موقعٌ أسترالي: الإعلامُ الأمريكي يتعاطى مع اليمن بازدواجية وتحيُّز لخدمة أهداف سياسية

عمران نت – تقارير – 18 محرم 1445هـ

صحيفة المسيرة – متابعات

كشف بحثٌ نشَرَه موقعُ “ذا كونفرسيشن” الأسترالي، أن وسائلَ الإعلام الأمريكية والغربية، تعتمدُ معاييرَ مزدوجةً في تغطية الأحداث بين اليمن وأوكرانيا، مُشيراً إلى أن التحيُّز الكبير الذي تمارسه هذه الوسائل، يتعلق بمصالح وتوجّـهات الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حَيثُ يعمد الإعلام الأمريكي إلى تسليط الضوء بشكل مكثّـف على أوكرانيا وتوجيه اتّهامات واضحة لروسيا بارتكاب جرائم هناك، في نفس الوقت الذي يعمل فيه على تجاهل جرائم دول العدوان في اليمن والتقليل منها.

 

البحثُ الذي أعده كُـلٌّ من “إستر بيتو رويز” و”جيف باكمان”، وهما أكاديميان في الجامعة الأمريكية للخدمة الدولية، تناول طريقة تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للأحداث في أوكرانيا واليمن، وربط ذلك بموقف الولايات المتحدة من الصراعين، حَيثُ تدعم واشنطن الحكومة الأوكرانية تحت عنوان مواجهة الهجمات الروسية، فيما تدعم السعوديّة والإمارات لشن الهجمات على اليمن.

 

وركّز الباحثان على صحيفة “نيويورك تايمز” كنموذج، نظراً شعبيتها وسعة انتشارها كمصدر إخباري، حَيثُ قاما بمقارنة عناوين الصحيفة بشأن اليمن خلال ما يقارب سبع سنوات ونصف سنة، مع عناوينها بشأن أوكرانيا خلال أول تسعة أشهر، حَيثُ توصلا إلى أن هناك “تحيزات واسعة النطاق في كُـلّ من مدى ونبرة التغطية، حَيثُ يتم تسليط الضوء أَو التقليل من شأن المعاناة الإنسانية بطريقة تتطابق مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.

 

 

 

انتقائيةٌ فاضحةٌ في حجم ونوع التغطية:

 

أظهر البحث أن الصحيفة الأمريكية نشرت 546 مادة عن اليمن في الفترة ما بين 26 مارس 2015 وَ30 نوفمبر 2022، لكنها نشرت أكثر من هذا العدد بشأن أوكرانيا خلال أقل من ثلاثة أشهر، لتصل إلى ضعف العدد في غضون تسعة أشهر فقط.

 

وأشَارَ البحث إلى أن “القصص عن أوكرانيا أصبحت شائعة في الصفحة الأولى (لصحيفة نيويورك تايمز) منذ بدء العملية الروسية، لكن فيما يتعلق باليمن فَــإنَّ هذه القصص لم تكن تظهر على الصفحة الأولى إلا نادراً”، مُضيفاً أن “تغطية الأمن الغذائي في اليمن لم تأتِ إلا بعد ثلاث سنوات من بدء عمليات الحصار التي أَدَّت إلى الأزمة”.

 

وأوضح أنه في الوقت الذي نشرت فيه الصحيفة الأمريكية أول مقال لها عن الأزمة الإنسانية في اليمن عام 2018، كان هناك 14 مليون يمني يواجهون بالفعل “انعدام أمن غذائي كارثي” وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.

 

وكشف البحث أن عناوينَ الصحيفة الأمريكية بخصوص اليمن كانت في معظمها عرضية؛ أي تركز على أحداث معينة بدون سياق يربط بينها، فيما كانت العناوين بخصوص أوكرانيا من النوع الموضوعي الذي يضع سياقاً للأحداث، وكمثال على ذلك، قارن الباحثان بين عنوانين، الأول يتحدث عن “ضربة سعوديّة تقتل تسعة على الأقل في الأسرة اليمنية” والثاني يقولُ: إن “الهجمات الروسية الشرسة تحفز اتّهامات بالإبادة الجماعية في أوكرانيا”.

 

وَأَضَـافَ البحثُ أن السببَ في تركيز “نيويورك تايمز” على السياق بخصوص أوكرانيا أكثر من اليمن، هو “توجيهُ القراء” إلى تفسيرات معينة، حَيثُ “تعطي العناوين الرئيسية حول اليمن انطباعاً بأن الضرر المبلغ عنه عرضي وليس ناتجاً عن عنف التحالف، فيما تركز المقالات السياقية حول أوكرانيا على الآثار الواسعة للنزاع وتسلط الضوء على المسؤولية والمساءلة”.

 

 

 

انتقائيةٌ في توجيه المسؤولية عن الجرائم:

 

وأظهر البحث أنه من بين 50 عنواناً رئيسياً تحدث عن هجمات محدّدة نفذها تحالف العدوان في اليمن، فَــإنَّ 18 عنواناً فقط تضمن توجيه المسؤولية للسعوديّة وتحالفها، مُشيراً إلى أن بعض العناوين “تجاهلت المسؤولية بشكل صارخ” في الهجمات على المدنيين اليمنيين، كعنوان “ضربة في اليمن تصيب حفلَ زفاف وتقتلُ أكثرَ من 20 شخصاً”، حَيثُ أشار الباحثان إلى أن هذا العنوان قد يقود القراء للاعتقاد بأن السعوديّة لم تكن وراء الهجوم.

