دول أُورُوبا وأمريكا، ومن هذا المنطلق يتبين بأن (فاقد الشيء لا يعطيه) بمعنى كيف يمكن لنا أن نتوقع بأن للحضارة الأُورُوبية والأمريكية جانبًا إنسانيًّا وهي التي قامت على أَسَاس لا إنساني.

 

القتل الجماعي الذي لم يسبق له مثيلٌ للأطفال والنساء في فلسطين، وما رافقه من تأييدٍ غربي وأمريكي مطلَقٍ إنما يترجم مُخرجات تِلك الحضارات المتوحشة، إنها النتيجة المتوقعة لدول كان أَسَاس حضارتها دماء وقهر شعوب أُخرى، وبنفس النهج الذي انتهجته الدول الأُورُوبية والأمريكية ينهجهُ الكيان الصهيوني الإرهابي، الذي يحذو حذو الشيطان الأكبر أمريكا عندما قامت بالقتل الجماعي للهنود الحُمر وقتل الملايين منهم ونهب كُـلّ أراضيهم وإقامة دولتهم على أنقاض ورُفات السكان الأصليين.

 

فلا غرابة أن نسمع من يشجع العدوّ الصهيوني على قتل إخواننا الفلسطينيين دون استثناء ودون حرمة لأي شيء، قتل الشعب الفلسطيني في المساجد والمستشفيات والكنائس والطُرقات وحتى في منازلهم، كُـلّ هذه الجرائم لم ترتقِ إلى مُجَـرّد إدانة من دول الحضارات الغربية والأمريكية.

 

لو نستعرض واقع تلك دولٍ أيَّدت ودعمت الكيان الصهيوني ورجِعنا إلى الوراء قليلًا لوجَدنا أن تاريخَ تلك الدول وأَسَاسها هو الظلم والقتل والوحشية سواء أكانت هذه الدول أُورُوبية أَو أمريكية أَو أسيوية أَو حتى دول عربية، والعكس فَــإنَّ الدول التي اعتمدت في حضارتها على ما هو مُتاح فيها من موارد كان للجانب المادي والروحي (الإنساني) حضور في مكونات هذه الحضارة، فالدولة عبارة عن كيان كبير يجمع أُمَّـة من البشر، فما ينطبق على الفرد الواحد يمكن أن ينطبق على الدولة، فالإنسان يمكن أن يكون ظالمًا عديم الإنسانية يبني ثروته من نهب حقوق الآخرين، هذا الإنسان حتماً لن يكون لديه جانب إنساني حتى ولو تظاهر بذلك فسُرعان ما تتضح حقيقته عندما يكون بين خيارين إما مع الظالم أَو المظلوم، والعكس عندما يكون الإنسان مؤمنًا تقيًّا يخاف الله وهذه سنة الله التي يميز فيها الخبيث من الطيب.

 

 

مقالات ذات صلة