سرقة المرتبات ونهبُ النفط دون غطاء!

أنس عبد الرزاق

لماذا تواجدت القوات الأمريكية في البحر الأحمر؟ كيف تخدع أمريكا الشعب اليمني والعالم لتنقذ نفسها؟

 

في اجتماعٍ سري جِـدًّا حصل يوم 19 أغسطُس 1971م الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون كان مجتمعًا مع أهم المسؤولين في إدارته لكي يقوموا بمناقشة أهم القرارات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

 

حينها كانت الولايات المتحدة الأمريكية على حافة الانهيار الاقتصادي إبان الحرب الكورية، حَيثُ حدث ركود اقتصادي ليس له مثيل في أمريكا بعجز يقدر بحوالي 11 مليار دولار، أَدَّى إلى حدوث مشكلة كبيرة للإدارة الأمريكية لمواجهة المدفوعات حينها وتمويل مشاريعها العسكرية بمعنى انهيار ميزان المدفوعات خلاصة أَو ناتج المعاملات المالية الأمريكية مع الدول الأُخرى.

 

المهم أمريكا منذ زمن وتحديداً عام 1893م كانت تمتلك فائضًا في الميزان التجاري السلعي، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية كان يمثل الاقتصاد الأمريكي 50 % من الاقتصاد العالمي وبعد حدوث النمو الاقتصادي للدول الأُخرى صاحبه تراجع للاقتصاد الأمريكي ليصبح 35 % لسنة 1950م ثم 27 % لسنة 1969م، وفي عام 1971م عانت أمريكا من عجز قيمته 2 مليار دولار مما أَدَّى إلى معاناة أمريكا الذي بدوره أَدَّى إلى عجز متنامي في ميزان المدفوعات بشكل عام حينها قامت الولايات المتحدة بتخفيض الفائدة؛ ما أَدَّى إلى سحب رؤوس الأموال إلى الدول صاحبة الأعلى فائدة.

 

في هذا الوقت كانت أمريكا تقوم بضخ العديد من الدولارات على صورة مساعدات لحلفائها كما حصل مع الألمان واليابانيين في إطار خطة مارشال عام 1948م فكانت الدولارات التي تخرج من الخزانة الأمريكية أكثر من الدولارات التي تدخل الخزانة وحينها قامت أمريكا بكسر ما يسمى قاعدة الذهب آنذاك والتي بموجبها قامت أمريكا بضخ الدولار في الدول الأجنبية مستغلة وضعها إبان الحرب العالمية الثانية على صورة احتياطيات عملة صعبة في البنوك الأجنبية متجاهلة كُـلّ شعوب العالم وبناءً على ذلك تقوم أمريكا بطباعة الدولار بدون غطاء؛ لأَنَّها كانت متخوفة من اتِّخاذ أية عقوبات ضدها في إطار التزامها بما يسمى قاعدة الذهب آنذاك، وعند وضع هذه العوامل نجد أن هذا الأمر يتكرّر اليوم في 2023م، حَيثُ يؤكّـد الخبراء الاقتصاديون أن الولايات المتحدة تتجه إلى انكماش اقتصادي خطير وبلوغها “حد الدين” وهو ما ينذر بإفلاسها في ظل المنافسة الاقتصادية الشرسة مع الدول الأُخرى، بمعنى أن الدولار فجأة أصبح في كُـلّ الدول ولكنه لا يمثل أية مشكلة لأمريكا؛ وهو ما يمثل قنبلة موقوتة يمكن أن تتغير في أي وقت، فأمريكا ليس لديها الاستعداد لإعطاء الذهب عند طلب أي بنك مركزي لأية دولة مقابل الدولار.

 

ففي عام 1971م أثبتت التقارير أن أمريكا كانت تمتلك ما يقارب 10.2 مليار دولار من الذهب وفي نفس الوقت البنوك المركزية الأُخرى لديها احتياطي من الدولار بحوالي 40 مليار دولار؛ وهو ما يمثل كارثة بالنسبة لأمريكا، وبالتالي فَــإنَّ أمريكا تقوم بخداع العالم؛ لأَنَّها تقوم بتقويض النظام المالي العالمي لصالحها وهو ما يجعله ينهار ومن ناحيةٍ أُخرى لا تسمح أمريكا بالإدلاء عن أية معلومات تهدّد الاحتياطي الأمريكي الذي يتم استنزافه على صورة مساعدات لحلفائها في أوكرانيا وغيرها من دول العالم.

 

من هنا بتنا نعرف أن النظام المالي العالمي هو نظام على ورق فقط وأن أمريكا فعلياً لا تستطيع الالتزام به، لكن الجميع ساكت ومترقب لمعرفة ما الذي سيجري؛ وهو ما يجعل أمريكا تبادر بالحلول باستغلال الدول لنهب ثرواتها بحجّـة الأوضاع الإنسانية التي هي في الأَسَاس نتاج لسياستها في استغلال الدول عن طريق تقسيمها في إطار خطة فولكر العدوانية المعدلة أَو ما يسمى في الإدارة الأمريكية التخطيط للطوارئ.

 

ما يهمنا الآن هو أن نعرف أن تواجد الجيش الأمريكي في البحر الأحمر ليس حفاظاً على النظام السياسي أَو الاقتصادي وإنما لحماية نظامها الاستغلالي العدواني، وأن تأمين ناقلات النفط للدول الأُخرى لا يعني لها شيئاً، فالجميع يعرف أن تواجد أمريكا في اليمن هو لنهب ثرواته واستغلال أراضيه ويجب أن نذكر تهديدات السفير الأمريكي بضرب العملة الوطنية في مفاوضات الكويت، واعتباره مطالبة صنعاء في كُـلّ جولات التفاوض بالمرتبات شروطاً تعجيزية..

 

إن الحقيقة الجلية التي لا تكاد تخلو من اللبس هو أن مجلس القيادة يتلقى التعليمات من الإدارة الأمريكية باستغلال الوضع الاقتصادي في البلاد لينقذ نفسه، وأمريكا، وأن مرتبات الشعب اليمني؛ أُسوةً بشعوبٍ أُخرى في العالم لا تمثل المصلحة الأمريكية حتى يتم دفعها، وعلى الرغم من أن صادرات النفط اليمني التي نهبت، بلغت إيراداتها بحسب تقارير دول التحالف بحوالي 11.2 مليار دولار في السنوات السبع الماضية؛ أي ما يكفي لصرف مرتبات الموظفين اليمنيين في القطاعين المدني والعسكري لحوالي 56 شهراً، مع العلم أن المجلس الانتقالي يقوم بالصرف لحوالي 25 % من الموظفين في اليمن، وعلى الرغم من أن أكبر عدد من المنظمات التي تدعي الإنسانية توجد في المحافظات الجنوبية، إلَّا أن السياسات العدائية للمجلس الانتقالي أوصلت المواطنين في المحافظات الجنوبية إلى المجاعة وانهيار الدولة.

 

يتضح لنا في الأخير أن عائدات النفط والغاز لا تمثل سوى أرقام على ورق بالنسبة للشعب اليمني، وأن أمريكا ومعها دول التحالف ومرتزِقتها لا تستطيع الالتزام بدفع هذه المبالغ للشعب اليمني؛ كونها غير موجودة، ونحن نطالب بإعادة الموارد إلى البنك المركزي وإعادته إلى صنعاء.

 

 

مقالات ذات صلة