 

وعلَّق الباحثان أنه “من الصعب أن تتخيلَ ضربةً روسيةً على حفل زفاف في أوكرانيا يتم تغطيتها تحت عنوان (ضربة في أوكرانيا تصيب حفل زفاف وتقتل أكثر من 20 شخصاً)”.

 

وبالمقابل، وجد الباحثان أنه من بين 54 عنواناً رئيسياً حول هجمات محدّدة في أوكرانيا، فَــإنَّ 50 عنواناً تضمن إلقاء المسؤولية بشكل مباشر على روسيا؛ وهو ما اعتبراه “انتقائية في إسناد المسؤولية، حَيثُ يكون ذلك واضحًا في تغطية أحداث أوكرانيا، لكنه غالبًا يكون محجوباً عندما يتعلق الأمر بهجمات التحالف الذي تقوده السعوديّة في اليمن”.

 

وَأَضَـافَ البحثُ أن وسائلَ الإعلام الأمريكية لم تكتفِ بهذه الانتقائية، بل إن بعضَ العناوين الرئيسية تظهر تحالف العدوان وكأنه قلق بشأن الدمار الذي تسبب به، كالعنوان الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يونيو 2017، والذي جاء فيه أن “السعوديّين يتحَرّكون لمعالجة الخسائر المدنية في اليمن”، بينما في المقابل، أبدت الصحيفة رفضاً لمحاولات روسيا التعامل مع المدنيين، في عنوان جاء فيه أن “تفسيراتِ روسيا لمهاجمة المدنيين تتلاشى تحتَ المراقبة”.

 

 

 

تغييبُ دور تحالف العدوان في الأزمة الإنسانية:

 

وأوضح الباحثان أن انتقائيةَ الصحيفة الأمريكية شملت أَيْـضاً التعاطيَ مع الأزمة الإنسانية في أوكرانيا وفي اليمن، حَيثُ “تم تصوير الإجراءات الروسية التي تمنع تصدير الحبوب وتدمير المحاصيل والبنية التحتية الزراعية على أنها متعمدة كسلاح تحت عنوان (كيف تستخدم روسيا جوع الأوكرانيين كسلاح حرب)، لكن في المقابل لم يتم إعطاء هذه النية لحصار التحالف الذي تقوده السعوديّة، على الرغم من كونه المحرِّكَ الرئيسيَّ للمجاعة، بل إنه يعادلُ التعذيب، وفقاً لتصنيف المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، نادرًا ما تم إعطاؤه هذه النية”.

 

وأضافا أنه “في كَثُرَ من الأحيان، لا يتم ذكر التحالف على الإطلاق ضمن تغطية أزمة الجوع في اليمن” كما هو الحال في العنوان الذي نشرته الصحيفة الأمريكية في مارس 2021، وجاء فيه أن “المجاعةَ تتفشَّى في اليمن مع استمرار الحرب وتضاؤل المساعدات الأجنبية”.

 

وأظهر البحث أنه من بين 73 قصة عامة حول الأمن الغذائي في اليمن، فَــإنَّ أربعة فقط تضمن توجيه المسؤولية إلى تصرفات تحالف العدوان.

 

 

 

ازدواجيةٌ أخلاقية:

 

ووجد الباحثان أن الإعلامَ الأمريكي يمارسُ ازدواجيةً أخلاقيةً في التعامل مع الأحداث في اليمن وأوكرانيا، حَيثُ أظهر البحث أن “العناوين الرئيسية حول أوكرانيا تميل إلى استدعاء الأحكام الأخلاقية، مقارنة بنبرة أكثر حيادية بشأن اليمن، إذ يتم تصوير روسيا على أنها شرير عنيف ولا هوادة فيه ولا يرحم بعناوين مثل (القوات الروسية تقصف المدنيين…)، وَ(روسيا تضرب أوكرانيا…)، كما يتم تقديمُ الأوكرانيين على أنهم أبطال يقاتلون؛ مِن أجل بقاء أمتهم، ويتم إضفاء الطابع الإنساني عليهم في معاناتهم: (لقد ماتوا على جسر في أوكرانيا.. هذه قصتهم)، “لكن بخصوص اليمن فَــإنَّ عناوين نيويورك تايمز لم تتضمن روايات إدانة مماثلة للتحالف الذي تقوده السعوديّة، على الرغم من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان ومتعقبي النزاعات والخبراء الدوليين والإقليميين الذين ألقوا باللوم على التحالف في الغالبية العظمى من معاناة المدنيين”.

 

وَأَضَـافَ الباحثان أنه نتيجةً لهذه الازدواجية “يصبح المدنيون اليمنيون ضحايا منسيين، ولا يستحقون الاهتمامَ، وتحجبهم الأرقامُ المبهمة، واللغة المنفصلة عن عواقب عنف التحالف، وروايات حتمية الحرب، كما أن هذه القرارات التحريرية تحجب دور الولايات المتحدة في معاناة اليمن”.

 

 

مقالات ذات صلة