العالم يلعب بجوار شعبِ محاصر منذ ثمان سنوات

عبد العزيز البغدادي

الحديث عن الفصل بين السياسة والرياضة كالحديث عن الفصل بين الدين والسياسة أو العدالة والبيئة ينطلق من البحث عن القدر الضروري من الحياد الذي يضمن عدم استغلالها لأهداف خاصة لأن فن الكذب وليس فن الممكن في واقع السياسة بات المسيطر على كل تفاصيل حياتنا ولو كان الحاكم ممن يدعي التقوى، وبذلك تضيع قيم الدين القويم والسياسة السليمة وتذهب العدالة الحقيقية والبيئة النظيفة أدراج الرياح.

 

ورغم أهمية الرياضة فإن علاقة المجتمعات بفنونها وبالأخص في البلدان المتخلفة علاقة مختلة وغير متوازنة وإلا فماذا نسمي انشغال دولة لا يتعدى سكانها الأصليون (380000) ثلاثمائة وثمانين ألف نسمة إلى السعي المستميت منذ سنوات لاستضافة مونديال كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 وإنفاق أكثر من مائتن وثلاثين مليار دولار أمريكي حسب تقارير عديدة لكي يقال أن قطر قد مثلت الكرم العربي في أعلى درجاته وليصبح هذا الفعل منجزا تاريخيا في نظر البعض وفضيحة تاريخية وأكبر وأجمل صفقة فساد في التاريخ بنظر البعض الآخر ولكل منهما مبرراته وحيثياته، ومن المؤكد أنه حدث أسطوري بكل المعاني ومحسوب على أمة العرب التي يعاني غالبية شعوبها من الجوع والفقر والمرض والجهل وبجوار لا يبعد كثيراً عن دولة الملعب بلدٌ اسمه اليمن  تعداد سكانه يفوق خمسة وثلاثين مليون إنسان تحاصره السعودية والإمارات باسم مجلس التعاون الخليجي الذي يضم هذه الدولة ، ولا أظن أن أبناء قطر الذين يبدو عليهم الترف وأبناء الجزيرة والخليج يجهلون تاريخ اليمن، وأعتقد أن عيب من يحاول شراء حضارة بالمال أخف من عيب من يضيع حضارته الموغلة في القدم  بإهماله واجترار جذور الصراع، فالإنسان الحضاري هو من يصنع الحضارة لا من يقتات باجترار ماضيه ، ولا أقصد بهذا الإساءة لقطر أو لأي دولة خليجية فهم أهلنا وقومنا وربعنا كما يقولون، ولا أود إفساد فرحهم وابتهاجهم بهذا العرس الفخم، ولا يمكن لكلمة تصدر من إنسان ينتمي لشعب محاصر بكامله لديه القدرة على لفت انتباه أحد ممن غيبت أحاسيسهم ومشاعرهم هذه الفرحة الجامحة ولديهم القدرة على كل هذا الابتهاج بكل هذا البذخ الأسطوري والغرور وبجواره شعب محاصر هو أصل العروبة ولسان حاله يردد ما قاله الشاعر المرحوم يوسف الشحاري مخاطباً السفير السعودي أواخر السبعينيات:

 

(قل للسفير ابن الأمير … أخطأت تقدير الأمور

 

ماذا تريد أتشتري … بالمال أقداس الشعور

 

المال لا يشري سوى … جيف الزبالة والقشور

 

المال لا يشري سوى … المتعفنين من الجذور

 

جوعى؟  نعم جوعى ولكن … في شموخ كالنسور

 

مرضى؟ نعم مرضى ولكن … في صمود كالصخور

 

هذي الحقيقة ليتها … تحظى بقربى للأمير)

 

نعم لا نطلب ولن نطلب من كل العالم سوى المساعدة في كف أذى المجاورين وغير المجاورين والتوقف عن نهب ثرواتنا، فاليمن هو الأغنى بشعبه الأبي الكريم وثرواته فإن لم يفعلوا فاليمنيون قادرون على تغيير المعادلات وسيفعلون ما يقولون حين يستعيدون وعيهم.

 

أكبر مساعدة يمكن تقديمها لليمن أن يقال للسعوديين والإماراتيين الذين تحلبهم أمريكا وبريطانيا كفى وعليهم فقط ترك اليمن لأهله، ومعلوم أن هذا الحصار ليس سوى حلقة من حلقات العدوان السعودي المستمر على اليمن منذ وجدت دولة آل سعود قبل ثمانين عاماً.

 

الرياضة يا سادة جزء من الحياة وليست كل الحياة ولا ينبغي أن تتحول إلى أداة بيد الحكام لتخدير الشعوب غير المنتجة والملتهبة بالحروب العبثية والشعوذة، والشعوب الحية توجه جهودها نحو الإنتاج والميتة نحو المقابر، ولا يعد من بين الشعوب والدول الحية هذه الدول الجاثمة فوق آبار النفط الموشكة على النفاد ولهذا وجهها من يحلبها للانقضاض على الأراضي اليمنية التي يوجد بها بحيرات من النفط  في الجوف ومارب وحضرموت وبقية المحافظات مثل شبوة والمهرة بهدف حرمان اليمن من ثرواته، ولو وجد وعي وتعايش حقيقي بين اليمنيين أولا ثم بينهم وبين الدويلات المجاورة لأدركوا أن أسباب الأمن إنما تأتي من الداخل.

 

الأرض لمن يزرعها ويستخرج خيراتها من باطنها ويسهم إسهاما حقيقيا في التنمية وليست لمن ينام على ظهرها ويهدر ما استخرج أو بالأصح ما استخرج باسمه في مهرجانات ومسابقات رياضية، ومن تابع كأس العالم أدرك أن الفرق المشاركة إما من إفراز الشعوب الحية أو من صنع المال المجرد من الإحساس الحقيقي بالآخرين ولهذا كان الحب الحقيقي بادياً على ملامح المنتمين للشعوب الحية من المشاركين في حين كان الهم العام للفريق السعودي مثلاً وجزء من مشجعيه إرضاء ولي العهد والحصول على الجائزة المالية، وكان الابتهاج بالفوز على الأرجنتين بفارق هدف (2–1) يفوق الابتهاج باختراع الذرة أو صعود القمر وما نعيشه من ثورة علمية ومعلوماتية تملأ حياة الإنسان بهجة وفاعلية بصمت وتواضع وبعض الأنظمة تستخدم ما ينتجه العلم في تجهيل شعوبها بالمهرجانات والاحتفالات والإعلام المضلل.

 

وللإنصاف فإن ما صنعته قطر يمكن أن تصنعه غيرها من البلدان المجاورة بل وقد تحتفل دَينا أو تتسول لتستضيف كما فعلنا في خليجي عشرين عام 2010 ، وما يقوله البعض عن مونديال قطر ليس سوى نوع من الحسد والغيرة البدوية إذ ما كان الأمر سيختلف لو كانت السعودية أو غيرها هي المضيف فثقافة الاستبداد واحدة وإن تعددت تمظهراتها ومكوناتها التاريخية والموضوعية، والحديث عن الفصل بين السياسة والرياضة كالسعي لتبرئة المخدرات من آثارها على جسم الإنسان وعقله، ولا ينبغي أن ننسى نحن اليمنيين أن الثورة الحقيقية إنما تبدأ بوقفة جادة وحازمة من وباء القات الذي ينهش الأجساد ويذهب العقول فيجعل بعض المحسوبين على اليمن يرون في العدوان على وطنهم والبقاء في قبضة الصراعات الداخلية عملاً وطنياً، ومن أكبر العيوب أن نبرر عجزنا ونكتفي بلعن من يتدخل في شؤوننا ما دامت الاختلافات والأحقاد والثقافة المريضة العتيقة تأكلنا وتلهينا عن البحث عن مصالحة وطنية حقيقية تنقذ اليمن أو ما تبقى منه وتعرف كيف تحميه وتنميه.

 

 

مقالات ذات صلة